«زمالة المدمنين المجهولين» قدمت للمدمن ما لم تقدمه المشافي

تعمل بعيدا عن عيون الإعلام.. وتسعى لتصالح المجتمع مع المقلعين عن الإدمان

مستشفى الأمل في جدة
TT

الحرب النفسية التي يخوضها مدمنو المخدرات والكحول وغيرها، تزداد رهقا لو لم يجدوا العون من محيطهم، وأقرب المعينات تتمثل في العيادات النفسية ـ كما هو رائج، لكن ماذا لو تجمع مدمن أو أكثر مع مقلع عن الإدمان لنقل التجربة حية، ومساندة بعضهم البعض، من أجل إيجاد حياة يملأها الأمل؟ ماذا لو لم يتم تقديم الدعم الكافي لهم وإعطاؤهم المساحة للتعبير عن أنفسهم دون قيود أو شروط؟

«زمالة المدمنين المجهولين»، تجمع موجود على أرض الواقع، ليس داخل السعودية فحسب، بل يأخذ شكلا دوليا، لكنه يعمل دون ضجيج، بعيدا عن «فلاشات» الإعلام؛ فهدفه العمل في صمت للجمع بين المدمن والذين سبقوه في الإقلاع عن المخدرات.

«الشرق الأوسط» اخترقت عالم المدمنين المجهولين، وكسرت حاجز الصمت بينهم لتكشف لها مصادر مطلعة بـ«زمالة المدمنين المجهولين» في السعودية عن تجاوز عدد المتعافين 2500 مدمن، من جنسيات مختلفة أغلبهم من العربية والآسيوية، مسجلين كأعضاء بهذه «الزمالة» ممن خاضوا تجربة الإدمان وتماثلوا للشفاء بعد رحلات علاجية طويلة خضعوا لها؛ حيث يشاركون في الاجتماعات والأنشطة التابعة لهذه «الزمالة».

وطبقا لتلك المصادر فقد أكدوا أن الاجتماعات التي تعقدها «الزمالة» تنتشر في 170 دولة حول العالم بمعدل 50 ألف اجتماع أسبوعيا في مختلف مناطق العالم، من ضمنها 60 اجتماعا أسبوعيا منتظما في السعودية موزعا أيضا على مناطق المملكة.

وأوضح عبد الرحمن ياسين، أحد الناشطين بـ«زمالة المدمنين المجهولين» في السعودية لـ«الشرق الأوسط»، أن «زمالة المدمنين المجهولين» عبارة عن مجموعات منتشرة في أنحاء العالم، مؤلفة من إناث وذكور ممن يتعافون من إدمان المخدرات، مشيرا إلى أن أعضاء «الزمالة» يتفاوتون من مختلف المستويات الاجتماعية، فهناك موظفون ورجال أمن وأصحاب شركات، لكن ليس هناك أحد يمارس دوره.

وأكد أن «زمالة المدمنين المجهولين» ليست منظمة مهنية، ولا ترتبط بأي وكالة أو جهة، وأنها لا تنتمي لأي هيئة أو مراكز علاج للإدمان، ولا حتى منشآت إصلاحية، مبينا أن هدف «الزمالة» الوحيد يتمثل في حمل الرسالة إلى المدمنين الآخرين المحتاجين للدعم في مجتمعهم، بغرض ضمان حياة جديدة لهم.

وأشار إلى أن الانضمام للعضوية لا يفرض أي رسوم، لا سيما أنها زمالة غير مهنية، وهدفها الأساسي التعافي من الإدمان، مؤكدا أن «الزمالة» تستمد مورداها المالية من التبرعات التي يقدمها أعضاء «الزمالة»، لافتا إلى أن أحد مبادئ «الزمالة» أنهم لا يقبلون أي إعانات أو هبات أو تبرعات من مصادر خارجية.

