السعودية: مشكلات الاستقدام من إندونيسيا تنشط سوق الخادمات المتسللات من إثيوبيا وإريتريا

«الجوازات» لـ«الشرق الأوسط»: الأمر مخالف.. وقد يكن مصابات بأمراض

خادمة إثيوبية تعمل في أحد المنازل السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

دفعت الإشكالات التي تشهدها سوق الاستقدام السعودية من إندونيسيا مؤخرا لنشاط سوق سوداء للخادمات المتسللات والمخالفات لنظام الإقامة في السعودية من الجنسيات الأخرى، والتي لامست مرتباتها الشهرية أرقاما كبيرة مقارنة بالأسعار السابقة.

ويأتي ذلك في وقت حذر فيه مسؤول في «الجوازات» السعودية من خطورة الأمر، خاصة أن مخالفي نظام الإقامة لا يخضعون للفحوصات الطبية، وقد يكونون مصابين بأمراض خطرة تنتقل إلى الأسر أو أطفالها.

وتشهد السعودية مؤخرا إشكالية تأخر الخادمات الإندونيسيات لعدة أشهر عن الوصول إثر خلافات مالية وحقوقية بين العاملين في مجال الاستقدام في السعودية وإندونيسيا التي تعد الأكثر طلبا من قبل السعوديين.

إلى ذلك.. تعد الجنسية الإثيوبية والإريترية والتشادية المخالفة لنظام الإقامة الأكثر طلبا في السعودية كبديل مؤقت للخادمات الإندونيسيات، إذ تشير المعلومات إلى أن تأجير الخادمات الوافدات من الجنسية (الإثيوبية والإريترية) والمخالفات لأنظمة الإقامة يشهد نشاطا واسعا في مختلف مناطق السعودية قفز بالأجور إلى نحو ألفي ريال شهريا.

ولا يقتصر الأمر على مدينة دون أخرى، ففي جدة التي تعد بؤرة لانتشار المتخلفين والمخالفين لأنظمة الإقامة، يذهب محمد الزهراني إلى القول «إن الخادمات الأفريقيات ينتشرن بشكل غير طبيعي في جدة، لدرجة أن بيتا لا يكاد يخلو في جدة ومكة من هذه العمالة المخالفة، التي توجد في البلاد بشكل غير نظامي».

ويطالب الزهراني إدارة الجوازات بموقف أمام ذلك، ويقول «يجب أن تتخذ إجراءات أكثر صرامة، وأن تطبق عقوبات على مخالفين حتى يتوقف ويمتنع غيرهم عن إيواء هذه العمالة المخالفة».

لكنه يتوقف ليقول «لكن من حسنات انتشار ووجود هذه العمالة التخفيف عن مكاتب الاستقدام، إضافة إلى أنها حافظت على توازن أسعار الاستقدام، فأصبح من الصعب على مكاتب الاستقدام رفع الأسعار في ظل توفر الأيدي العاملة في المنازل حتى ولو كانت مخالفة».

وينطبق الحال على أكثرية المدن السعودية، ففي عسير جنوب البلاد مثلا تسجل الخادمات الإثيوبيات والإريتريات حضورا لافتا، إذ يقول عبد الرحمن القحطاني (موظف مدني) خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «أنا مضطر لأن أدفع 2000 ريال لخادمة مؤقتة تحل أزمة تأخر وصول الخادمة الأساسية، حيث قد يتجاوز التأخير ثلاثة أشهر، إلى جانب أن زوجتي على مشارف الشهر التاسع من حملها».

وعن الأنظمة القانونية يقول القحطاني «هناك من الخادمات الإثيوبيات والإريتريات من تدعي أنها تملك إقامة، والأخريات يعترفن بمخالفتهن للأنظمة، ولكن ماذا بوسعي فعله إن لم توجد وزارة العمل البديل حتى موعد وصول الخادمة أو على الأقل إيجاد حل يقلص من الفترة الزمنية التي تستغرقها الخادمة الاندونيسية في الوصول؟».

ويشير القحطاني إلى أن هؤلاء الخادمات يقطن الأحياء القديمة والعشوائية، إذ تعد بيئة خصبة لتكاثر الجنسيات المخالفة سواء من الرجال أو النساء وعلى مختلف المهن، ومنها العمل كخادمات مؤقتات».

