دراسة تطالب بـ«شاليهات» صديقة للبيئة وتحذر من «نحر» الشواطئ

تقدمها السعودية الوحيدة بالمؤتمر الدولي للعلوم الاجتماعية

TT

هل تتخيل أن تستجم في «شاليه» على شاطئ الخبر أو جدة، يدار بالطاقة الشمسية ويخلو من عوادم السيارات والمركبات التقليدية؟ هذا ما طالبت به دراسة حديثة تقدمها الباحثة السعودية الوحيدة في المؤتمر الدولي للعلوم الاجتماعية الذي ينطلق اليوم (الاثنين) بالكويت، تحت عنوان «حلول عملية لقضايا مجتمعية»، وبمشاركة أكثر من 50 باحثا من مختلف دول العالم، حيث تم اختيار هذه الدراسة ضمن الأبحاث المتميزة في المؤتمر الدولي الذي قدمت فيه نحو 600 ورقة عمل وتم قبول 32 منها فقط، حيث تحذر الدراسة التي أعدتها الدكتورة آمال الشيخ، أستاذة جغرافيا الترويح والسياحة في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وخصت «الشرق الأوسط» بنتائجها، من خطر عمليات الردم والتجريف، أو ما يسمى عالميا بظاهرة «نحر الشواطئ» وتأكل الواجهات البحرية، مطالبة بإيجاد مرافق سياحية بحرية صديقة للبيئة لا تقوم على إتلاف البيئة البحرية وتعمل بمفهوم «التنمية المستدامة»، بحيث تضم شواطئ صافية ونقية تنتشر في المناطق الساحلية السعودية، ويتلازم فيها الرمل مع البحر وتستخدم داخلها مركبات تعمل بوقود الطاقة الشمسية بدلا من تلويث الأجواء بالوقود التقليدي.

يأتي ذلك في ظل رواج فكرة المنتجعات البحرية الصديقة للبيئة في بعض الدول العربية، خاصة الأردن، الذي له تجربة في إيجاد مواقع تعمل باستغلال الطاقة الشمسية لتشغيل البنية التحتية بعيدا عن الكهرباء التي تستبدل بها ليلا الشموع، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة من خلال إيجاد شاطئ صديق للبيئة تعتمد مرفقاته على مفاهيم الاستخدام المستدام لمصادر المياه والطاقة، وترشيد استخدام مياه الري، وضمان التهوية داخل المباني باستعمال مواد صديقة للبيئة.

وتؤكد الدكتورة آمال الشيخ على أن مثل هذه المشاريع الصديقة للبيئة هي ذات مردود عال ربحيا إلى جانب دورها التنموي، في حين طالبت خلال دراستها بوضع «استراتيجية للتنمية السياحية المستدامة» تتمثل في تشريع الأنظمة والقوانين مع العمل المستمر لمراجعة الإجراءات وتحديث المعايير والمقاييس والإرشادات بتطوير وحماية البيئة البحرية، وأخذ الاعتبارات البيئية في التخطيط والتصميم وتوفير المعلومات والبيانات الخاصة بالبيئة.

ولخصت الدراسة أهم الآليات أو السياسات اللازمة لتنفيذ الأسس لهذه الاستراتيجية المقترحة فيما يلي: أولا، وضع وتفعيل الآليات الوقائية، ويشمل ذلك: تشريع الأنظمة والقوانين وخاصة النظام العام للبيئة، والوعي البيئي لدى الأفراد والمؤسسات المختلفة، وأخذ الاعتبارات البيئية في التخطيط والتصميم والإنشاء والتشغيل لمشاريع التنمية، واستمرار مبدأ التقييم للآثار البيئية لأي نشاط تنموي، وأخيرا وفرة المعلومات والبيانات الخاصة بالوضع الراهن للبيئة وتطورها وحالتها المتوقعة. بينما يتضمن المحور الثاني للاستراتيجية المقترحة، وضع خطة علاجية تشتمل على: دعم الآليات الوقائية على المستوى الوطني لمواجهة أي احتمالات طارئة نتيجة كوارث طبيعية أو حوادث بيئية، وتطبيق مفهوم السياحة المستدامة من خلال إيجاد سياحة نظيفة رفيقة بالبيئة وصديقة للمجتمع وذات مردود مالي كبير، إلى جانب تشجيع المؤسسات السياحية على تطبيق مفهوم السياحة المستدامة من خلال احتفال سنوي يعلن به أسماء المؤسسات التي نجحت في تطبيق مفهوم السياحة المستدامة، ثم توضع شعارات لاصقة على كل المؤسسات التي طبقت هذا المفهوم.

وهو ما يأتي على ضوء نتائج الدراسة التي ركزت على ساحل مدينة جدة، إذ أفصحت عن تعرض المنطقة الساحلية لتدهور بيئي «حاد» تسبب في تدمير البيئة البحرية لمنطقة الكورنيش الشمالي، حيث أدت أعمال التجريف والردم للواجهات البحرية إلى وجود أضرار بيئية جسيمة، مع ما يصاحب ذلك من قتل لـ«نباتات الشورى» وتكسير للشعب المرجانية، وأظهرت الدراسة تغير شكل منطقة الساحل خلال 17 عاما نتيجة المشاريع التنموية الاستثمارية والسياحية غير المخطط لها من «فنادق، وقصور، وفللات، ومتنزهات، ومنتجعات، وشاليهات، وقرى سياحية».

وبينت الدراسة أنه حصل تأكل لمعظم الواجهات البحرية في منطقة ساحل جدة، نتيجة عمليات التجريف والردم البحري، حيث بلغت مساحة التجريف 10 كلم مربع وبلغت مساحة الردم 5 كلم مربع، وكشفت الدراسة عن أن طول الساحل البحري للكورنيش الشمالي اختلف خلال نحو 17 عاما بفارق مقداره 84 كلم في الزيادة البرية بعد عمليات الردم، بينما أكدت الدراسة على «غياب الأنظمة والقوانين والتشريعات البيئية على الصعيد المحلي وعدم وجود آليات لتنفيذ هذه القوانين والتشريعات إن وجدت». ومن ناحية اقتصادية، نبهت الدراسة إلى أن فقدان البيئات الطبيعية، وخاصة الساحلية منها، سيؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة جدا تكمن في السياحة البيئية لتلك المناطق، حيث تقول الباحثة إن «تدمير المناطق الساحلية سيؤدي حتما إلى تخصيص مبالغ مالية ضخمة في المستقبل لصيانة البيئة الساحلية وحمايتها من جراء التجريف والردم وإزالة أشجار (الشورى) والشعاب المرجانية، التي تحصل حاليا».

يذكر أن هذه الدراسة تم إجراؤها على 4 مناطق في الساحل الشمالي لمحافظة جدة (شرم أبحر، ومدينة البحيرات، وخليج سلمان، ودرة العروس)، وذلك باستخدام أحدث ما توصلت إليه التقنية الحديثة في علوم وتكنولوجيا الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية، حيث تم استخدام صور الأقمار الصناعية لمسح منطقة الدراسة، وذلك بالمقارنة بين فترتين، على مدى 17 عاما.