مجلس الشورى يتوقع الانتهاء من دراسة ملف «العمل التطوعي» قريبا.. والرفع به كاملا مطلع العام القادم

الشؤون الاجتماعية لـ «الشرق الأوسط» : الحاجة دفعتنا للترخيص لجمعيتين

المتطوعون من الجنسين أسهموا بفاعلية في أحداث كارثة جدة («الشرق الأوسط»)
TT

أكد لـ«الشرق الأوسط» عضو في مجلس الشورى أن ملف «التطوع» قيد الدراسة في المجلس، وأنه على وشك الانتهاء منه، مشيرا إلى أنه يتوقع أن يتم الرفع به مفصلا وبأنظمته مطلع العام القادم.

وأوضح الدكتور نجيب الزامل، عضو لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب في مجلس الشورى السعودي، في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن «مقترح إنشاء مجلس أعلى للتطوع بهدف تنظيمه ما زال قيد الدراسة، وهو في مراحله الأخيرة». وأضاف «المقترح كامل، فقط تنقصه الأمور التنظيمية، ومن المتوقع الانتهاء من الأمور الباقية المتمثلة في الأمور التنظيمية وتحديد الجهة المشرفة على العمل التطوعي ورفعه بشكله النهائي في أول العام القادم»، موضحا أنه «بعد الانتهاء منه سوف يتم عرضه على اللجنة العامة، إما أن توافق عليه ويتم رفعه للملك ليقر، أو أن تتم إضافة أشياء عليه».

يأتي ذلك في وقت أكد فيه لـ«الشرق الأوسط» مسؤول آخر في وزارة الشؤون الاجتماعية أن ملف التطوع لا يزال موقوفا في انتظار ما تقرره دراسات مجلس الشورى بهذا الشأن، وتحديد الجهة التي ستتولى مسؤولية ذلك، وإجراءاته التنظيمية، مشيرا إلى أن وزارته رخصت لجمعيتين تطوعيتين في الفترة الماضية في كل من جدة والدمام.

وأوضح محمد العوض، الناطق الرسمي في وزارة الشؤون الاجتماعية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن ملف العمل التطوعي وإجراءاته التنظيمية حاليا يُدرس في مجلس الشورى ولا يمكن البت في أي شي حيال هذه القضية قبل أن ينتهي مجلس الشورى منه، وعليه سيتم تحديد الجهات المعنية بالعمل التطوعي في السعودية، لا سيما أن هناك أكثر من جهة معنية بالعمل التطوعي بالمملكة، مثل الدفاع المدني وهيئة الهلال الأحمر وجهات أخرى، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني.

وكشف أن وزارة الشؤون الاجتماعية منحت ترخيصين في الآونة الأخيرة لجمعيتين خيريتين تعنيان بالعمل التطوعي في كل من جدة والدمام، مؤكدا أن العمل التطوعي يندرج تحت العمل الخيري، مشيرة إلى أن الحاجة كانت ملحة لمثل هذه الخطوة خاصة بعد كارثة السيول التي حصلت العام المنصرم.

وبالعودة إلى الدكتور نجيب الزامل، عضو لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب في مجلس الشورى السعودي، وحول أبرز النقاط التي تتم مناقشتها في المجلس في هذا الشأن، أوضح أن الأمور التي يجري نقاشها تتعلق بعدة أسئلة مثل هل هو مجلس مستقل بالكامل؟ هل هو مجلس له هيئة خاصة؟ هل يشرف عليه أحد؟ هل يكون مستقلا وعليه وزير؟.. والآراء يتم تبادلها في هذه الناحية، مؤكدا أنه إلى الآن لم تُوضح الجهة التي سيتبعها العمل التطوعي، لافتا إلى أن العمل التطوعي حاليا يتبع وزارة الشؤون الاجتماعية.

