الحوار الوطني: جلسة «التصنيف الفكري».. تقبل الآخرين من دون المساس بوحدة الوطن والدين

الدكتور السلطان لـ«الشرق الأوسط»: ندعو كافة القطاعات إلى نشر ثقافة الحوار

TT

تباينت آراء المشاركين في جلسة الخطاب الثقافي الثالثة الذي اختتم أعماله في جدة أمس، حول التصنيف الفكري في السعودية، وأثره على الوحدة الوطنية، ولم تبرز علامة واضحة اتفق عليها الغالبية، باستثناء مداخلة الدكتور عبد الله العبيد وزير التعليم الأسبق رئيس جلسة الخطاب الثقافي الثالثة، إذ شدد على رؤية خادم الحرمين الشريفين المتمثلة في حوار تحت مظلة الدين والوطن. وشهدت الجلسة، طرح جانب من المثقفين، قضية «تديين، واحتكار الأفكار»، فبعضهم طالب بالتخفيف من تديين الأفكار، والبعض الآخر طالب بعدم اقتصار الإنتاج الفكري والمنابر لمن أطلق عليهم «متدينين». فضلا عن مسألة «التعددية» وقبول الآخر والتعايش معه بشكل عام، وإشاعة الفكرة أو قبولها، الذي احتل بدوره وقت مداخلات لفريقين، رأى بعضهم قبوله بشروط، ورفضه آخرون بشروط أيضا.

ورصدت «الشرق الأوسط» امتعاض الدكتور محمد السعيدي، أستاذ أصول الفقه في جامعة أم القرى من هذه المطالبة، إذ لوح بيديه رافضا الفكرة، وقال عقب انتهاء الجلسة في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، «يجب تديين الأفكار، وبما أن الإنسان مستعبد لله سبحانه وتعالى، فأفكاره مستعبدة لله أيضا». رافضا ما سماه «التهمة» وجزم أنها «عارية من الصحة مدللا» بأن الصحافة مليئة بالأفكار المتنوعة.

بدوره، قال محمد الألمعي الكاتب السعودي في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، «إن المجتمع التقليدي أو المتدين، عادة ينظر إلى المفتي والشيخ والفقيه أو المتدين، بأنه الوحيد القادر على إنتاج الأفكار أو إعادة النظر فيها، وعندما يعاد النظر في الفكرة أو يحاول أحد من خارج هذه المنظومة أن يقوم بهذا الدور، يحس الآخر بأن هناك من يحتل الموقع». ويضيف أن «الإشكالية تكمن في أنه يدافع عن وجوده قبل أن يدافع عن صحة الأفكار أو يواجهها». وكان الدكتور حسين بافقيه طالب بالتخفيف من مسألة «تديين» الأفكار، وقال «لا نريد من أحد أن يمسك بيديه ميزان الأفكار»، بينما يلفت نجيب عصام يماني الكاتب السعودي، إلى أن بعض المثقفين بات مضطرا إلى تديين الأفكار حتى يتلقى قبولا في المجتمع. ورصد مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، نحو 77 نقطة، مثلت تباينا في جميع المطالبات ووجهات النظر، ويرى مراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» في ردهات الملتقى، أن ذلك يؤكد التقدم الذي سجله الحوار وتقبل الآخر، وحول ذلك، قال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور فهد السلطان مساعد الأمين العام بمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، «نسعى إلى تأصيل تقبل الرأي الآخر واحترامه في المجتمع، لا سيما أن كل إنسان لديه توجه فكري، لكن يجب أن يحترم وجهة النظر الأخرى، تحت سقف الدين والوطن». وحملت المداخلات في الجلسة التي استمرت من التاسعة والنصف صباحا وحتى الـ12، التي تضمنت بيانا ختاميا، وآراء تركز بعضها على التعريف والاعتراف بالتعددية الفكرية، وبعضها الآخر على مطالبات متنوعة، سواء دينية أو ثقافية، فيما اقتصرت بعض المداخلات الناعمة على الاستعراض للمشهد دون أن تبدي رأيا محددا. وأن الممارسات العلنية المخالفة لدستور الدولة تعتبر تعديا على سياسة تلك الدولة.

