في ذكرى مناهضة العنف ضد المرأة.. 294 قضية عنف.. 74% منها «بدني ونفسي»

جمعية حقوق الإنسان تخص «الشرق الأوسط» بآخر الإحصاءات.. وحقوقية تطالب بـ«قوانين ملزمة»

TT

في حين تحتفل نساء العالم غدا الخميس؛ بذكرى اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي يصادف تاريخه الـ25 من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، أعرب اختصاصيون وحقوقيون سعوديون عن قلقهم إزاء تزايد حالات العنف الأسري والمسجلة ضد النساء تحديدا، حيث خصت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، «الشرق الأوسط» بآخر إحصائياتها، التي تكشف تسلمها 294 قضية عنف منذ بداية العام الحالي وحتى شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وهو رقم يفوق مجمل المسجل للعام الماضي (257 قضية)، وذلك على الرغم من تبقي أكثر من شهر على نهاية العام الحالي.

ووفقا للإحصائية، فإن قضايا العنف البدني والنفسي سيطرت على نحو 74 في المائة من مجمل قضايا العنف المسجلة لدى الجمعية منذ بداية هذا العام وحتى الشهر الماضي، وجاءت قضايا الحرمان من الزواج (عضل البنات) ثانيا بنسبة 6.8 في المائة، ثم قضايا طلب الإيواء بنسبة 4 في المائة، تبعها قضايا التحرش الجنسي ب-3.4 في المائة، ثم قضايا العنف الناتج عن الإدمان وقضايا الحرمان من الراتب والتعدي على الممتلكات بنسبة 2.7 في المائة لكليهما، تلاها الحرمان من رؤية الأم بنسبة 1.7 في المائة، ثم الحرمان من التعليم 1 في المائة، وأخيرا قضايا الحرمان من العمل بنسبة 0.3 في المائة. وحصلت «الشرق الأوسط» كذلك على آخر إحصائية لقضايا الأحوال الشخصية المسجلة لدى جمعية حقوق الإنسان لهذا العام وحتى شهر أكتوبر الماضي، والتي بلغ مجموعها 295 قضية، جاءت على رأسها قضايا الحرمان من رؤية الأولاد بنسبة 26 في المائة، ثم قضايا النفقة بنسبة 23 في المائة، تلاها قضايا الحضانة بنسبة 20 في المائة، ثم الطلاق بنسبة 14.5 في المائة، ثم قضايا الحرمان من الميراث بنسبة 6.7 في المائة، ثم قضايا التعليق والهجر 4.4 في المائة، ثم عدم الاعتراف بالزوج ومطالبة الطلاق 2.7 في المائة، وأخيرا قضايا نزع الولاية بنسبة 2 في المائة.

وبحسب آخر الأرقام الواردة بهذا الشأن، يكون مجمل قضايا العنف المسجلة لدى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان منذ بداية تأسيسها قبل نحو 6 سنوات وحتى شهر أكتوبر الماضي، قد بلغ 1835 قضية، في حين بلغ مجموع قضايا الأحوال الشخصية المسجلة لدى الجمعية خلال الفترة نفسها؛ 1825 قضية.

من جهتها، تكشف شريفة الشملان، مشرفة الفرع النسوي لهيئة حقوق الإنسان بالمنطقة الشرقية، أن تزايد العنف ضد المرأة يرتبط بما وصفته بـ«ضغوط الحياة»، موضحة أن «نقص الموارد يتسبب في ضغوط للطرفين (الرجل والمرأة)، وهنا يتجاوز العنف المرأة ويمتد إلى الطفل، حين لا يجد تعليما جيدا أو تغذية جيدة»، وتوضح الشملان أن «العنف الاقتصادي ضد المرأة ينتشر بين الطبقات الفقيرة، بما يشمله من حرمان من الإرث أو المنع عن العمل أو الاستيلاء على الراتب ونحو ذلك».