إلى ذلك، يؤيد الزامل الرأي بتبعية العمل التطوعي لمؤسسات المجتمع المدني حتى يكون مستقلا بالكامل، مشيرا إلى أنه لا مانع من أن يكون مسنودا من أحد القطاعات الحكومية، والأهم أن يظهر خارج العمل الرسمي لأن هذه هي طبيعة العمل التطوعي.

يأتي ذلك في وقت دعا فيه مهتمون بالشأن التطوعي في السعودية إلى تلافي المخاطر التي قد تعترض طريق العمل التطوعي، وتهدف لإفراغه من معانيه الاجتماعية السامية، حيث بدأ العمل التطوعي في السعودية يواجه، على الرغم مما يقدمه من خدمات اجتماعية رفيعة، هجوما من قبل البعض، وذلك بسبب الخلط بينه وبين الأعمال الخيرية والتجارية، إلى جانب اتخاذه مظهرا اجتماعيا من البعض، مما جعل العمل التطوعي في البلاد أمام محك وعلى مفترق طرق.

ودعت مجموعة من المهتمين بالعمل التطوعي إلى تكوين جسد اعتباري بغرض تنظيمه وتجويد أدائه، بهدف تقديم خدمات أفضل للمجتمع، وحتى لا يأخذ منحى آخر يسيء إلى التوجه الخيري الذي يميز المجتمع السعودي.

ووسط مطالب ومحاولات مستميتة من قبل العاملين في الوسط التطوعي لدمجهم تحت مظلة أي جهة داعمة، مثل الشؤون الاجتماعية، يرى الدكتور مصطفى الحسن، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالدمام، أن من إيجابيات العمل التطوعي في السعودية أنهم ليسوا منخرطين في مجموعة واحدة، وأنهم لا ينتمون لجهة معينة، مشيرا إلى أن هذا الوضع جعلهم غير محسوبين على تيار معين، مما يجعلهم مستعصين على الاستخدام الآيديولوجي من أي جهة، مؤكدا أن أكثر شيء من شأنه أن يضر تلك المجموعات التطوعية هو اتحادها وتبعيتها لأي من الجهات.

وأرجع الدكتور الحسن تهافت المتطوعين والمتطوعات على العمل التطوعي إلى أن ذلك أصبح جزءا من سياق اجتماعي يمر به الشباب، عبارة عن تراكم ثقافي واجتماعي وديني، فأصبح العمل التطوعي هو القالب المفضل لدى الشباب، خاصة أنهم وجدوا فيه بعده الديني، إلى جانب عدم تكليف المتطوع أي ثقل ثقافي أو مجهود فكري، لافتا إلى فئة من المتطوعين الذين أصبح التطوع جزءا من «برستيجهم» الاجتماعي.

كما أشار الحسن في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أهمية النظر في كيفية تناقل الأمور بين الأمم، وقال «العمل التطوعي ثقافة نقلها الغرب بحرفية عالية من الثقافة الهندية القديمة، ونحن نقلناها من الغرب، لكن حرفية نقلهم ودقتهم جعلتهم يبدعون في هذا المجال، بعكس الحاصل لدينا، فقد تم نقلها بطريقه اعتيادية من دون الشعور بمدى حاجتنا لها».

واستدرك بقوله «إن ثقافة العمل التطوعي موجودة أيضا في ديننا، ونجده في كلمات كثيرة تحث على ذلك، مثل كلمة الإنفاق والعطاء، إلى آخر تلك المفردات»، لافتا إلى أن عملية نقل وتنشيط النشاط التطوعي في السعودية جاءت في توقيت مناسب وصفه بـ«الجميل»، لا سيما أنه نقل في وقت كان لدى الشباب فيه فراغ في الأفكار المقنعة، فأوجد للحياة لديهم.

وأكد الدكتور مصطفى الحسن أهمية حسم الجدل الدائر في الأوساط الاجتماعية، وإيضاح الخلط الحاصل بين العمل التطوعي في حد ذاته والعمل الخيري، وعدم خلط تلك الثقافة التطوعية بإدخال الأبعاد التربوية فيها.