وللحديث عن سوق الخادمات، التقت «الشرق الأوسط» بمجموعة منهن، واللاتي أكدن أنهن واجهن صعوبات بالغة للوصول إلى السعودية، نظرا للسمعة الدارجة عن توافر الأعمال والوظائف المنزلية وبرواتب مجزية لهن.

وتروي لـ«الشرق الأوسط» حياة زمام، وهي إثيوبية وصلت للسعودية تسللا عن طريق البحر، قصتها قائلة «نحن نأتي من إثيوبيا على قوارب بحرية صغيرة لا تتسع إلا لعشرة أشخاص وعددنا يفوق العشرة بكثير، فمنا من يموت في تلك الرحلة غير الشرعية، ومنا من يصل إلى السواحل اليمنية ليسهل عليه اختراق الحدود السعودية والعمل على أراضيها».

وعن سبب اختيار السعودية عن اليمن تقول حياة الإثيوبية «المردود المادي للعمل في اليمن ضعيف جدا وغير مرغوب كثيرا من قبل أبناء المنطقة، عكس ما هو عليه الحال في السعودية إذ قد يصل الدخل الشهري في بعض المواسم كشهر رمضان إلى 2000 ريال، خاصة أن الخادمات يستأجرن عن بكرة أبيهن في ذلك الوقت، مما يسهم في ارتفاع أسعارهن».

وتشير حياة إلى أن عدد الخادمات غير النظاميات في تلك الشقة يتجاوز الـ20 خادمة، ومن بينهن زوجة رب العمل الإثيوبي وأطفاله.

وحول المعاملة التي تواجهها الخادمة من قبل المدير المستقطب لهن تقول حياة «نحن دوما ما نتعرض للضرب على يد المدير في حال أننا لم نكمل الفترة المتفق عليها عند من دفعوا لاستئجارنا، حيث يطالب بعضهم (المستأجرين) بالمبلغ الذي دُفع للمدير (مستحقات المكتب) كما يسميها البعض، وهذا يضعنا أمام وابل من التوبيخ غالبا ما يتخلله ضرب مبرح بالسوط وحرمان من بعض الحقوق».

وعن الفرق بينهن وبين الخادمات الإندونيسيات من وجهة نظرهن ونظر المخدومين من الأسر السعودية تقول أنيسة، وهي خادمة إثيوبية «نحن نختلف كثيرا عن الخادمة الإندونيسية والسيلانية، فنحن لنا حرية القرار في ما نفعله، ولا يحق لصاحبة المنزل تفتيش حقائبنا أو منعنا من حيازة الجوال، كما أننا لا ندعو صاحبة المنزل بـ(مدام أو ماما) بل ندعوها باسمها أو كنيتها».

وفي هذا الصدد يؤكد لـ«الشرق الأوسط» العميد سعد بن زياد، مدير جوازات منطقة عسير، أن «هناك الكثير من الجهود حثيثة والخطط المحكمة للقبض على هذه الفئة غير النظامية والتي تؤرق مضجع الأمن والأمان في المنطقة»، موجها تحذيرا للمواطنين من إيواء هذه الجنسيات الوافدة المخالفة أو إسكانهم أو تمكينهم من العمل مهما كانت الحاجة لهم، مرجعا السبب إلى أن في ذلك مخالفة صريحة لنظام الإقامة والعمل وما ينتج عن ذلك من سلبيات ومخاطر على المجتمع لا حصر لها سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأمنية وغيرها.

يشار إلى أن مشكلات استقدام العاملات المنزليات من إندونيسيا التي تعيشها الأوساط السعودية، ألقت بظلالها في أكثر من اتجاه، حيث سبق أن نشرنا في «الشرق الأوسط» الأسبوع المنصرم عن بدء مؤسسة سعودية تعمل في مجال الصيانة في أول نشاط من نوعه، يتمثل في تأجير العمالة المنزلية بالساعة للعزاب والعائلات، خاصة من المتزوجين الجدد، للعمل في تنظيف المنزل وخدمة الغسيل والملابس، لمقابلة النقص في الاستقدام، الذي طرأ من قبل بعض الدول التي تصدر العمالة المنزلية.

ويأتي هذا التوجه وسط مطالبات رسمية، ومن قبل هيئات ومراكز للمجتمع المدني لفتح المجال لتأجير العمالة، أسوة بالدول الخليجية والعربية كحل جذري لمشكلات العمالة؛ كتأخر الاستقدام، وهروب الخادمات ومخالفتهن لأنظمة الإقامة والعمل، وأخيرا الجرائم بمختلف أنواعها.