ويرى أن عدم قبولهم لأي إعانات أو مساعدات من شأنه منحهم الاستقلالية، وإبقاؤهم بعيدا عن أي تحكم خارجي من شأنه أن يعيق رسالتهم، مؤكدا أن التبرعات التي تردهم من الأعضاء تستخدم في تغطية مصاريف المجموعة مثل أجرة الأماكن التي تقام فيها الاجتماعات، إلى جانب طباعة كتيبات «الزمالة».

ويضيف أنه لا توجد أي جهة محدده ضمن «زمالة المدمنين المجهولين» تمارس السلطة على أي جانب من جوانب العضوية، خاصة أن «الزمالة» تتكون من أعضاء يمثلون مجموعات تربط بينهم المبادئ الأساسية لـ«الزمالة» ككل، والمتمثلة في الخطوات الـ12 والتقاليد الـ12، نافيا ظن البعض أن تكون «زمالة المدمنين المجهولين» جماعات دينية أو ذات طقوس خاصة، مؤكدا أن «الزمالة» في طبيعتها مبادئ روحية بغض النظر عن الديانة، مشددا على أن المساعدة في التعافي التام، مبنية على أساس روحي، أي شيء نابع من روح الشخص.

وفيما إذا كانت «زمالة المدمنين المجهولين» تقدم أي تسهيلات علاجية للمدمنين، أوضح أحد المنسقين بـ«الزمالة» - فضل حجب اسمه - أنهم لا يوظفون أي مستشارين أو إخصائيي علاج إدمان، لافتا إلى أن «زمالة المدمنين المجهولين» في حد ذاتها تعتبر زمالة للمتعافين، الذين يتقابلون بانتظام على أساس تطوعي، لمساعدة بعضهم، في البقاء ممتنعين عن التعاطي، لا سيما أن لديهم برامج خاصة عبارة عن مجموعة من المبادئ مكتوبة في غاية الوضوح والبساطة، يتم اتباعها في حياتهم اليومية.

وبالحديث حول مدى فعالية وجدية تلك الخطوات، يؤكد أن الانضمام لـ«الزمالة» والالتزام بها إلى جانب الالتزام بحضور الاجتماعات بانتظام وتطبيق الخطوات وترك المجال للزملاء في مساعدة الشخص المدمن من شأنها تحرير الشخص من الإدمان وجعله يجد طريقه للحياة، مشيرا إلى أن هناك الكثير من المؤسسات التي تعرف مرضاها بـ«زمالة المدمنين المجهولين» قبل موعد خروجهم من المصحة وتماثلهم للشفاء، وذلك عبر السماح لـ«الزمالة» بممارسة بعض أنشطتها من خلال زيارة الأعضاء لها، مثل مستشفى الأمل للصحة النفسية، بتنسيق معين، إلى جانب أن هناك بعضا من أعضاء «الزمالة» ممن يقومون بزيارات للسجون لإيصال أدبيات «الزمالة» لهم.

ولا تقتصر «زمالة المدمنين المجهولين» على مدمني المخدرات فقط، فهي لكل المدمنين بغض النظر عن نوعية المخدر المستخدم، ليوضح أحد المتعافين الأعضاء بـ«الزمالة» أن جماعتهم كانت تقتصر على مدمني المخدرات في أول ظهور لها، عندما كان المفهوم العام لكلمة المخدر يختلف كثيرا عن مفهومه اليوم.

ويؤكد أن الصورة قد اختلفت كثيرا عن الماضي؛ حيث أصبحت هناك أنواع كثيرة للمخدرات، وعلى نطاق واسع، وليست كلها تسمى «مخدرات»، مشيرا إلى أن مشكلتهم الحقيقة تكمن في مرض الإدمان، الذي يجهله الكثير، وحتى المختصون أنفسهم.

وبالعودة إلى عبد الرحمن ياسين، منسق «زمالة المدمنين المجهولين»، أوضح أن تعامل «الزمالة» مع الأعضاء يتم عبر مفهوم أن الإدمان مرض، يصيب العقل والروح والجسد، ويسبب مشكلات نفسية واجتماعية، وأن الشخص المدمن مريض وليس منحرفا أخلاقيا.