وشدد على ضرورة وجدية تنظيم الأعمال التطوعية بالمملكة بطريقه تخدم بيئة العمل التطوعي، بدءا من إدخال لغة الأرقام عليها وإحصاء المتطوعين لمعرفة إمكانيات وتخصص كل فرد منهم لتنظيمهم وفق احتياجات معينة، لافتا إلى أهمية توفير الدراسات البسيطة، لتحدد شكل المجتمع الذي يتم التعامل معه ومعرفة احتياجاته بدلا من العمل الاجتهادي.

وحول رأيه في فيلم ناقد للمظاهر المصاحبة لمتطوعين، أنتجه عدد من الشباب وتم بثه عبر الإنترنت في قالب كوميدي ساخر، أثار حفيظة المتطوعين، قال «المشكلة الحقيقية لا تكمن في العمل الفني الذي قدمه لنا مخرج العمل، فهو عمل فني على نفس نسق الأعمال الفنية الأخرى، مثل (طاش ما طاش) وغيره، التي تعمد إلى النقد الساخر».

وبين أن النقد الذي تم تقديمه مجملا هو نقد إيجابي، مستدركا «لو كنت متطوعا لكان الفيلم أثار استيائي، لكن هذا لا يعني أن نرفض العمل الفني من أساسه»، مشيرا إلى أنه من الطبيعي أن يشتمل العمل الفني الساخر على بعض المبالغات في طرحه للقضايا، مؤكدا أن الناقد لا يطالب بذكر الإيجابيات والسلبيات في نفس اللحظة.

من جانب آخر، يرى الدكتور مصطفى الحسن «ضرورة تبني القدرة على تقبل النقد الساخر لدى المجتمع، وهذا في حالة رغبتنا في تبني الفنون، التي يعتبر الفن الساخر أحد أنواعها، خاصة أن الكلام الذي في جوف ذلك النقد ليس كلاما علميا ولا يؤخذ على ظاهره وحقيقته«.

أمل علي، الموظفة بأحد القطاعات الخاصة، أكدت من واقع خبرتها لـ«الشرق الأوسط» أنها على الرغم من اهتمامها بمجال التطوع، ورغبتها الشديدة في الالتحاق بالعمل التطوعي، فإنها صرفت النظر عن ذلك، خاصة بعد أن لاحظت في الفترة الأخيرة أن الالتحاق بالحقل التطوعي لم يصبح إلا من أجل المظهر الاجتماعي والمفاخرة بين الأصدقاء، فخرج عن مفهومه الصحيح، بالإضافة إلى بعض السلوكيات والممارسات التي تصدر من قبل بعض العاملين في هذا المجال، وانتهاج البعض منهم المنافسة غير الشريفة - كما وصفتها - من قبل بعضهم بعضا. وتقول «على سبيل المثال أيام كارثة جدة، كان للمتطوعين حظ كبير في التخفيف ومساعدة المتضررين، إلا أن هناك أمورا كثيرة لفتت نظري من بعض عضوات هيئة المتطوعات الخارجية»، مستنكرة بقولها «كيف لهن أن يخرجن في كامل زينتهن، وهن في مهمة لتقديم العون لفئة من المتضررين، ممن فقدوا منازلهم وبعض أفراد أسرهم؟»، مؤكدة على أهمية وضرورة مراعاة مشاعر الآخرين.

وتضيف أن تهافت البعض منهم على وسائل الإعلام بشكل وصفته بالغريب والمنفر جعلها تشك في أمور أخرى، مثل ما إذا كانوا يتقاضون مقابلا لذلك، وفي نفس الوقت تشير إلى أسباب أخرى دفعتها إلى الإحجام عن المشاركة في نطاق العمل التطوعي، وهي أن هناك بعضا من الأفراد والشركات ممن سمتهم «عديمي الضمير» يستغلون المتطوعين والمتطوعات تحت غطاء العمل التطوعي، كأن يتم التعاقد معهم للتنظيم والإشراف على المؤتمرات والمناسبات من دون أي مقابل مادي، بينما الحقيقة هم يوفرون الأموال لأنفسهم، مؤكدة أن العمل التطوعي أصبح ينزلق ليكون عملا تجاريا واستغلالا للمتطوعين.. وتساءلت «لماذا لا توحد الفرق والمجموعات التطوعية جهودها بدلا من أن يعمل كل واحد وحده خاصة أنهم يعملون من أجل هدف وأحد؟!».

