في المشهد الأخير لنفرة الحجيج.. اغتسل ضيوف الرحمن.. حضرت الأمطار ونجحت الخطط

رغم السيول.. السعوديون ثابتون في أماكنهم

شهدت مكة المكرمة والمشاعر المقدسة هطول أمطار غزيرة أمس (تصوير: غازي مهدي)
TT

ما بين تلبد الغيوم التي حفت سماء مكة، وبين طواف الإفاضة، اختلطت دموع الحجاج المكبرين بالغفران برذاذ المطر الذي التحف إزارهم ورداءهم، حيث وقفوا جموعا متراصة في المشاعر تحفهم رياحين المغفرة والعتق من النار، لم تثنهم غزارة تلك الأمطار عن استقبال رحماتها التي غسلت خطاياهم ونقتها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

المشهد الماطر على الرغم من غزارته واكتنافه الكثير من الأخطار المحتملة، فإنه لم يمنع أكثر من 60 في المائة من العدد الكلي للحجاج الذين أرادوا الاستعجال والعودة إلى أوطانهم، وباتت رشات المطر والاغتسال الرباني آخر فصول الرحمة في رحلة تخللتها المشاق وأضناها التعب، ليحل المشهد بكامله مؤطرا بالأجواء المطيرة التي ساقتها الرحمات عبر نسائم المغفرة التي تجملت بها مناحي مكة وشعابها.

وأضافت مصلحة الأرصاد وحماية البيئة في تقريرها اليومي بأنه يستمر تواجد تشكيلات من السحب المتوسطة والمنخفضة على مناطق شمال السعودية، خاصة الشرقية منها، كما يشمل تواجد السحب على أجزاء من مناطق غرب المملكة خاصة منطقة مكة المكرمة تشمل (مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وجدة) قد تتخللها سحب ركامية رعدية تصحب بنشاط في الرياح السطحية تحد من مدى الرؤية الأفقية في حين لا يستبعد أن تهطل منها أمطار خفيفة إلى متوسطة، كما تظهر تشكيلات من السحب على المرتفعات الجنوبية الغربية والغربية.

وحول خطط مجابهة السيول في المشاعر قال العميد الفايدي، قائد الدفاع المدني بمنى، إن قيادة الدفاع المدني بمنى تجهزت لكل الاحتمالات الممكنة التي شملت جميع أعمال المسح الوقائي لمساكن الحجاج، وشبكة الأنفاق وشبكات الإطفاء، وإجراء الفرضيات التدريبية على مواجهة مخاطر الأمطار والسيول، ونشر وحدات متخصصة بالقرب من محطات قطار المشاعر الثلاث بمشعر منى، التي يبدأ تشغيلها هذا العام، إضافة إلى تجربة شبكات الإطفاء الآلية البالغ عددها 1300 شبكة تغطي جميع مناطق منى.

وأضاف العميد الفايدي أنه تم رصد عدد من المواقع المنخفضة التي تتسم بالخطورة في حال سقوط أمطار غزيرة، واتخاذ الإجراءات الاحترازية كافة، من خلال خطة يشارك في تنفيذها أكثر من 11 جهة حكومية. مشيرا إلى إجراء مسح شامل للتأكد من سلامة شبكات تصريف السيول وإزالة أي عوائق قد تؤثر في فعاليتها، إضافة إلى نشر عدد من فرق الإنقاذ المائي في المواقع المعرضة لمخاطر السيول والمجهزة بأعداد كافية من قوارب الإنقاذ، إضافة إلى تجهيز عدد من المواقع داخل مشعر منى لإخلاء الحجاج من المخيمات التي قد تتسرب مياه الأمطار إليها.

ولفت العميد الفايدي إلى وجود عدد من الفرق لمتابعة شبكة الأنفاق بمنى على مدار الساعة؛ للتأكد من خلوها من أي مخاطر تهدد سلامة الحجاج، والتأكد من فاعلية أنظمة التهوية بها، ومعدلات الغازات الناجمة عن احتراق وقود المركبات والسيارات، والتنسيق مع إدارة المرور بالعاصمة المقدسة لمنع تكدس الحجاج داخل الأنفاق، مع إمكانية إغلاق بعض الأنفاق وإيجاد طرق بديلة مناسبة.

ويصف أحد الحجاج الأميركيين في شارع «طلعت صدقي» وهو أحد المتعجلين لطواف الوداع، بأن المشهد إيماني بالكامل، لأول مرة أشهد بأم عيني تلك الأجواء المحفزة والجميلة، أشعر أنني لا أريد الابتعاد عن زخات المطر، أشعر بغفران الذنوب أشعر بأنني تحررت من كل القيود، أمطار تحفها الرحمة لأناس شعث غبر، أتوا من كل فج عميق، تهافتوا جميعا لنيل الجائزة الكبرى، وهي الفوز بالجنان والغفران من الذنوب والمعاصي، وزاد: «قلما يجد الإنسان نظيرا لذلك، سمعت أن مكة بلد حار وأجواءها حارة ولا يتأتى أن تكون ماطرة بيد أنني اكتشفت مشهدا مغايرا لكل ما تعودت عليه نفسي واستحضرتها ذاكرتي من مشاهد متعددة نقلت لي».

ونتيجة هطول الأمطار على منطقة مكة المكرمة، حذرت إدارة الدفاع المدني الحجاج بالابتعاد عن المناطق الخطرة والمنحدرات الخطرة التي تحيط بمشعر منى والمناطق المتأثرة بالسيول، منبهة في السياق ذاته توخي الحذر وأخذ الحيطة من جميع المخاطر.

وعن ذلك قال الدكتور أسامة البار، أمين عام العاصمة المقدسة لـ«الشرق الأوسط»: إن الأمانة اكتسبت خبرة في مواجهة السيول ونفذت مشاريع حيوية لتصريفها رغم أن الأمطار الفجائية هي التي تسبب الضرر الأكبر، خاصة إذا كانت السحب منخفضة. وحدد الدكتور البار بعض المواقع في مكة المكرمة التي تشكل خطرا حقيقيا في حالة هطول الأمطار، تشمل الطريق الدائري الثالث من جهة مخرج الكعكية، التقاطع المجاور لمبنى الهيئة العليا لتطوير مكة، الطريق الدائري الثاني في بئر بليلة، وادي جليل، وسد وادي هميجا، وأرجع أمين العاصمة المقدسة وجود أبنية في الأودية إلى الهجمة العقارية التي شهدتها مكة في التسعينات الميلادية. ولفت الدكتور البار إلى أن مركز بحرة يمر به 4 أودية كبيرة منها واد واحد يحتاج إلى تشييد سد له وهو وادي كتان، مبينا أن بعض التعديات تقع في أودية «توجد اعتداءات كثيرة في منطقة الكر رغم وقوعها وسط وادي نعمان الذي يصب فيه وادي رهجان» كاشفا أن موقع محطة قطار المشاعر يقع في وسط مجرى وادي نعمان مؤكدا سلامة البنية التحتية لجميع مرافق الخدمات في العاصمة المقدسة.