وأكد أن «الزمالة» ترحب بجميع المدمنين، لافتا إلى أن نجاح برامجهم بالدرجة الأولى يكمن في مساعدة المدمنين بعضهم لبعض.

من جانب آخر، أوضح عبد الرحمن ياسين أنه بإمكان أهل وأصدقاء المدمنين أن يلعبوا دورا في «الزمالة»، لكن كأصدقاء، وليس كأعضاء، وباستطاعتهم حضور الاجتماعات التي تقوم بها «الزمالة»، لافتا إلى أن الكثير من المتخصصين الذين يعملون مع المدمنين يحضرون الاجتماعات العامة لـ«الزمالة» بغرض التعرف على نشاطات الاجتماعات العامة لـ«زمالة المدمنين المجهولين».

وبين أن اجتماعات «الزمالة» لا ترتبط بأي حال من الأحوال بالمكان الذي تعقد فيه، فهم يتقابلون في أي مكان يستطيعون دفع إيجاره، مثل غرف الاجتماعات، والمنتزهات، أو النوادي، مشيرا إلى أن عقد اجتماعات «الزمالة» لا يتطلب أي تسهيلات خاصة. ليؤكد في الوقت ذاته أن العضوية تقتصر على المدمنين أنفسهم، حتى يتمكنوا من الحفاظ على جو الثقة والارتباط الروحي لأهميته في مرحلة التعافي، خاصة أن الحفاظ على ذلك الجو يعتبر من أولويات «الزمالة».

في الإطار ذاته، فصل منسق «الزمالة» المدمنين بين الاجتماعات المفتوحة والمغلقة، فقال إن الأولى هي اجتماعات يمكن لغير المدمنين حضورها، للتعرف على البرامج والنشاطات الخاصة بـ«زمالة المدمنين المجهولين»، أما الثانية فهي مغلقة وخاصة بالأشخاص الذين لديهم مشكلة في الإدمان.

وحول ما تفيده أو تضيفه تلك الاجتماعات لهم أفاد بأنها تساعد في الكشف عن أمور معينة لدى الأعضاء أنفسهم تساعدهم في مساعدة بعضهم، من ضمنها: الاعتراف بأن لدى الشخص مشكلة يتحتم عليه مواجهتها، إلى جانب كشف الذات الخصوصية أمام الأعضاء، ثم تبادلهم لخطوات تساعدهم على تقديم إصلاحات على ما فعلوه من إيذاء ومشكلات لمن حولهم، ومن ثم ينتقلون إلى مرحلة حمل الرسالة إلى المدمنين الذين يرغبون في التشافي.

وحول طبيعة ما يدور في غرف اجتماعات «زمالة المدمنين المجهولين»، أوضح أن اجتماعات «الزمالة» عادة ما تبدأ بقراءة المطبوعات الخاصة بهم، وهي ما تعرف بـ«الأدبيات»، ومن ثم ينتقلون إلى مناقشة المواضيع الرئيسية والتي عادة ما يكون هدفها حمل الرسالة إلى المدمن الذي لا يزال يعاني، مشيرا إلى أن هناك فروقا كثيرة في أسلوب المجموعات عن بعضها؛ فمنها اجتماعات تتناول مناقشة الأدبيات وأخرى تكون مركبة.

وفي محاولة للتعمق أكثر ومعرفة ما تحتويه «الزمالة»، أوضح أحد أعضاء «الزمالة» أنها ترتكز على 5 أمور أساسية، الركن الأول: اجتماعات «الزمالة» أو ما يعرف باسم اجتماعات التعافي، وهو أن يقدم مدمن متعاف على مساعدة مدمن آخر بحاجة إليه، لينتقل إلى الركن الثاني وهو الأدبيات، التي يتم فيها سرد قصص لمدمنين وكيف تخلصوا من مشكلاتهم، ومن الهاجس الفكري للتعاطي، وكيف توقفوا عن الانتكاسة، مؤكدا أن المدمن يحتاج إلى أمور كثيرة تعينه على التخلص من إدمانه.