في السياق ذاته، التقت «الشرق الأوسط» ريم أحمد، إحدى المتطوعات، ولها باع في العمل التطوعي، وهي أيضا موظفة بأحد القطاعات الخاصة، والتي أوضحت جملة من المعوقات والأسباب التي جعلت من بيئة العمل التطوعي طاردة حاليا، أبرزها غياب التنظيم والأطر السليمة للمجموعات التطوعية، لافتة إلى وجود الكثير من الخلافات والمشكلات بين تلك الفرق التطوعية وأفراد المجموعة الواحدة. وتقول «تختلف أسباب تلك الخلافات إلا أن أبرزها حب ظهور البعض على حساب البعض الآخر، كأن تجد قائد فريق متسلطا وغير مؤهل لقيادة فريق تطوعي، يظهر ويحقق مآربه على أكتاف المتطوعين وأعضاء فريقه، بالإضافة إلى عدم احترام البعض للحقوق الفكرية لبعضهم، فتجد فريقا تطوعيا يسرق فكرة عمل تطوعي ويقوم بها دون الإشارة إلى أصحاب المشروع أو الفكرة التطوعية».

وأكدت إحدى المتطوعات أن بعض الفرق التطوعية تناست دورها وتحولت من فريق يفترض أن يقدم الدعم للناس، إلى نظام شلليات ومجموعات، وأصبحت المحسوبية تلعب دورها بين أعضائها وبين الأشخاص الذين يريدون الالتحاق بها، فقد يتم رفض طلب التحاق شخص بالمجموعة، حتى وإن كان منتجا، لمجرد أن هناك عضوا لا يحبه أو لا يعجبه شكلا.

ولا تتوقف العوامل الطاردة إلى هنا، لتضيف المتطوعة ذاتها أن هناك أسبابا أخرى صعبت من عمل المتطوعين في تحقيق أهدافهم، تمثلت في صعوبة إيجاد الدعم من معظم الجهات ذات العلاقة، والتي من شأنها أن تساعدهم في إنجاز أعمالهم التطوعية، إلى جانب استغلال بعض الشركات للمتطوعين وإلحقاهم بأعمال مدفوعة وعدم إعطائهم أي مقابل، مؤكدة أن جميع ما هو مشاهد من إنجازات ما هو إلا اجتهادات شخصية من قبل المتطوعين أنفسهم.

وتبين أن اختلاف فهم واستيعاب البعض للعمل التطوعي وماهيته كان أحد تلك المعوقات أيضا، فتجد البعض منهم يلتحق بهذا المجال وهو يعلم تماما ماذا يريد منه وماذا يمنحه، وما هي ثمرة التحاقه بهذا العمل، بينما هناك فئة أخرى انخرطت في هذا العمل من باب التسلية، وإضاعة الوقت، من دون أن تعي أبعاد هذا الانخراط وتفهمه، مستدركة أن ثقافة العمل التطوعي موجودة لدى الجميع، إلا أنها تختلف من شخص لآخر.

