موسم الحج.. بوابة تعليمية حية يستغلها أهالي المنطقة الغربية لتعلم الكثير من الثقافات

تتوسع فيه دوائرهم الاجتماعية ويكتسبون لغات مختلفة

من بين الفوائد الكثيرة للحج التواصل مع الحجاج من الدول الأخرى («الشرق الأوسط»)
TT

كثيرة هي الفوائد التي تعود على أهالي مكة المكرمة والمنطقة الغربية بشكل عام من خلال موسم الحج، والتي لا تقتصر فقط على العوائد المادية إما عبر البيع والشراء أو الاستفادة من تأجير المساكن إلى الحجاج، بل إنها تعدت ذلك لتصل إلى تكوين علاقات اجتماعية قد لا يستطيع الفرد الحصول عليها أثناء حياته الطبيعية، عدا عن اكتساب كم هائل من المعلومات المتعلقة بعادات وثقافات الشعوب الأخرى.

موسم الحج هو بمثابة بوابة تعليمية لكثير من الأهالي المعتادين على الاحتكاك المباشر مع حجاج بيت الله الحرام من مختلف دول العالم، حيث إنهم يتعلمون منهم حتى طرق التعامل مع الناس، ولا سيما أن هذا الموسم يشهد تواجد حشود غفيرة من شأنها أن تسهم في زرع مفاهيم جديدة لدى سكان منطقة غرب السعودية على وجه العموم.

ومن منطلق المثل الشعبي (حج وبيع سبح)، يرى العم علي أحمد أحد سكان مكة المكرمة أن الفائدة من تأجير منزله خلال موسم الحج لا تقتصر على الكسب المادي فقط، وإنما تمتد لتصل إلى القدرة على معرفة الناس وشخصياتهم وطريقة التعامل معهم، مبينا أن هناك حجاجا اعتادوا على السكن عنده كل عام.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سادس أيام شهر ذو الحجة أبدأ في استقبال الحجاج، غير أن هناك من يأتون في أول أيام عيد الأضحى، خصوصا حجاج دول الخليج، والذين ينزلون إلى مشعر عرفات فور وصولهم، ومن ثم يسكنون عندي خلال أيام التشريق».

وفيما يتعلق باستمرار العلاقات الاجتماعية بينه وبين الحجاج الساكنين لديه، أفاد العم علي بأن ذلك يعتمد على طباع وشخصيات الحجيج أنفسهم، حيث إن هناك من يحب الاختلاط بالآخرين والتعرف عليهم، بينما آخرون لا يفضلون هذا الأمر، إلا أنه بشكل عام تمكن من توسيع دائرة معارفه في معظم دول الخليج وعدد من الدول العربية على مدار السنين.

وعلى الرغم من زيادة الشؤون المنزلية والأعمال اليومية عليها خلال موسم الحج، فإن السيدة أم كمال لم تشعر يوما بأي انزعاج حيال استقبالها للحجاج الساكنين لديهم في موسم الحج، مؤكدة أن في خدمتهم ثوابا كبيرا من عند الله عز وجل.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «من الواجب علينا نحن أهالي مكة المكرمة تحديدا خدمة الحجيج بشتى الطرق كونهم ضيوف الرحمن، وهو ما يجعلني أكلف أبنائي بقضاء حوائج الحجاج الساكنين لدينا سواء توفير مستلزمات لهم أو حتى تنقلاتهم خلال فترة إقامتهم».

وأبانت بأنها ما زالت متواصلة مع الكثير من السيدات اللاتي تعرفت عليهن في موسم الحج، إلى جانب تبادل الزيارات فيما بينهن عندما تسافر لبلدانهن، مؤكدة أن أبرز ما يميز تلك العلاقات هو خدمة الحجاج لوجه الله عز وجل واكتساب قاعدة معلومات كبيرة عن عاداتهم وتقاليدهم وطباعهم.

موسم الحج يعد أيضا مدرسة حية لتعلم الكثير من اللغات التي قد لا يستطيع الشخص الإلمام بها إذا ما التحق بمعاهد متخصصة بها، غير أنه يتمكن من ذلك كونه يحتك بشكل مباشر مع حجاج مختلفين، الأمر الذي يكسبه تلك المهارة نتيجة ممارسة اللغة معهم والتعلم الذاتي والسريع منهم.

ومن خلال احتكاكه بحجاج بيت الله الحرام في البيع والشراء طيلة 18 عاما، استطاع وليد إتقان التحدث بنحو 4 لغات غير العربية، وذلك بعد اكتسابه من حجاج دولة نيجيريا 3 منها تتضمن الإنجليزية والهوسا والنيجيرية، في حين تعلم الفرنسية من الحجاج السنغاليين.