ويتابع حديثه، منتقلا إلى الركن الثالث، وهو: مرحلة البحث عن مشرف أو مستشار يكون أقدم من العضو الجديد في «الزمالة» بـ3 أو 5 سنوات، بحيث يستشيره ليعينه في الأمور التي من شأنها أن تعيق تعافيه، وكيف يتخلص منها، مشيرا إلى الركن أو المرحلة الرابعة التي تتمثل في تنفيذ الخطوات الـ12 العالمية التي من خلالها يحملون رسالة «الزمالة» ويقومون على خدمتها، ليسخروا أنفسهم في تقديم العون للمحتاجين من أعضاء «الزمالة» أو غيرها ممن تكون لديهم مشكلة في الإدمان.

ويتحقق ذلك الهدف عن طريق عدة طرق، من ضمنها عبر خطوط مساعدة مفتوحة للإجابة عن استفسارات المتصلين أو القيام بالتنسيق لاجتماعات «الزمالة» وعمل ورش عمل خاصة للمدمنين إلى جانب إيضاح أو شرح المفاهيم الغامضة في «الزمالة» للأعضاء الجدد، حتى يتمكنوا من الاستمرار في «الزمالة»، لافتا إلى أنه يمكن للشخص الذي يريد حمل رسالة «الزمالة» التوجه إلى المستشفيات والسجون وإيصال الرسالة لهم.

ويتكون هيكل «زمالة المدمنين المجهولين» من مجموعة من الأفراد، يستطيعون إنشاء مجموعات، شرطها الوحيد أن يكون لدى أولئك الأفراد الرغبة في التعافي، بغض النظر عن جنسياتهم ونوعهم وديانتهم، فالمجال هنا مفتوح للجميع بشرط توافر إرادة التعافي.

ويختلف عدد الأعضاء في المجموعات؛ حيث إن بعضها يتكون من 50 إلى 100 عضو، وفي السعودية هناك عدة مجموعات في المنطقة الشرقية، و5 بالرياض و4 في مدينة جدة، ومجموعات متفرقة في جميع أنحاء المملكة مثل خميس مشيط وتبوك وأبها، إلا أن شرط إنشاء المجموعة هو أن يكون فيها اجتماع منتظم باستمرار بوقت محدد.

فالتئام مجموعة من الناس لا يجمع بينهم سوى هدف محاربة الإدمان، كان هو الجوهر الذي يتحد حوله الأعضاء على مختلف بيئاتهم وأجناسهم وانتماءاتهم، وذلك بحسب أحد الأعضاء الذي أشار بقوله: «خلال السنوات الماضية، قمنا بتحسين إدراكنا وفهمنا لمبادئنا، فوجدنا أننا لا نجد أي صعوبة في إقامة علاقات وارتباط مع بعضنا البعض، خلال مراحل التعافي التي نمر بها».

في الإطار ذاته، بيَّن أنهم يستخدمون مصطلح «ممتنعين» أو «فترة انقطاعنا» أو «التعافي» لوصف مراحل التعافي، بدلا من أي ألفاظ أخرى، قد تكون خاصة بنوعيات مختلفة من المخدرات، مؤكدا أنهم بهذه الطريقة يستطيعون حمل رسالة واحدة ثابتة وواضحة تنطبق عليهم جميعا، لافتا إلى أن هذا الحل البسيط قد أثبت فعاليته العالية في توحيدهم، بغض النظر عن خلفياتهم المتباينة.

علي النخلة، أحد مؤسسي «زمالة المدمنين المجهولين» بالسعودية وتحديدا بالمنطقة الشرقية، أوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن فكرة «الزمالة» ليست جديدة أساسا، لكن دخولها على السعودية كان جديدا نوعا ما، لافتا إلى أن العقبات والمشكلات التي تواجههم الآن هي نفسها التي كانت تواجههم قديما، على الرغم من مرور أكثر من 17 عاما، مضيفا أن «زمالة المدمنين الكحوليين» موجودة بالسعودية منذ 30 عاما، ولهم مقر بشركة «أرامكو السعودية».