في السياق ذاته، أبدت ريم أحمد رأيها حول مقطع الفيديو الذي تم بثه مؤخرا على مواقع الإنترنت وتم تداوله بين الأفراد، بقولها «لست ضد الفيلم مائة في المائة، ليس لأن ما ورد في فحواه غير صحيح، لكن لاستخدمهم صيغة التعميم، خاصة أنه بذلك أحط من قدر العمل التطوعي بشكل عام من دون استثناء»، مضيفة «قد يكون الفيلم يعبر عن رأي صاحبه في التطوع من وجهة نظر ورؤية فنية أو رأي المجموعة التي حوله»، لتوضح في حديثها أن بيئات العمل التطوعي تختلف بين أفراد ومجموعات تطوعية، فكل له محيطه، وطريقه عمله، فقد تجد مجموعات بيئة عملها أشبه بجو الملاهي والمتنزهات، وليس كأنهم في ميدان دوره تقديم الدعم، وهناك أيضا من لديهم محيطهم التطوعي الصحي».

وتزيد أن هناك مطالبات منذ سنتين من قبل المجموعات التطوعية لوزارة الشؤون الاجتماعية بأن يتم ضمهم تحت مظلتها، إلا أنه إلى الآن لم يتم أي شي، وأردفت بقولها «قد يكون عدم انضمام المتطوعين والنشاطات التطوعية إلى الوزارة لصالح المتطوعين، لا سيما أن الوزارة ستحد من نشاط هذه المجموعات التطوعية، وستحولهم إلى عاملين وأدوات لتنفيذ أوامرها».

«رب ضارة نافعة» كان لهذا المثل الحظ الأكبر مع محمد مدني، صاحب شركة فريق المساعدة، وأصدقائه المتطوعين، والذين من خلال خبرتهم وممارستهم للعمل التطوعي تأكد لهم أن حقوق المتطوع تؤكل وتهضم بشكل كبير جدا وبشكل ملحوظ وملموس، لدرجة أن الجميع أصبح يشتكي من ذلك الظلم الواقع عليهم.

وفي محاولة للحفاظ على حقوقنا المهدرة - تواصل ريم حديثها - شرعنا في إنشاء شركة بالتعاون مع بعض الأصدقاء المهتمين بالتطوع الحقيقي، تعنى باستقطاب المتطوعين وتأهيلهم وإيضاح كل ما لهم وما عليهم من خلال دورات وورش عمل تقدم لهم من منطلق أنه من حق المتطوع معرفة ما له وما عليه ومعرفة معنى كلمة تطوع وما هي أوجه العمل التطوعي.

ويعود محمد مدني إلى الحديث، مرجعا سبب عدم انتظامية العمل التطوعي في السعودية ووجود الكثير من العقبات والصعوبات فيه إلى كون العمل التطوعي جديدا إلى حد ما، إلى جانب وجود قصور كبير في فهم الشركات للأفراد العاملين في هذا القطاع. وبين أن العاملين في القطاع يخلطون في المفاهيم بين العمل التطوعي، والعمل الخيري، وأيضا بينه وبين العمل التجاري، تحت مسمى العمل التطوعي، الذي أخذ ينتشر بشكل كبير في ظل غياب الواجهة التنظيمية، إلى جانب عدم وجود جهة تحاسب وتراقب ميدان العمل التطوعي، مشيرا إلى ضعف الوعي الثقافي لدى المتطوع الذي ساعد في انتشار أناس يسيئون استخدام المتطوعين.

واستدرك مدني بقوله «على الرغم من وجود مطالب بإدراجنا تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية، فإن تضامنها مع بقية القطاعات الأخرى الحكومية والخاصة منها ضعيف جدا، وضعف تلك العلاقات سوف يضيق الخناق على المتطوعين أنفسهم»، لافتا إلى وجود جهود بذلت لغرض تنظيم وترسيم العمل التطوعي إداريا وثقافيا إلا أنها لم تكن تعمل بشكل مستمر.

وأضاف أنه كانت هناك محاولات كثيرة لتنظيم هذا القطاع من قبل المتطوعين أنفسهم، إلا أنها سرعان ما كانت تنتهي، مؤكدا أن كل ما يحتاجه المتطوعين هو مساحة معينة ليمارسوا فيها أعمالهم التطوعية ونشاطاتهم، لا سيما أن معظم المتطوعين هم من أبناء البلد ومن الممكن أن يملكوا إمكانيات مادية جيدة ودماثة أخلاق، ملمحا إلى أنه مع مرور الوقت سوف تتوافر بيئة عمل تساعد على استمرار الأعمال التطوعية بالسعودية.

