«شهار» أكبر مستشفى للأمراض النفسية في الطائف

الأهالي منزعجون من سمعته.. والمرضى يشكون نسيان ذويهم

TT

هناك رسالة يتبادلها العشاق خاصة بين أوساط المراهقين في السعودية، من خلال الهاتف الجوال تقول «إذا أردت معرفة حجم الجنون الذي أعاني منه بسبب محبتك فعليك الاتصال بالرقم 0000000»، وعندما يقوم مستقبل الرسالة بالاتصال يجيب جهاز التسجيل الآلي «شكرا لاتصالكم بمستشفى الصحة النفسية في محافظة الطائف»، الأمر الذي أدى إلى إربكاك العاملين في استقبال المكالمات حتى تم اكتشاف سر سيل المكالمات التي انهالت على المستشفى بشكل غير مسبوق وتم على الفور استبدال شعار الترحيب بآخر لا يعطي مجالا للتندر في أوساط فئة العشاق.

أهالي حي «شهار» يؤكدون أن مستشفى الامراض النفسية الذي يقع في الحي وبالرغم من الخدمات العظيمة التي أسداها لأهالي المدينة من الناحية الاقتصادية والسمعة العالمية، حيث يتدفق على المحافظة عشرات المتطببين والباحثين عن العلاج من داخل المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي سنويا، إلا أنه في الوقت نفسه جلب لهم الكثير من المتاعب حيث ارتبط اسم حيهم السكني بظاهرة الجنون والأمراض النفسية.

يؤكد سعيد الحارثي، مسؤول العلاقات العامة في كلية المعلمين بالطائف، أنه عند دعوته أصدقاءه وزملاءه في المناطق الأخرى لحضور مناسباته الخاصة يسمعونه وعلى سبيل الدعابة مفردات مثل «عقولنا ووضعنا النفسي جيدة الآن، ولكن نعدك مستقبلا متى ما شعرنا بأننا بحاجة لعلاج نفسي وعقلي أن نلبي الدعوة»، مشيرا إلى أن الكثير من هذه المواقف رغم ما يغلفها من طابع هزلي أصبحت تزعج الأهالي كثيرا.

وتعترف الدكتورة نور الهدى الغامدي، مديرة الوحدة الصحية المدرسية في الطائف، بأنها قبل انتقالها من جدة إلى الطائف قبل عدة سنوات كانت تربط ما بين أهالي المدينة والمصح العقلي بطريقة آلية «وهو أمر لم أجد له تفسيرا حتى هذه الساعة». وقالت «كنت عند سماعي بالطائف المدينة يقفز إلى ذهني تلقائيا مستشفى الصحة النفسية» ولكنها بعد استقرارها في المدينة تخلصت من هذا الشعور. ويوضح الدكتور عدنان عاشور مدير مستشفى الصحة النفسية بالطائف أن سمعة المستشفى الذي يقع في أجمل وأرقى الأحياء داخل المدينة غطى على سمعة المحافظة. وقد تأثرت الطائف وسكانها بهذه السمعة، مشيرا إلى أن المستشفى اكتسب شهرة عالمية على مستوى الوطن العربي وبعض دول العالم الأخرى خاصة في السنوات الأولى من إنشائه. وبين الدكتور عاشور أن المستشفى كان يستقبل وفودا من مختلف بلدان العالم للإطلاع على طريقة العلاج، كما ضم على امتداد مسيرته كوكبة من خيرة الأطباء العرب والأجانب وقد بقي الكثير منهم على اتصال بالمستشفى.

وعن بداية المستشفى واختيار مدينة الطائف مقرا له، أوضح مدير مستشفى الصحة النفسية أن منطقة الحوية التي تقع إلى شمال الطائف وتبعد حوالي 20 كيلومترا أختيرت في البداية كمقر أو للمستشفى وذلك عام 1963، ثم انتقل إلى حي «قروى»، وأخيرا إلى حي «شهار». وعزا عاشور سبب اختيار مدينة الطائف كمقر للمستشفى النفسي الى «جمال وهدوء الطبيعة في المدينة»، وقال «هذا الاختيار ولأسباب صحية ساهم وبشكل فاعل في علاج الكثير من الحالات».

وتكتسب مدينة الطائف شهرتها كأقدم المصايف لمواطني السعودية والخليج لمناخها المعتدل والصحي خصوصا في فصل الصيف.

وأوضح عاشور أن المصح يضم في الوقت الحالي أكثر من 690 نزيلا علاوة على 1050موظفا بمن فيهم الكادر الطبي والفني. كما يستقبل سنويا عشرات المتدربين من الأطباء والممرضين والمتخصصين النفسيين من جامعتي أم القرى والملك عبد العزيز، ومعاهد التمريض في مدن المنطقة الغربية، إضافة الى زيارات طلابية من مدارس التعليم العام.

واشار إلى أن المستشفى يعالج جميع الأمراض النفسية بما فيها حالات انفصام الشخصية والاكتئاب، مفيدا في هذا الصدد أن نحو 80 في المائة من المرضى يتم شفاؤهم في الوقت الذي تتدهور فيه حالة 20 في المائة من نزلائه.

أما أهم أدوار المستشفى بعد العلاج النفسي فيؤكد الدكتور عدنان عاشور أنه يختص بالنظر في جميع القضايا الجنائية العصبية الخطرة التي يتم تحويلها من الجهات الأمنية في المملكة عندما يشتبه في القدرات العقلية للجاني، مؤكدا أن تقارير المستشفى هي الوحيدة المعتمدة أمام السلطات الأمنية والقضائية من دون غيرها. وأرجع السبب في ذلك الى المكانة العلمية والريادية في علاج وتشخيص الأمراض النفسية وأيضا لحصول المستشفى على شهادات تقدير منظمة الصحة العالمية. وحول المرضى وجنسياتهم أكد مدير المستشفى أن أغلب النزلاء سعوديون وعدد قليل من اليمنيين، مشيرا إلى أن أكثر المشاكل التي تواجه العاملين في المستشفى تعود إلى امتناع الكثير من أسر النزلاء عن استقبال مرضاهم بعد شفائهم وتحسن أوضاعهم الصحية. واوضح أن كثيرا من المرضى مضى على وجودهم في المصح عدة سنوات، وهم يعيشون الوحدة داخل أسوار المصح العقلي. وقال «هناك البعض منهم ساءت حالته النفسية بشكل حاد عندما يعرفون أن أسرهم قد تخلت عنهم وينخرط البعض منهم في حالة بكاء تلازمه طوال أيامه»، وتمنى أن يتفهم ذوو المرضى حاجتهم للجو الأسري وأن يسارعوا لأخذ مرضاهم والتعايش معهم في المنزل.

ويقدم المستشفى خدمات ترفيهية لنزلائه الذين يتوزعون في عدد من الأجنحة المطلة على حديقة واسعة ليتمكنوا من الاستمتاع بالأجواء الجميلة المحيطة بهم.