الهجرة من الريف إلى المدينة تتجاوز نسبة 74%

خبراء لـ «الشرق الأوسط»: سكان المناطق الجبلية يتصدرون قائمة المهاجرين من الأرياف إلى المدن الكبرى

تأثيرات بادية على الكثير من القرى عقب هجرة الشباب إلى المدن («الشرق الأوسط»)
TT

قدر مراقبون نسبة ارتفاع هجرة السعوديين من الأرياف إلى المدن بنسبة تفوق حاجز الـ74 في المائة، منوهين بتأثيرها على خصائص السكان الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

يأتي ذلك في وقت يخيم فيه الهدوء الشديد على القرى والأرياف في مختلف مناطق المملكة، ويلاحظ الزائر للأرياف قلة وجود الشباب ورفض كبار السن للهجرة، الأمر الذي قد يعرض ممتلكاتهم للضياع، بحسب أحمد علي (80 عاما) من محافظة النماص (جنوب السعودية)، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» عن الهجرة «إنه و3 من أبناء قريته والمقاربين لعمره، هم الباقون حتى هذا اليوم في القرية». يقول «البقاء وفاء للأرض التي قضينا مجمل حياتنا بأكملها داخلها».

من جهته، أوضح الدكتور مازن عطية وهو أكاديمي وباحث اجتماعي سعودي، أن هناك أسبابا طاردة في الأرياف وأخرى جاذبة في المدن، تقع خلف ستار الهجرة، مستعرضا العوامل الجاذبة في المدن بالقول إن «المحفزات الاقتصادية، وفرص العمل التي تحسن دخل المهاجر، إلى جانب الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، ووسائل الترفيه والحياة العصرية، تصنف كعوامل جاذبة لغالبية المهاجرين، فيما يفتقدها سكان الأرياف».

وأكد الباحث الاجتماعي أن الفوارق «الحياتية» الحديثة بين الأرياف والمدن شكلت ثقافة النزوح، خاصة في جنوب غربي السعودية. وقال «تزداد عملية النزوح عند ساكني المناطق الجبلية والزراعية»، مستعرضا تاريخ الهجرة بأنها «تعود إلى بداية إنشاء المدن، كونها ظاهرة اجتماعية اقتصادية، وحلا آخر يوفر سبل المعيشة ويواكب الحياة المدنية الحديثة، التي يشارك في إظهارها الإعلام بشكل إيجابي بعض الأحيان، وخاليا من السلبيات رغم وجودها».

ولفت الدكتور عطية إلى دراسة صينية أكدت أن إنتاجية المهاجرين تعادل أربعة أضعاف سكان الأرياف غير المهاجرين، ولهذا تعاني إثيوبيا الفقر لأن الدولة تفرض معوقات على الهجرة، مما أبقى كثيرا من السكان في الأرياف، يعتمدون على المساعدات الغذائية. وأردف الدكتور عطية «وهذان المثالان يعكسان أهمية الهجرة من الأرياف إلى المدن، وهي نموذج يشرح الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الدول النامية».

وأضاف الباحث الاجتماعي أن أغلب ساكني الأرياف في الوقت الحاضر، هم من كبار السن والباقي يربطهم بالمكان عمل أو دراسة، حيث تعتمد الهجرة على رب الأسرة أو الأبناء، رغبة في البحث عن فرص للعمل أو اتباع أسلوب حياة أسهل في المدن وذلك عند مقارنة البنى التحتية للأرياف بالمدن.

يعود أحمد علي هنا بالقول: «انتقل أبنائي بحثا عن فرص عمل جيدة، وإكمال الدراسة، وهذا ما جعلني أرضخ للأمر الواقع فمحاولتهم المتكررة في إقناعنا في الذهاب معهم ورفضنا لذلك، جعلهم يجدون من زيارتهم لنا في مواسم الإجازة الرسمية حلا أخيرا للتواصل الأسري الاجتماعي، فمنهم من انتقل إلى جدة ومنهم من هو في مدينة الرياض». وعن رأيه في اختيار أبنائه للهجرة يقول أحمد علي «لست سعيدا بذلك القرار ولكن أغلب أبناء القرى المجاورة (وهو يشير بيده) وقريتنا اختاروا الهجرة كحل اقتصادي اجتماعي يساعدهم في أمور حياتهم الأسرية خاصة في ظل تضاؤل الإنتاج الزراعي وقلة الأراضي الزراعية، التي باتت حاليا تعتمد على أيد عاملة من جنسيات وافدة نظرا لعدم تمكننا نحن (الأولين) على العمل في الرعي والزراعة كما كان سابقا».