ويؤكد صاحب شركة فريق المساعدة أن العمل التطوعي لا يبحث عن دعم مادي في المقدمة، أكثر من كونه يبحث عن احتواء، مشيرا إلى أن تجربتهم في البداية لم تكن البحث عن الدعم المادي، بل جُل ما كانوا يحتاجونه شراكات ودعم معنوي وتأهيلي.

من جانب آخر، تحدث محمد مدني عن رأي البعض حول كيفية تحول بيئة العمل التطوعي إلى بيئة طاردة وغير مشجعة، حيث لم يبد استغرابه من ذلك، في ظل انتشار الإدارات السيئة والأشخاص غير المؤهلين، والسلوك والتعامل غير الحسن، مضيفا بقوله «ربما تجد مناظر لا تعجبك».

وقال إن اجتهاد البعض من المتطوعين من دون خلفيات تطوعية، وانخراطهم في هذا العمل، وكثرة الشخصيات القيادية التي لا تجد ما يشبع رغبتها في كونها من أعضاء فرق تطوعية، يدفعهم إلى تأسيس مجموعتهم الخاصة.. ودفع ذلك كله إلى انتشار الإدارات التطوعية القاصرة التي أصبحت مشكلة حقيقة تواجه القطاع التطوعي.

وأضاف «نظرنا لكون الفئة العاملة والفاعلة في المجال التطوعي تبدأ من سن 16 إلى 23، وهي سن دراسة وتخبط لديهم.. وكان من الضروري إيجاد قوى تعمل على تصحيح الأوضاع الخاطئة إلى جانب التوجيه والدعم والخبرة للمتطوعين». وقال «في صعيد آخر هناك توجه من بعض رجال الأعمال في الآونة الأخيرة لدعم بعض الفرق التطوعية والمتطوعين، لا سيما أن هناك توجيها من القيادات بدعم داعمي المتطوعين، وتلعب العلاقات العامة دورا في ذلك».

ولم يستطع محمد مدني أن يخفي استياءه من عرض فيلم «التطوع الأخير» الذي انتشر مؤخرا، معلنا رفضه لفكرة الفيلم جملة وتفصيلا، لا سيما أن مخرج العمل بعمله أنكر جميع الجهود المبذولة، وأنه لم ينظر للموضوع من العمق الذي كان من المفترض أن ينظر إليه، خاصة في ظل افتقار القائمين على الفيلم الخبرة الكافية التي تمنحهم الحق في الحديث عن التطوع، لافتا إلى أن إثارة مثل النقاط الجدلية التي تطرق لها الفيلم تفسد ولا تبني.

ويؤكدا أن الفيلم كان له رد فعل سلبي، وأردف «خاصة بعد تلقينا اتصالات من بعض أولياء الأمور الذين أبدوا رفضهم في مشاركة بناتهم في الأعمال التطوعية بعد مشاهدتهم لهذا الفيلم، وهذه نقطة تحسب على مخرج العمل، خاصة في ظل حاجتنا لأكبر عدد من المتطوعين».

ويقول «الآن وبعد ارتفاع نسبة مشاهدة الفيلم، فالنتيجة سوف تكون أن نية الأشخاص الذين يودون الالتحاق بالعمل التطوعي ستصبح واحدا من أمرين، الأول أنهم سوف يدخلون لهذا المجال بالنية التي تم طرحها في العمل، والأمر الثاني إحجامهم عن خوض تجربة العمل التطوعي».