وتضيف الشملان في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، موضحة أن أغلب الحالات التي يتسلمها فرع هيئة حقوق الإنسان تتضمن قضايا الحضانة والنفقة، وأشارت كذلك إلى تزايد حالات منع المرأة من السفر والتعليم، قائلة: «نتعامل بجدية مع هذه الحالات، واستطعنا أن نكسب الحق الخاص للفتيات حيث سافرن وتحسنت أمورهن، لكن لا تكفي معالجة حالة أو اثنتين، الذي يكفي هو قوة القانون، فلا بد من وجود نظام يسود الكل بهذا الشأن».

وبينت الشملان أن حالات منع المرأة عن السفر تضررت منها الكثير من الفتيات الراغبات في الابتعاث والدراسة في الخارج، بينما تؤكد أن إدارة الجوازات كثيرا ما تعاونت مع الهيئة بهذا الخصوص، متسائلة «الفتاة المستقيمة الناجحة الحاصلة على بعثة، لماذا تمنع من السفر؟!»، وأشارت الشملان إلى وجود بعض الأهالي ممن يقومون بمنع بناتهن من دخول الجامعة بعد المرحلة الثانوية، إلا أنها تؤكد أن المشكلة تكمن في استسلام الكثير من البنات لمثل هذه الظروف.

أمام ذلك، يرى الدكتور خالد الحليبي، مدير مركز التنمية الأسرية في الأحساء، أن أبرز أسباب حالات العنف يكمن في استمرار توارث التربية التقليدية في البيوت السعودية؛ بعيدا عن التربية الإسلامية المدعَّمة بالدراسات النفسية والإرشادية الحديثة، ويضيف: «صمت المرأة عن المطالبة بحقوقها الإنسانية أمام الرجل الظالم لها؛ مهما كانت قرابته، يجعله يستمر في ظلمه لها، على أن هناك من النساء من تستدرج الرجل ليبطش بها، حين تستثير أعصابه بكثرة مطالبها غير الواقعية، أو بانحرافها في أحيان قليلة».

ويشير الحليبي خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى دراسة حديثة تؤكد أن نحو 95 في المائة من مرتادات العيادات النفسية في السعودية هن ممن يعانين الفراغ العاطفي، ويقعن تحت طائل الاكتئاب والرهاب الاجتماعي، جراء علاقات عاطفية فاشلة، أو نتيجة تبعات علاقة زوجية غير ناجحة؛ مما يترتب عليه بحث المرأة عمن يعوضها ما فقدته من اهتمام واحتواء، فتلجأ إلى أساليب غير صحيحة.

ويتابع قائلا: «التسلط على البنات بالضرب والإهانات، وسلبهن حقهم في الإرث، أو إهمالهن عاطفيا يجافي تماما الأدلة الشرعية التي توصي بالبنات خصوصا وبالنساء عموما خيرا، وأن ذلك حجاب من النار، وطريق إلى الجنة والرضوان. وأرى أن العلاج يعود إلى ضرورة التوعية واسعة النطاق والإنفاق بسخاء على هذه الحملات، فليس تطوير الشوارع أهم من تطوير الإنسان، والمحافظة على قيمته، وإنشاء الأسرة في بحبوحة الاستقرار النفسي؛ حتى تكون أكثر قدرة على إنتاج المواطن الصالح».

وبسؤال مدير مركز التنمية الأسرية في الأحساء؛ عن ظاهرة هروب الفتيات بعد تواتر عدة أرقام مفجعة بهذا الشأن كانت قد نشرتها وسائل إعلامية في وقت سابق، يقول: «لا أعتقد أنها أصبحت ظاهرة، ولكنها تتسع بأسباب كثيرة، من أهمها عدم الجدية في السعي لإصلاح هذا الخلل بدراسة أسبابه ومحاولة علاجها». جدير بالذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد أعلنت جعل تاريخ 25 من نوفمبر ليكون اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة (القرار 54/134)، حيث دعت الأمم المتحدة جميع الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم نشاطات ترفع من وعي الناس حول ممارسات العنف ضد المرأة، ويأتي هذا التاريخ تحديدا لكونه اليوم الذي شهد عملية الاغتيال الوحشية في عام 1960 للأخوات «ميرابال»، وهن ناشطات سياسيات من جمهورية الدومنيكان، يعتبرن رمزا لدى المهتمين بمناهضة العنف ضد النساء.