عضو في هيئة كبار العلماء يتراجع عن تأييد هدم الآثار

الشيخ عبد الله بن منيع كان يؤيد إزالة القرية التاريخية في شقراء.. والآن يطالب بالمحافظة عليها

الشيخ عبد الله بن منيع يقف على أحد المباني التراثية التي تم تجديدها مؤخرا في البلدة التراثية في شقراء (شمال غربي العاصمة الرياض) («الشرق الأوسط»)
TT

سجل عضو في هيئة كبار العلماء السعودية تراجعا عن موقفه السابق الداعي إلى هدم قرية تاريخية في مدينة شقراء (شمال غربي الرياض)، حيث جاء بموقف جديد يدعو فيه إلى المحافظة على القرية التاريخية واستثمارها، باعتبارها وثيقة تاريخية.

وأكد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي، على أهمية المحافظة على البلدات التراثية ومباني التراث العمراني، لما لها من أهمية حضارية واجتماعية، باعتبارها وثيقة تاريخية تحكي واقع الأجداد وحياتهم، مشيرا إلى أن أهمية التراث العمراني في مناطق المملكة تنبع من أهمية ساكنيه.

وكان بن منيع قد سجل موقفا يدعو إلى هدم إحدى القرى التاريخية في مدينة شقراء السعودية، لكنه اليوم يتحدث بلغة جديدة إزاء هذا الأمر، حيث يقول: «إن إعادة تأهيل القرى والبلدات التراثية الذي تقوم به الهيئة العامة للسياحة والآثار بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية هو مشروع وطني رائد، ليس القصد منه العناية بمواد الآثار فحسب، بل العناية بمضمون هذه الآثار وما كانت عليه من قيم رفيعة وأخلاق عالية، تميز بها الأجداد، وتجلت بين هذه البيوت معاني الصدق والوفاء والرجولة والكرم والبسالة والتضحية، علاوة على ما تحتضنه من قيم تراثية وحضارية وتاريخية بارزة».

واستذكر الشيخ ابن منيع أحد مواقفه في السابق، حيث كان يؤيد إزالة القرية التاريخية في مدينة شقراء بهدف توسعة المدينة وكيف تغير موقفه الآن، حيث قال: «كنت أرد على مجموعة من أعيان وأهالي محافظة شقراء بأن ما هذه القرى التاريخية إلا خرائب وأكوام تراب لا نستطيع الانتفاع منها، لكن بعض المسؤولين في المحافظة والأهالي استطاعوا إقناعي بعدم الهدم، وأنه يمكن الاستفادة منها كنوع من أنواع الإرث التاريخي الذي يمكن الاستفادة منه».

وعدّ ابن منيع البيوت القديمة وثائق يصادق عليها التاريخ وأحد شواهد العصر الباقية، مثمنا مبادرة الأمير سلطان بن سلمان للعناية بالتراث والآثار من خلال إطلاق برنامج «ثمين»، الذي أطلقته هيئة السياحة مؤخرا للعناية بالتراث العمراني.

وأضاف قائلا: «هذه المبادرة لها اعتبارها وقيمتها، ونقدرها من الأمير سلطان بن سلمان لأنه أعطانا قيمة الآثار»، واصفا إياه بالرجل الحضاري لاهتمامه بالحضارة، وإجلاء قيمتها المعنوية والفكرية والثقافية.

ولفت الشيخ عبد الله بن منيع النظر إلى ما سوف يجنيه المجتمع من اهتمامه وعنايته بالقرى التراثية، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاستثماري أو الاجتماعي، مؤكدا على أن تأهيل البلدات التراثية يسهم في إيجاد مزيد من الفرص الوظيفية لشباب الوطن، فضلا عن تحول هذه المواقع إلى مشاهدات حية لحياة الماضي، إلى جانب توفير متنفس لأهالي المدن الكبيرة التي اكتظت بالسكان.

وكانت الهيئة العامة للسياحة والآثار قد أطلقت مبادرة «ثمين» التي تهدف إلى سرعة إنجاز مشاريع منتقاة للتراث العمراني، وإعادة تأهيلها لتكون ذات مردود اقتصادي يسهم في تحقيق أهداف التنمية السياحية الوطنية.