وفي محاولة للتأكيد أن ردود أفعال الأفراد تختلف تبعا لطبيعتهم وهدفهم، وأن الفيلم الذي تناول سلبيات العمل التطوعي لم يكن إلا من وجهة نظر عمل فنية، أكدت هناء سعيد (16 عاما)، وبعض الفتيات في نفس الفئة العمرية العاملات في الشأن التطوعي، أن الفيلم معبر جدا، ويصف ما هو مشاهد، إلا أن رغبتهم ما زالت مستمرة ولم تتأثر بهذا العمل الفني، لا سيما أن هدفهم من العمل التطوعي هو الحصول على الأجر والثواب، مشيرة إلى أن هذا هو ما يفترض أن تكون عليه نية العمل التطوعي من دون انتظار أي مقابل أو محاولة لاستغلال هذا العمل.

وبالعودة إلى محمد مدني، أكد أن مخرج العمل بدر الحمود يمتلك خبرة إخراجية، إلا أنه يفتقد النظرة والعمق المستقبلي للعمل التطوعي، متوعدا بدر الحمود بفكرة مضادة من شأنها أن تطفئ النيران التي أشعلها فيلمه.

من جانبه، توقع بدر الحمود، مخرج العمل الفني الذي أثار ضجة في الأوساط التطوعية والمهتمين بها وحظي بنسبة مشاهدة عالية، أن العمل التطوعي في السنوات القادمة سيعتمد أكثر على الكيف، ويقل الكم بشكل كبير، بسبب انسحاب غير الجادين والفضوليين من المشاركة في هذا الشكل الجديد للعمل التطوعي في المملكة.

وأضاف أن الدعم الإعلامي للعمل التطوعي سيقل بشكل شديد لأن الشكل الجديد للعمل التطوعي المنظم سيصبح عادة لدى المجتمع وليس ظاهرة جديدة ومثيرة للانتباه، وهذا ما نأمله لمستقبل التطوع هنا.

ويؤكد بدر الحمود أن انحسار أضواء الإعلام عن التطوع سيدفع لانسحاب المنتفعين من هذه الأضواء التي لا ننكر أنها كانت مهمة جدا لنشر ثقافة العمل التطوعي بشكله التنظيمي الجديد خلال السنوات الثلاث الماضية، لافتا إلى أن التطوع الآن ليس بحاجة لكل هذه الأضواء المبهرة، فالمجتمع أصبح واعيا بما فيه الكفاية لهذا الشكل الجديد خصوصا في المناطق الرئيسية في المملكة.

وأردف أن العمل التطوعي ليس بالأمر المبتكر في المملكة، فهو كان موجودا في السابق على شكل الجمعيات الخيرية والجهود الفردية، متمنيا أن يكون المستفيد الأكبر من هذه العملية هو المحتاج للمتطوع وليس المتطوع نفسه كما هو حاصل الآن.

وفي الوقت ذاته، علق منصور آل نميس، وهو صاحب شركة علاقات عامة ويشرف على نادي «لبيه» التطوعي، ليؤكد أن بيئة العمل التطوعي في السعودية صحية جدا، ويستدرك بقوله «إلا أن هناك أمورا تنقص العمل التطوعي، مثل الاهتمام من قبل القطاع الخاص ورجال الأعمال»، مؤكدا أن التطوع والمتطوعين يستحقون لوقفة جادة في دعم هذا المجال، بدءا من تأهيلهم وتدريبهم وفرض ميزانيات لهم.

ويذكر أنه على الرغم من اللغط الحاصل «فإننا لا نستطيع أن ننسى جهود المتطوعين في الآونة الأخيرة، وأنهم كانوا أصحاب الأيادي البيضاء سواء في كارثة جدة أو جهودهم هذا العام في الحج ضمن الكشافة، وغيرهما الكثير من النشاطات التطوعية».

ولم ينف المشرف العام على نادي «لبيه» التطوعي كون أن بيئة العمل التطوعي أصبحت طاردة لحد ما بسب عدم تعاون بعض الجهات ذات العلاقة مع المتطوعين في تأدية أعمالهم ونشاطاتهم، إلى جانب تعقيد إجراءاتهم وفرض ضغوطات عليهم من شأنها أن تقلل من نشاط المتطوعين. ولم يغفل خلط الكثيرين بين الأعمال التطوعية والأعمال الأخرى الخيرية والتجارية منها.