وليد الشرعبي أحد العاملين في محلات لبيع الأقمشة الخاصة بالحجاج الأفارقة ذوي البشرة السمراء، يؤكد أن التعامل مع الحجاج خلال موسم الحج أكسبه معلومات كثيرة عن ثقافات الشعوب الأخرى، لافتا إلى أنه عادة ما يكون متحمسا جدا لهذه الأيام التي تتيح له التعرف على أفراد جدد.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «منذ أن بلغت الرابعة عشرة من عمري بدأت في تعلم لغات الحجاج التي من ضمنها لغة البيع والشراء بحكم عملي، غير أنني تمكنت منها بشكل أكبر بعد تخرجي من الثانوية العامة كوني عملت لمدة 3 سنوات متواصلة قبل التحاقي بالجامعة».

وأشار إلى أنه استفاد أيضا من غيره أصحاب الخبرة في هذا المجال، حيث إنه كان يسألهم عن كل مفردة ينطق بها أي حاج ليعرف معناها بالعربية ويضيفها إلى قاموسه اللغوي، مبينا أنه استطاع أيضا تعلم الأرقام كي يستخدمها في لغة البيع، عدا عن الكلمات المستخدمة في التسويق للمنتج أو إقناع الزبون به.

وأضاف: «أتاح لي مجال عملي بين الحجاج فرص تكوين علاقات اجتماعية مستمرة من خلال تواصلي معهم عبر الهاتف، إلى جانب وجود آخرين يفضلون التقاط صور تذكارية معنا داخل المحل، إلا أن التحاقي بالجامعة كان سببا في التقليل من تواجدي داخل المحل باستمرار»، موضحا أن هناك من يكرر زيارته لمحله في كل عام يأتي فيه إلى الحج.

وذكر الشرعبي أنه لن يجد أي صعوبة في التعامل مع هؤلاء الحجاج إذا ما زار بلدانهم، خصوصا أنه يستطيع التحدث ولو قليلا بلغاتهم التي تعتمد في مجملها على الإنجليزية والفرنسية.

بينما يملك ريان مصطفى سيف القدرة على التحدث بنحو 10 لغات مختلفة اكتسبها في غضون 7 سنوات عمل بها بين حجاج بيت الله الحرام بأحد محلات بيع الساعات والهدايا القريبة من ساحات الحرم النبوي الشريف، ولا سيما أنه كان يلازم والده منذ صغره، مما جعله يتمكن منها في وقت مبكر.

ويقول ريان الذي ما زال يواصل دراسته الجامعية بكلية الطب: «أستطيع التحدث بلغات عدة من ضمنها الإنجليزية والتركية والفارسية والروسية والنيجيرية، حيث تمثل لغة الأرقام منها نسبة 40 في المائة وذلك نتيجة تعاملي مع الحجاج في البيع والشراء».

وأبان بأنه قد يتعرض في بعض الأحيان إلى مواقف لا يفهم فيها لغة الحجاج الذين يتحدثون معه، إلا أنه من خلال الاحتكاك المستمر بينهم والاستفادة من خبرات الآخرين من البائعين يستطيع تجاوزها وتعلم أشياء جديدة منها.

وزاد: «إن التعامل مع الحجيج لا يكسب القدرة على تعلم اللغات فحسب، وإنما يمنحنا علاقات اجتماعية كثيرة نفوز من خلالها بزبائن دائمين، والذين يزوروننا كل عام، عدا عن زيادة الثقة فيما بيننا التي تضمن التواصل المستمر»، مشيرا إلى أن تعايشه مع الحجاج في موسم الحج جعله يتعرف على عقلياتهم وشخصياتهم إلى درجة أنه بات يميز بينهم بمجرد النظر إليهم، على حد قوله.

ولا يقف الأمر على ذلك فحسب، وإنما يفكر ريان في تطوير لغاته التي اكتسبها عن طريق عمله كي تخرج عن نطاق لغة البيع والأرقام فقط، ولا سيما أنه يمتلك القواعد الأساسية لكل لغة منها، الأمر الذي من شأنه أن يسهل عليه تعلمها بشكل أكبر.

واستطرد في القول: «إن عملي مع الحجاج النيجيريين أفادني كثيرا في تنمية اللغة الإنجليزية لدي باعتبارهم يتحدثون بها بطلاقة، وهو ما ساعدني كثيرا بعد التحاقي بالجامعة».

ويرى ريان أن أصعب اللغات التي اكتسبها تتضمن التركية والفارسية بحكم صعوبة النطق بها واختلاف أحرفها، غير أنه أصبح يتحدث الأولى بنسبة 60 في المائة، بينما ما زال يسعى إلى الإلمام بالثانية مع مرور الوقت.