الكاميرات الحرارية والبصمة تقلصان أعداد المتسللين عبر الحدود الجنوبية للسعودية بنسبة 70%

ترتفع أعدادهم إلى ألفي متسلل كل 3 أيام

المتسللون يمتهنون الكثير من الأعمال الهامشية في المدن السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

فيما يتواصل مسلسل المطاردة اليومية بين حرس الحدود السعودي والمتسللين عبر الحدود الجنوبية للبلاد، تتواصل جهود السلطات في تأمين الحدود بكافة السبل منعا لدخول مجهولي الهوية.

وفي الوقت نفسه، أشار مراقبون إلى أن مشكلة التسلل التي تعاني منها السعودية عبر حدودها الجنوبية تأتي نتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد التي يفد منها المتسللون.

مسؤولون في حرس الحدود بمنطقة جازان قالوا لـ«الشرق الأوسط»: نسبة التسلل انخفضت بنسبة 70%، بعد أن وضعت السلطات السعودية موانع أمنية نشرتها على حدودها لمنع عمليات التسلل عبر المنطقة.

وعلى الرغم من الموانع الأمنية ونظام البصمة والعقوبات التي تطال المتسللين، فإن مواكبهم لم تتوقف تماما، يدفعهم الوضع الاقتصادي على المغامرة بحياتهم. ويرى الملازم أول تركي القصيبي، المتحدث الرسمي باسم حرس الحدود، أن نظام البصمة الذي يطبقه حرس الحدود على مجهولي الهوية والكاميرات الحرارية والموانع الأمنية الأخرى، ومتابعة سير الدوريات من قبل قائد المنطقة، ورؤساء العمليات في القطاعات، كلها ساهمت في خفض عمليات التسلل إلى نسب كبيرة مقارنة بالفترة الماضية.

القصيبي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه وعلى الرغم من الموانع الأمنية فإن عدد المتسللين في معظم الأوقات يصل إلى نحو ألفي شخص كل 72 ساعة، مشيرا إلى أن حرس الحدود يقوم قبل ترحيل المتسللين بأخذ بصماتهم، لحفظ بياناتهم في السجلات الرسمية.

وأضاف، في حالات تكرر تسلل أحد الأشخاص ممن سبق ضبطهم، فإنه يتم إخضاعه للعقوبات المدرجة في نظام أمن الحدود، مشيرا إلى أن هناك أشخاصا ادعوا أنهم مجهولو الهوية، لكن بعد إخضاعهم للبصمة اتضح أنهم كانوا مقيمين في السعودية بطريقة رسمية، فيتم تحويلهم إلى إدارة الوافدين لاتخاذ الإجراء اللازم حيالهم.

خلف الحدود السعودية، يتجمع متسللون متجهين إلى السعودية بطريقة غير شرعية، يقف عبد الله العاقل، ومعه مجموعة من رفاقه، يتأهبون للعبور انطلاقا من منطقة حرض اليمنية، التي تبعد عن الحدود السعودية بنحو 6 كيلومترات. تبدأ مسيرة المجازفين صوب الحدود عقب غروب الشمس بدقائق، غير عابئين بالمخاطر التي قد تواجههم.

ويروي «العاقل» قصة تسللهم لـ«الشرق الأوسط» من داخل مكان عمله في مدينة جدة «ليس المرة الأولى لي أدخل السعودية بطريقة غير شرعية والخروج منها، حيث تبدأ مغامرتنا بعد تجاوز نقطتي تفتيش يمنيتين، آخرها نقطة الزبير، على الخط الرملي المرتفع نحو 30 مترا، فنشاهد منها القرى السعودية والدوريات العسكرية بوضوح، ونلاحظ أعدادا من المجهولين والمهربين يقفون عند هذا المكان».

ويكمل عبد الله العاقل حديثة: «ننتظر ساعات في معظم الأوقات لتحين فرصة الإفلات من الدوريات الأمنية، والدخول للقرى السعودية الحدودية، ينجح بعضنا، والبعض الآخر تقبض عليه دوريات حرس الحدود، وأنا في ذلك اليوم، كان حظي جميل، ونجحت في التسلل من أول مرة».

وأضاف أن أول محطة لهم كانت قرية «الخوجرة» الحدودية التابعة لمحافظة الطول، وتعتبر منطقة عبور لمتسللين لقربها من الشريط الحدودي، ولا يفصل الزبير عن مباني القرية سوى مئات الأمتار، ومن القرية نجد هناك سماسرة، لندفع 150 ريالا سعوديا لكل شخص منا كي نصل إلى مدينة صبيا.

