السعودية: حجاج بيت الله الحرام يعاودون الوقوف على إصلاحات تبعات كارثة جدة

تمحورت أسئلتهم حول المناطق المتضررة من السيول العام الماضي

معظم الحجاج بدأوا في التساؤل حول الأضرار التي لحقت بمدينة جدة منذ وصولهم («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي وقف فيه العام الماضي نحو مليون و600 ألف حاج قدموا من مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بعد أن أدوا مناسك الحج على أكمل وجه ليكونوا شاهدين على الدمار الذي خلفته أحداث كارثة جدة، جاء مثلهم هذا العام ليشهدوا على الإصلاحات التي قامت بها الجهات المعنية طيلة عام كامل لتنجح في تنفيذ مشاريع مؤقتة وحلول عاجلة من أجل إعادة المياه إلى مجاريها.

حجاج العام الماضي أثناء جولاتهم في جدة عن طريق المرشدين المرافقين لهم في حملاتهم لالتقاط الصور التذكارية بها، استوقفتهم «بقايا» المواقع المتضررة التي شهدت موت 132 شخصا، ليشبهوها بـ«مناطق الأشباح»، إلا أن حجاج هذه السنة البالغ عددهم نحو 1.7 مليون حاج تمكنوا من رؤية تحوّل تلك البقايا إلى مناطق كاملة تدب فيها الحياة مجددا بشكل طبيعي.

ولم يكن يتوقع الحاج الأردني ناصر إبراهيم أن يرى عروس البحر بهذه الروعة، على حد قوله، في ظل توقعاته برؤية مخلفات دمار كبيرة تركتها أحداث سيول العام الماضي، مؤكدا أن مدينة جدة ما زالت تزداد جمالا على الرغم من كل ما حل بها.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «قمنا بأخذ جولة سريعة في المناطق التي تضررت، والمتمثلة في جنوب جدة ومنطقة قويزة تحديدا، إلا أن ما قامت به الدولة من إصلاحات جعلتنا نندهش فعلا بعد أن رأينا مقاطع فيديو عبر مواقع الإنترنت ووسائل الإعلام حول ما حدث لها أثناء الكارثة».

وأشار إلى أن أهل مدينة جدة أيضا تمكنوا من التغلب على ما مروا به من مأساة، مرجعا سبب ذلك إلى قرارات التعويضات والإجراءات التي قامت بها الجهات المعنية بشكل أسهم في التئام جراح المنكوبين منهم.

وأضاف: «كنت أرغب في زيارة الأماكن الترفيهية والمجمعات التجارية الموجودة بجدة، غير أن ارتباطي بجدول الحملة حال دون ذلك، الأمر الذي جعل زيارتنا مقتصرة على الكورنيش والبلد والمنطقة التاريخية الموجودة بها».

الحاج محمد دمنهوري المقبل من جمهورية مصر العربية، بيّن أنه حرص على اقتناء أكبر عدد ممكن من السبح والسجاد والمصاحف إثر زيارته لمنطقة البلد والتجول بين أسواقها القديمة، موضحا أن أبرز ما شد انتباهه في جدة مشاريع الكباري والكورنيش.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أبحث عن بعض الميادين التي كانت تميز عروس البحر بعد أن رأيت صورها لدى أصدقائي الذين حظوا بزيارتها مسبقا قبل إزالتها، إلا أنني شاهدت مشاريع الكباري بدلا منها»، مشيرا إلى أن الأماكن المتضررة العام الماضي كان لها نصيب خلال جولتهم في جدة.

وعلى الرغم من مرور عام كامل على أحداث «الأربعاء الأسود» الذي شهدته عروس البحر الأحمر، فضلا عن اختلاف الظروف المناخية خلال موسم حج هذه السنة عنها في الموسم الماضي، فإن ذلك لم يجد نفعا في تخفيف تخوّف البعض من المكوث لأوقات طويلة بمدينة جدة.