وأضاف في حديثه مع «الـشرق الأوسط» أن استمرار الخلط لدى المتطوعين بين ما يقومون به والمفاهيم الأخرى من شأنه تحويل رسالة التطوع وهدفها إلى رسائل أخرى من شأنها أن تسيء للعمل التطوعي، مشددا على أنه إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فسوف تكثر الأعمال العشوائية، وكنتيجة بديهية سوف تكثر الأخطاء.

ويبرهن على ذلك منصور النميص، بأن المسؤولية الاجتماعية كانت قد بدأت برسالة سامية وبفكر ممتاز، ومن ثم تحولت إلى مفاهيم أخرى، مثل خدمة المجتمع والمسؤولية المستدامة، ومفاهيم أخرى مغلوطة كانت نتيجة دخول الأشخاص غير المؤهلين لهذا المجال، إلى جانب عدم تدريب الأفراد الموجودين في الحقل، وإيضاح الفروقات بين المفاهيم كلها، مؤكدا أن المسؤولية الاجتماعية بدت واضحة وانتهت بشكل غائم، ليؤكد بذلك أن التطوع يمر بنفس المراحل السابقة.

ويتابع حديثه «لا يعني ذلك أن يتم إدراجهم واعتمادهم تحت إحدى المظلات الحكومية، مثل وزارة الشؤون الاجتماعية»، مؤكدا أن المطالب التي تم رفعها من قبل البعض بضمهم تحت أحد القطاعات الحكومية تنم عن جهلهم، لا سيما أن العمل التطوعي لا بد أن يتبع مؤسسات المجتمع المدني.

ويبدي وجهة نظره حول تهافت البعض تجاه وسائل الإعلام بأنه لا عيب أن يبحث المتطوعون وداعموهم عن الظهور الإعلامي ما داموا يقدمون خدمات ومشاريع تطوعية يستفيد منها الآخرون، مشيرا إلى أن هناك بعض الفئات التي لجأت إلى إحدى المظلات التطوعية فقط لتحصل على الدعم الإعلامي، مردفا أن هناك مجموعات أخرى ترفض الدخول تحت أي مظلة اعتقادا منهم أن أسماءهم ستهمش.

ولا يخفي آل نميس حجم الدعم المقدم من قبل القيادات، وتحديدا من قبل خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، للمتطوعين أو حتى داعميهم، مستدلا على ذلك بحجم حفل التكريم الذي قدمه على شرفهم وكلمته التي قالها بعد عودته من الحج.

وفي محاولة لإضفاء صبغة تنظيمية أكثر على العمل التطوعي، كانت شركة «ديرتي» قد قدمت كتابا إرشاديا يتحدث عن تجارب عالمية في خدمة المتطوعين وثقافتهم، بالإضافة إلى جملة من المقومات التي يحتاجها المتطوع.

وعلى الصعيد آخر، أوضحت الدكتورة سميرة الغامدي، لـ«الشرق الأوسط»، أن العمل التطوعي له أثره الإيجابي على الفرد، حيث يجعله يشعر بأنه أكثر ثقة، وأنه إنسان مفيد للآخرين، لافتة إلى أن العمل التطوعي، وبحسب بعض الدراسات العلمية، يساعد في علاج مرضى الاكتئاب وتجاوز حالتهم والإسراع في علاجهم.

وتؤكد الغامدي أن الناس في العالم الأول لا يقيسون المتطوعين بمظهرهم، بل يقيسونهم بحجم ما يقدمونه للآخرين، مؤكدة أن مظهر الشخص المتطوع يعتبر حرية شخصية بحتة، مشيرة إلى أهمية توجيه قائدي الفرق التطوعية بإلزام المتطوعين بزي معين بما يخدم العمل التطوعي من دون إضرار بكلا الطرفين.