وقال: إن برنامج «زمالة المدمنين المجهولين» دخل السعودية عن طريق الغربيين الأوائل الذين عملوا في شركة «أرامكو»؛ حيث كان البعض منهم يعاني آثار إدمان شرب الكحول.

ويستطرد: «في بداية التسعينات كنا نقبع في المصحات وكنا مستعدين لقبول أي مساعدة من أي شخص، فجاء هذا الشخص إلينا يحدثنا عن (الزمالة) والطرق الجديدة للحياة والخطوات الـ12، وكنا في البداية غير جادين معه، لا سيما أنه كان منا من فعل المستحيل ليقلع عن الإدمان، إلا أنه لم يكن يفلح، وهو يريد أن يعالجنا بمجرد الكلام مع بعضنا وأنه باستطاعتنا أن نكون أناسا منتجين في المجتمع وهذا كان شبه مستحيل، في حالتنا آنذاك».

ويتابع: إلا أنه لم يكن لدينا أي خيار، فبدأنا نستمع له وهو يشرح لنا عن «الزمالة» وكيفيتها وما هي وماذا تعني وماذا تمنحنا، وكنا نتعاون فيمن بيننا ونترجم لبعضنا البعض، ففي كل يوم كان يأتي إلينا كان يترك لنا أملا في الحياة، وعلى الرغم من انشغاله بمهام منصبه الكبير فإنه كان يواصل باستمرار لحمل هدف «الزمالة» ورسالتها ومساعدتنا في التخلص من الإدمان.

ويقول: الآن أصبحت أعدادنا كبيرة وغطينا جميع مناطق المملكة، ونحن الآن أصبحنا نمثل السعوديين المدمنين المجهولين في مناسبات ومؤتمرات دولية، ونشارك في يوم الوحدة العالمي، ومن المزمع مشاركتنا في مؤتمر يخص المدمنين المجهولين الكويتيين الأسبوع المقبل ويدعون فيه جميع المدمنين المجهولين في أنحاء الخليج.

وقال: إن آلية عمل برنامج «زمالة المدمنين المجهولين» تكمن في مساعدة مدمن لآخر وفي حضور الاجتماعات بانتظام، وأيضا في التوجيه ودعم أعضاء «الزمالة» إلى جانب تطبيق المبادئ الروحانية ومعايشة الخطوات الـ12، إضافة إلى أن البرنامج يعتمد على بعض أشكال الدعم والتعاون مع المختصين.

أحد المدمنين المتعافين، الذي فضل حجب اسمه، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه نشأ في أسرة محافظة، وكان والده شديدا عليهم جميعا. واستطرد: «كان دائما يريد أن يسيِّر حياتي كما يريد وكيفما يراها هو، بحكم أنه الأب، ومن وجهة نظره أنه الأعلم بما هو أفضل لي، لكن هذا الأمر تعدى الحدود كلها، إلى أن أصبحت لا أملك من الحرية إلا اسمها, لقد كان هذا الأمر يضايقني ويؤرقني كثيرا».

وتابع حديثه: «وفي مرحلة الصغر كنت متميزا في دراستي، لكن بعد وصولي للمرحلة المتوسطة وبلوغي سن المراهقة بدأ مستواي الدراسي يقل كثيرا، وذلك بسب تطلعي وانشغالي بموضوع التحرر من قيد والدي الذي لا يزال يمارس أنواع الضغوط عليَّ، ومع تلك القيود بدأت أحاول الانعزال عن أصدقائي، ولكن الهاجس الأكبر هو كيفية التحرر من تلك القيود».

ويضيف: «وحصلت على وظيفة جيدة ومن أهم ما كان يميز تلك الوظيفة كونها في منطقة نائية أستطيع الغياب فيها عن المنزل لمدة أسبوعين وأحصل على أسبوع راحة، وهنا بدأت مرحلة جديدة حين أحسست بالحرية وبدأت بالتدخين، مع العلم أنني لم أكن أحبه، ولكن لإرضاء نفسي ولإحساسي بوجوب فعل كل شيء يجعلني أحس بالحرية، إضافة إلى أنني كنت أعاقب على التدخين وأنا ما كنت أدخنه من الأساس».