ففي حين عرف التصنيف بأنه أمر لا بأس به متى ما كان مقصده التعريف والوصف شريطة مطابقة الوصف للموصوف، ورضا الموصوف عن الوصف وأن ينبع الوصف من ثقافتنا وليس مستوردا. فيما يرى آخرون أن التصنيف الفكري هو بيان للهوية الفكرية وحرية التكليف إذا لم يلامس المسلمات الشرعية والثوابت والوحدة الوطنية. وذم آخرون التصنيف الفكري بشكل عام، واصفين التصنيف بـ«المذموم» إذا سلب الآخرين حقوقهم الفكرية أو ترتب عليه تخوينهم، أو إذا صدر ممن لا يؤمنون بالتنوع.

جانب من المشاركين تقبل ذلك، مشترطا صدوره ممن يؤمن بالتعددية، ونوهوا بإشاعة ثقافة القبول بالتعددية الفكرية والمذهبية والقبلية، لافتين إلى أن القوانين والتشريعات هي التي تضبط ممارسة هذه التعددية. إلى ذلك، صرح الدكتور فهد السلطان في حديث مع «الشرق الأوسط» أن عنوان الملتقى القادم لم يتحدد بعد، بيد أنه أكد أن العنوان القادم سيأتي بعد تقويم اللقاء المنعقد في اليومين الماضيين، إذ ستجتمع اللجان المختصة في مركز الحوار وتنظر في المواضيع.

وأشار السلطان إلى أن مواضيع الخطاب الثقافي دائما ما تكون منبثقة من مطالبات المواطنين لها، وقال إنها تمثل الأهمية الكبرى للمركز، «ولذلك سيستمر المركز في تنظيم اللقاءات المتصلة بالخطاب الثقافي». يشار إلى أن اللقاء الثالث جاء بعد لقاءين سابقين، ناقشا العولمة والخطاب الثقافي السعودي. ويضيف الدكتور السلطان «من أهم أدوار المركز مناقشة القضايا التي تهم المجتمع بصورة مباشرة».

ونوه مساعد الأمين العام لمركز الحوار الوطني بأن المركز من المجتمع وإليه، جازما بأن المواضيع المقترحة لا تقتصر على المواطن فقط، «بل نستمع إلى ما يطرحه المواطن ونتابع ما يتم طرحه في وسائل الإعلام، والمراسلات التي تصل للمركز والمنتدى الإلكتروني التابع للمركز، وقال «لأننا بالفعل نريد مناقشة القضايا التي تهم الناس، وإلا ستصبح القضية دون جدوى، إذا لم تلامس ما يريده الناس». ودعا الدكتور السلطان، جميع المفكرين والمثقفين المهتمين بنشر ثقافة الحوار في البلاد، إلى اقتراح فكرة أو موضوع ليتم طرحه في الخطاب الثقافي القادم. وأضاف «لأكون صريحا.. أغلب الاقتراحات جاءت من قبل المواطنين الذين يراسلوننا بشتى الطرق». وأخذ يسهب فيما يتعلق بالحوار وتطويره في السعودية بالقول: «إن الحوار دائما يكون بين وجهات نظر مختلفة، ولذا يصبح حوارا.. نسعى إلى تأصيل قبول المجتمع للرأي الآخر»، وختم حديثه الخاص لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «نحن في مركز الحوار الوطني متفائلون، لا سيما عندما نقيس المشروع وتطوره خلال 7 سنوات.. أقرب النتائج هي القبول بالتنوع، والتوجه في المستقبل هو مناقشة كل ما يطرأ في الساحة السعودية». وأكد الدكتور السلطان أن المركز مفتوح لجميع القطاعات في البلاد، داعيا قطاعات المجتمع الحكومية والأهلية والخيرية، إلى نشر ثقافة الحوار، لافتا إلى أن ذلك هو دور مشترك.