الحاجة صفية ممدوح إحدى حجاج المغرب، أكدت أنها لم تكن مطمئنة كثيرا خلال جولتها في جدة، وهو ما قلل من حجم الاستمتاع بما يوجد بها، مبينة أنها كانت ترغب في العودة إلى مكة المكرمة بأسرع وقت ممكن.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «قد تكون لتوقعات الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة حول إمكانية هطول أمطار على جدة سبب في استمرار حالة القلق التي شعرت بها، خصوصا أن أفراد عائلتي وأبنائي ينتظرون عودتي، إلى جانب قرب زواج ابنتي التي تعد هاجسي الوحيد».

ولكنها استدركت قائلة: «ما زالت جدة محافظة على لقبها كعروس البحر الأحمر نتيجة لما تتمتع به من أجواء مختلفة عن بقية مناطق السعودية الأخرى، أو لكونها تحوي جنسيات وثقافات متعددة أو لاحتوائها على مرافق ترفيهية متميزة»، مشيرة إلى أنه سبق أن عاشت بجدة قرابة 7 سنوات قبل عودتها إلى بلدها.

وكان مصدر مسؤول في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة قد كشف في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» عن أن المجال لا يزال مفتوحا بالنسبة لمدينة جدة كي تشهد هطول أمطار خلال الفترة المقبلة، في ظل حالة عدم استقرار الأجواء التي تعيشها السعودية بشكل عام، مبينا أن موسم الأمطار العام الماضي كان نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، بينما تزامن موسم حج هذا العام مع منتصف نوفمبر.

وأوضح آنذاك حسين القحطاني، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، أن أجواء السعودية تمر حاليا بفترة عدم استقرار، نتيجة تأثرها بمنخفض حركي يتمركز في المناطق الشمالية منها، إلى جانب منخفض السودان الذي يؤثر عادة على منطقة مكة المكرمة، مما يؤدي إلى تكوين سحب ركامية رعدية ممطرة.

وقال في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»: «بحسب التقارير الموجودة لدى الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، فإن الأمطار المتوقع هطولها ستكون في إطار المعدل الطبيعي ولن تكون جارفة».

من جهته، أوضح عادل الحربي المشرف على مخيمات حجاج جنوب شرقي آسيا في إحدى حملات الحج أن معظم الحجيج بدأوا في طرح أسئلتهم حول الأضرار التي لحقت بمدينة جدة منذ وصولهم إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن عددا كبيرا من الحجاج القادمين يحملون شهادات تعليمية عالية، فضلا عن تمتعهم بثقافة واسعة حيال الأوضاع في السعودية قد تفوق معلومات السعوديين أنفسهم، الأمر الذي يجعلهم يسعون إلى الوقوف على أرض الواقع لرؤية ما لديهم من تلك المعلومات».

وذكر أن برامج الرحلات السياحية لمدينة جدة عادة ما تكون لحجاج الخارج، من ضمنهم حجاج جنوب شرقي آسيا وتركيا ومسلمي أوروبا والدول الأفريقية العربية وغيرها على حد سواء، مبينا في الوقت نفسه أن هذه الزيارة تأتي بعد انتهاء أيام التشريق وقبل تأديتهم لطواف الوداع.

وزاد قائلا: «تستغرق الجولة في مدينة جدة كأقل تقدير نحو ساعتين متواصلتين، تتم من خلالها زيارة الكورنيش والبلد والمنطقة التاريخية وباب مكة، إلى جانب المناطق التي شهدت ضررا خلال كارثة جدة العام الماضي، ومن ثم يعود الحجاج مرة أخرى إلى مكة المكرمة لأداء طواف الوداع».

ولفت المشرف على مخيمات حجاج جنوب شرقي آسيا في إحدى حملات الحج إلى وجود مرشدين مع كل مجموعة من مجموعات الحجاج، الذين لاحظوا تمحور أسئلة الحجيج حول الأماكن المتضررة، في ظل توقعاتهم برؤيتها غارقة ومدمّرة، بناء على ما شاهدوه العام الماضي في وسائل الإعلام.