ويواصل: «إلا أنني لم أتوقف عند هذا الحد، بل واصلت تجربة الحرية (والانتقام) بأشكال عدة، منها: السفر إلى الخارج، ومن ثم تعاطي جميع أنواع المخدرات، خاصة الهيروين، التي جرفتني إلى أبعد الحدود، فبعد سنوات عدة من التعاطي وجدت نفسي متورطا وأبحث عن حلول للخروج من براثن المخدرات».

وقال: «دخلت كثيرا من المستشفيات واستعنت بكثير من الناس وكان ينتهي بي المطاف باستغلال جميع أنواع المساعدة المقدمة لي، ولم أنجح في جميع محاولاتي حتى سمعت شخصا يقول لي في عام 1993 عندما كنت في مصحة العلاج من الإدمان: (أنا لا أستطيع ولكن نحن نستطيع). ويقول: (أنا لست بسيئ ولكنني مريض) و(لست بمسؤول عن مرضي ولكنني مسؤول عن تعافيَّ).. وعرفني على برنامج (زمالة المدمنين المجهولين) وأسمعت هذه المقولات لإخواني الأصغر مني الذين يتعاطون معي أيضا، ومنذ ذلك اليوم أنا وإخواني ننعم بنعمة الإقلاع، وبذلك كسرت قيود الإدمان، وأدمنت برنامج (المدمنين المجهولين)، وأصبحت لي زوجة وطفلة وصار يشار إلي بالبنان في عملي، أصبحت أعمل جاهدا من خلال (الزمالة) أن أوصل تلك الرسالة التي أوصلتني إلى كل مدمن ما زال يعاني».

ولا تختلف قصة ميسون علي عن قصص الكثير من المدمنين، الذين أطرت المعاناة قصصهم وتقول: كنت في القاع ولا كلمة أكثر من ذلك أستطيع قولها، فأدمنت المخدرات والكحول واستمرت فترة إدماني 10 سنوات متتالية، فبعت كل ممتلكاتي، ولم أكن أدري عن أهلي ولا عن أبنائي، وفي كل محاولة للعلاج كنت أنتكس أكثر من المرة التي قبلها.

وذات مرة دخلت لأحد المصحات خارج المملكة لمدة 6 أشهر إلا أنني انتكست، وقبل 4 سنوات وفي محاولة للخلاص من حالتي التي كان يرثى لها أرسلني أهلي للقاهرة وهناك عرفت أن هناك طريقة جديدة للحياة، من معرفتي آنذاك بـ«زمالة المدمنين المجهولين»، وأيقنت أن «الزمالة» تساعد؛ لأنها تخلق حبا غير مشروط للمدمن نحو التعافي، خاصة أنه برنامج روحاني، فعرفت أنه لا يساعد المدمن إلا مدمن آخر، لا سيما أنني جربت الطب النفسي بكل أنواعه، ولم يفِدني شيء إلا هذه «الزمالة»، مشيرة إلى أن لديها موجها ومرشدا في هذه «الزمالة» يساعدني ويرشدني، إلى جانب أنه لديَّ سيدات أتعامل معهن.

وحول أكثر المشكلات التي تواجه المدمنات في السعودية، قالت: «هي مشكلة إنكار الشخص نفسه بأنه مدمن، إلى جانب إنكار الأهل والمجتمع لمشكلته». واعتبرت أن ذلك هو الموت الحقيقي؛ حيث تقول «يرى الأهل إطلاق كلمة (مجنونة) أهون لديهم من إطلاق وصف (مدمنة) ولا يوجد أي قسم لتنويم النساء المدمنات في المستشفيات، مما يسهل الانتكاسة مرة أخرى للمدمنة».