وأشار إلى أن الأشخاص الذين لا يملكون المال عليهم أن يمشوا على أقدامهم لمواجهة المخاطر وصعوبات الطريق من الدوريات الأمنية وأخطار كثيرة لا تخطر على البال والخاطر قد تفضي إلى الموت.

في محافظة صبيا، يتجه عبد الله إلى سوق صبيا الداخلية، ويتواصل مع أصدقائه ومعارفه من بلاده، للبحث عن عمل، فهو - بحسب قوله - يجيد مهنا كثيرة، منها أعمال البناء والسباكة والتبليط والتلييس وغيرها، ويتجنب بقدر المستطاع العمل كعامل كهربائي، إلا إذا واجهته الظروف فيعمل كهربائيا.

يستطرد بقوله: «بعد 4 أيام متواصلة من البحث عن عمل، وجدت فرصة كحارس مزرعة، تعود ملكيتها إلى أحد رجال الأعمال في المنطقة، براتب ألف ريال شهريا، فعملت لـ3 أشهر متواصلة».

ويواصل: «بعد هذه المدة استطعت أن أجمع مبلغا من المال، وأرسلت جزءا منه إلى عائلتي في اليمن بواسطة أصحاب السيارات اليمنية المعروفين بالأمانة، مقابل مبلغ من المال على كل إرسالية، واتجهت، بعد أن أخبرت صاحب المزرعة أنني ذاهب إلى جدة للبحث عن فرصة عمل أفضل، إلى موقف - صبيا - والتقيت أحد السماسرة، واتفقت معه على ألف ومائتي ريال مقابل توصيلي إلى مدينة جدة».

حكى رحلته إلى جدة قائلا: «كنا 11 شخصا في السيارة جميعنا من دون أوراق ثبوتية، تحركنا نحو جدة بعد أن غابت الشمس، ووصلنا بعد صلاة الفجر، كيف!!، لا أدري، كنا تارة نمشي على خطوط معبدة، وتارة على خطوط رملية، حتى وصلنا».

ويكمل: «صديق لي مقرب في جدة يعمل دهانا، كان يتواصل معي أولا بأول، حتى وصلت، وأخذني إلى سكنه، لآخذ فترة من الراحة، بعد العناء والتعب في الطريق، وبعد راحة المغامرة، بدأت بالعمل، لأعمل دهانا بيومية تصل إلى 100 ريال، لنبدأ بعد أشهر أو سنوات نفكر في طريقة العودة ولتكون بنفس الطريقة التي أتينا منها». ويعتقد عبد الله أن ارتفاع قيمة التهريب تأتي بسبب قلة المهربين والتشديد الأمني الموجود في البلد، وقال: «رغم التشديد والمكافحة هنا، فإن أول فكرة يفكر بها الشاب عند تحسين وضعه المعيشي هو الذهاب إلى الدولة الجارة، ليبحث عن عمل يعيش منه هو وأسرته».

أحد المهربين الذين تم القبض عليهم في عملية تهريب مجهولين، تحفظ عن ذكر اسمه، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنهم يغامرون بالعمل رغم التشديد الأمني الموجود، وقال: «نواجه صعوبات كبيرة مقابل المال، فنأخذ الشخص الواحد من القرى الحدودية مقابل 130 ريالا، و20 ريالا للسمسار، وأحمل معي بين 10 إلى 15 شخصا في سيارتي من نوع كامري، وأنطلق بسرعة كبيرة لأصل بهم إلى مدينة صبيا».

وأضاف أنه يغطي أقساط سيارته من مشوار واحد، واستدرك: «لكني لا أفكر في عقوبتها إلا بعد أن صودرت سيارتي، وتم القبض علي لأسجن عدة أشهر، ودفعت غرامة مالية، فكانت بداية الطريق هذا مغريات بالمال، لكن نهايته كانت مؤلمة وخسارة».

وعن طريقة تحويل أموال مجهولي الهوية إلى بلادهم، قال إبراهيم عبده، وهو مقيم بطريقة غير شرعية، ويعمل حارسا لخلايا نحل، تعود ملكيتها إلى أحد تجار العسل في أبو القعايد التابعة لمحافظة صبيا: «يكون هناك شخص أمين ومشهور بأمانته وإخلاصه، يدخل السعودية بطريقة نظامية، ويقضي نحو شهر، ويأخذ من كل شخص 10 ريالات على كل 100 ريال يريد تحويلها، ويأخذ على البضاعة بحسب حجمها، وحسب نوع البضاعة»، مشيرا إلى أن المحولين يأخذون العناوين ويسلمون الحوالة يدا بيد.