وتهدف المبادرة التي تنبثق من البرنامج الوطني للتراث العمراني، إلى إيجاد مسار سريع لإنجاز مشاريع ذات خصوصية معينة على أرض الواقع، وسد الثغرات في التمويل المتوافر حاليا، لتوفير التمويل اللازم لتهيئة واستثمار عدد من مواقع التراث العمراني، تشمل الملكيات الخاصة.

وقامت الهيئة العامة للسياحة والآثار مؤخرا بوضع عدد من المعايير التي سيتم من خلالها اختيار المشاريع التي سيتم تنفيذها من خلال مبادرة «ثمين» التي من أهمها رغبة الملاك من حيث المبدأ في ترميم وتطوير ممتلكاتهم، وذلك بإعادة تأهيلها واستخدامها في الأعمال التجارية والسياحية والثقافية ذات الصلة، واستعداد ودعم الشركاء من القطاع الحكومي، ممثلا في إمارات المناطق والمحافظات وأمانة المنطقة والبلديات، وغيرها للمساهمة في تطوير الموقع، بما في ذلك الدعم المالي للمشروع.

كما تشمل المعايير القيمة التراثية والسياحية والاستدامة، من حيث الأهمية التراثية والتاريخية، والاستمرارية التجارية، والجاذبية والقرب من أسواق الطلب، والقدرة على إيجاد فرص العمل للمجتمع المحلي، وتوفر البنية التحتية الملائمة وخدمات الدعم، وسهولة الحصول على متطلبات واحتياجات التطوير، وتعدد الأسواق المستهدفة.

وتتولى اللجنة التوجيهية إقرار سياسات المبادرة ومصادر تمويلها واعتماد نطاق عملها، وإقرار المشاريع التي تدخل في نطاق المبادرة، طبقا لمعايير اختيار المشاريع المعتمدة، وإقرار الميزانيات والخطط التطويرية والتنفيذية وتذليل عقبات التنفيذ بما يضمن تحقيق أهداف المبادرة.

وستتعدى المبادرة الأدوار التقليدية للهيئة العامة بشكل كبير، إذ ستكون بمثابة برنامج عمل يتقاطع مع قطاعات الهيئة المختلفة في الاستثمار والتسويق والموارد البشرية والتراث العمراني وغيرها، وهي في الوقت ذاته مبادرة لها أهدافها الخاصة، وإطارها الزمني المحدد وميزانيتها الخاصة، من خلال صندوق تمويل يخصص لهذه الغاية، إضافة إلى كل ما يخصص في ميزانية الهيئة للقرى والبلدات التراثية، وأي برامج أو مشاريع للتراث العمراني يتم اختيارها ضمن المبادرة، وما يخصص في ميزانيات الشركاء من الجهات الحكومية للمشاريع في المواقع التي تدخل في مبادرة «ثمين»، طبقا لأولوياتها.

وإضافة إلى ذلك، ستعتمد المبادرة على قيام رعاة وطنيين يمثلون القطاعات الاقتصادية الكبرى في المملكة بسد هذه الثغرات، والتي يتركز نجاحها على إقناع هؤلاء الرعاة بأهمية المساهمة، ليس فقط كدعم أو تبرع، ضمن برامج المسؤولية الاجتماعية، وإنما كشراكة يكون للرعاة عائد إيجابي منها.

وسيكون الهدف الأساسي لهذه المبادرة إيجاد نماذج ناجحة، تبرهن على أن الاهتمام بالتراث العمراني وإعادة استخدامه في الأنشطة السياحية وغيرها من الأنشطة، سيوفر مردودا مجزيا لكل من القطاعين العام والخاص، مما سيؤدي إلى جذب المزيد من الدعم والتأييد من كل الشركاء والأطراف المعنية، وستكون مدة المبادرة ثلاث سنوات، يجوز تمديدها بناء على تطورات تنفيذ المشاريع، على ألا يتعدى الإطار الزمني للمبادرة خمس سنوات.

وتركز المبادرة على عدد من المشاريع الرائدة التي ترشحها مجالس التنمية السياحية في المناطق، وتنطبق عليها معايير الاختيار للمبادرة، ثم يصدر بها قرار من اللجنة التوجيهية للمبادرة التي يترأسها رئيس الهيئة.