الدكتور محمد الزاهراني، المشرف العام على مستشفى الأمل بالدمام، عرفهم بقوله إنهم الجماعات المعروفة على مستوى العالم، وهي جماعة دعم ذاتي للمتعافي من الإدمان، وتقوم على مجهودات أعضائها الشخصية، ولا تلقى أي دعم حكومي، وأهم ما يميز هذه «الزمالة» غير دورها الإيجابي هو منهجها الذي يعتبر الأفضل في المساعدة في التعافي التام من الإدمان.

وحول مدى حاجة المجتمع إلى مزيد من تلك الجماعات، قال: «لو تحدثنا عن مشكلة الإدمان بشكل عام نجدها تصيب جميع أجزاء الجسم من دون استثناء، فقد تطال الجانب النفسي والاقتصادي والأمني، والجماعات كدعم ذاتي تقوم بـ12 خطوة، والخطوة الواحدة منها قد تأخذ من المتعافي عددا من السنوات قد تصل إلى 3 أو 4 سنوات ولا يستطيع التقدم للخطوة التالية، ووجوده في مثل هذه الجماعات وهو خارج المستشفى وإحساسه بأن هناك أناسا يعيشون ظروفه نفسها يعتبر نموذجا واضحا، فبالتالي وجود مثل هذه الجماعات في جميع أنحاء المملكة هو مطلب أساسي وليس زيادة في الترف».

وأعرب عن تأييده لـ«الزمالة»، خاصة أن هناك هيئة شرعية متكونة من مجموعة من العلماء المسلمين درسوا الخطوات الـ12 وقاموا بتعديلها بعد دراستها؛ بحيث توافق منهج الدين الإسلامي، وهم الآن يطبقونها، مشيرا إلى أن المخاوف التي لدى البعض من طقوس أو روحانيات ليست من الحقيقة في شيء، وأردف: «خاصة لو نظرنا إلى الدور الذي يقومون به في مرحلة ما بعد العلاج التي تتم في مستشفى الأمل».

ابتسام الشيخ، رئيسة العلاقات العامة بجمعية «ود» للتكافل والتنمية الأسرية (الزمالة)، قالت إن هناك تعاونا وثيقا بين جمعيتهم وبين «زمالة المدمنين المجهولين» لدرجة أن مجموعة من شباب «الزمالة» وافقوا على المشاركة في حفلات تدشين خاصة بالجمعية للتوعية بأضرار المخدرات، واعترفوا بأنهم كانوا مدمنين، ونحن نطالب المجتمع بأن يعيد ثقته فيهم.

وأشارت إلى اتفاقيات بين الجانبين لتوظيف بعض المقلعين، كما تم إدراجهم في برامج دورات في التسويق للعمل في مجال التسويق للحملات الخاصة بها، وقالت إنهم شريحة يحتاجون لثقة المجتمع فيهم.

الدكتور نجيب الزامل، عضو لجنة الشباب والأسرة بمجلس الشورى، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه عاش معهم ولم يسمع فقط، وأشاد بهم كون فكرتهم تنصب حول الاستفادة من تجارب الآخرين في المجال ذاته، معتبرا المخدرات من أكبر المشكلات التي تؤذي الأمم والمجتمع، مشيدا بفلسفة «الزمالة» بعدم قبولها للمساعدات والدعم الخارجي، إلى جانب اعتمادهم لمجابهة الأنا الداخلية لأنفسهم.

وقال: «عبقرية (الزمالة) تكمن في اسمها؛ حيث اعترافهم بأنهم مدمنون لكنهم مجهولون، هذا علاج بحد ذاته»، مؤكدا أن «أعضاء (الزمالة) قد نجحوا مع أنفسهم أكثر من المستشفيات»، لا سيما أنهم يفهمون معاناة بعضهم تماما، مشيرا إلى أن وجود شرائح مثقفين بينهم يساعد كثيرا في الأهداف العامة لهم، مبينا حقهم في الاجتماعات ومطالبا بألا نحكم على الأشياء بظواهرها، ولا بد من توفير حرية الحركة لهم ومنحهم المكان وتوفير ما يحتاجونه.