وعن سلبيات ارتفاع نسبة الهجرة الحضرية للمدن، يقول الباحث الاجتماعي «قد تؤثر الهجرة على التنمية في المناطق المختلفة داخل السعودية من خلال تأثيرها المباشر على توزيع السكان وصفاتهم، كما أن الجهات الخدمية قد تواجه صعوبة في توفير الخدمات الضرورية للفرد في حال تزايد عدد السكان، الذي نتج عن الهجرة الريفية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العقار في تلك المدن، لتخلق مشكلة اقتصادية جديدة قد يجد المهاجر صعوبة في تخطيها»، ملمحا إلى أهمية الزراعة في التقليل من نسبة ارتفاع المهاجرين وتخفيف الضغط السكاني على المدن وذلك من خلال تطوير القطاع الزراعي لإيجاد فرص عمل جيدة، والإبقاء على المصدر الاقتصادي الرئيسي في الأرياف مع ضخ بعض التعديلات وفق الفعاليات الزراعية.

وعن سمات المهاجرين من الأرياف إلى المدن، أوضح الباحث الاجتماعي أن عملية الهجرة الحضرية هي عملية انتقائية، يقول «عادة ما يهاجر خلالها السكان الأفضل تعليما والأكثر نشاطا ومقدرة على المنافسة في سوق العمل، وبالتالي، بحسب قوله، تجرد المناطق الريفية من قوتها البشرية المنتجة، الأمر الذي سوف يؤثر سلبا على التنمية الريفية بشكل عام والتنمية الزراعية بصورة خاصة».

وتوقع أن هجرة الكوادر البشرية الشابة ذات التعليم الجيد قد تؤثر سلبا على فرص تحقيق التنمية الريفية والتنمية الزراعية المستدامة، استعرض الباحث الاجتماعي دراسة أخرى أوضحت أن من الآثار السلبية للهجرة الريفية - الحضرية في السعودية هي انخفاض نسبة الذين كانوا يعملون في الزراعة من 22.2 في المائة قبل الهجرة إلى 1.4 في المائة بعد الهجرة، وأن 40.1 في المائة من الذين كانوا يعملون بالزراعة قبل الهجرة ما زالوا يحتفظون بمزارعهم ولكنها غير مستغلة.

من جانب آخر، يقول سيف العبد الله وهو محلل اقتصادي سعودي إن «الهجرة قد تؤثر سلبا على المناطق الريفية، بيد أن تأثيرها على المدن إيجابيا يسهم في توفير أيد عاملة، وينعش القطاع الاستثماري والاقتصادي في المدن التي يهاجر إليها الريفيون»، مستدركا «لا يعني ذلك إهمال الأرياف، بل لا بد من أن توضع خطط تنموية اقتصادية متوازنة تساعد في توزيع المهام والمشاريع الاقتصادية بين المدن والأرياف، وتوسيع مساحة الأراضي الزراعية وإعادة تأهيل ما أهمل منها حتى وإن كان ذلك بدعم مادي بسيط، تشجيعا لأصحابها على زراعتها، فضلا عن تنمية المدن الصغيرة حتى يخف الضغط على المدن الكبيرة لاحتضان فائض المهاجرين من الأرياف للمدن الكبيرة». ولفت العبد الله إلى أن عملية الهجرة ستستمر لمدى بعيد، سواء على مستوى المناطق السعودية أو الدول العربية، على الرغم من سلبياتها الاجتماعية والاقتصادية والمنعكسة على كل من الأرياف والمدن.