أصحاب الإعاقات السمعية يطالبون بمناهج تعليمية خاصة ملازمة لمناهج التعليم العام

TT

«ألا تسمع.. لا يوجد لدينا جهاز صراف آلي».. عبارة كررها البائع بصوت مرتفع حتى تمكن من سماعها جميع من كان في المحل التجاري، ولا تكمن هنا قسوة الموقف وإنما بعد أن أدرك البائع من خلال السماعة البيضاء التي في أذنه أن الرجل بالفعل أصم. ولكي يتقبل المجتمع الأعداد المتزايدة للأقليات والفئات المختلفة ولتتمكن من التعايش معا بطريقة ايجابية فانه يقع على كاهل المدارس والهيئات التعليمية من المعاهد والكليات مسؤولية تحسين أوضاعهم، إذ يعتبر التعليم العام المرآة التي تعكس صورة المجتمع بمفاهيمه الايجابية والسلبية وقيمه، لذلك تطالب فئة الاحتياجات الخاصة من ذوي الإعاقة السمعية من وزارة التربية والتعليم بإقرار منهج تعليمي لتجنيب حجبهم وتهميشهم في كافة شؤون المجتمع.

«بالورقة والقلم أتواصل مع الطالبات وكافة منسوبات الجامعة» كانت كلمات (ن. ت)، 40 عاما، الموظفة في قسم النسخ والتصوير في جامعة الملك سعود، وتضيف انه يصعب عليها التعبير والتنفيس في حال مواجهة أي مشكلة نفسية أو أسرية من خلال استخدام القلم والورقة. تقول إن مأساتها قد تهون مقارنة بما تعاني منه فتيات أخريات حرمن نتيجة ضغوط أسرية واجتماعية من تعلم القراءة والكتابة وتتساءل، بأي طريقة سيتمكن الصم والبكم من التواصل والتخاطب؟ وتستنكر تجاهل المجتمع لأعوام عديدة قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام، وكيف حتى هذا الوقت لا توجد أقسام خاصة لهم في القطاعات الحكومية والخاصة، وتضيف بأسى عميق «على سبيل المثال إن أصابني أو أصاب احد أطفالي مكروه فكيف لي مع غياب مترجم الإشارات أن أوصل شكواي لأطباء قسم الإسعاف؟». أما زميلتها في القسم (ن. م)، 45 عاما، وهي أيضا عضو في الجمعية السعودية للإعاقة السمعية فتقول، إن التطور التقني أتاح لها إمكانية استبدال القلم والورقة بالهاتف الجوال عن طريق استخدام خدمة الرسائل الإلكترونية رغم تكلفتها المادية إذ يعد ذلك متنفسها الوحيد، خاصة إذا فصلت بينها وبين رفيقاتها مسافات طويلة سواء كان ذلك داخل الجامعة أم خارجها. وتأكد نجلاء أبو غنية المتخصصة الاجتماعية في جامعة الملك سعود أن الشعور بالإحباط وعدم الانتماء هو نتيجة لعزلهم عن المجتمع، الامر الذي يقلل من عزيمتهم ورغبتهم في الحياة.

وتتساءل فوزية الهطلان متخصصة اجتماعية في الجامعة ذاتها عن الكوادر المتخرجة من الصم والبكم وذوي الإعاقة السمعية فمن يعمل في الجامعة تم توظيفهن منذ أكثر من عشرين سنة.

وتطالب بالاقتداء بتجربة مصر التي افتتحت أقساما خاصة لذوي الإعاقة السمعية في كافة الدوائر الحكومية ليسهل من عملية التواصل والتخاطب مع هذه الفئة.

«خلال ثلاث ساعات تعلمت لغة الإشارات» هذا ما قالته تهاني الصالح موظفة في الجامعة التي تؤكد مدى سهولة تعلم اللغة وتفسر سبب هذا الحرص بقولها«وجدت أن مخاطبتهن بالقلم والورقة يسبب لهن الإحراج ويجرح مشاعرهن، وتضيف «شعرت بسعادة غامرة في عيونهن عندما تحدثت معهن بلغتهن».

أما وسمية. س بكالوريوس تربية خاصة مسار سمعي فتستنكر في بداية حديثها سبب عزل وحجب فئة الصم والبكم غير المقصود عن المجتمع بأسره وعدم الحرص على نشر لغة الإشارات. وتتساءل«لماذا لا تقوم وزارة التربية والتعليم بإقرار منهج تعليمي مماثل لمقرر التفصيل والتدبير والوطنية من قبل متخصصين يشرح أساسيات ومبادئ لغة الصم».

وتجسد مأساة هؤلاء من خلال إلحاحهم الشديد على المشاركة بإلقاء قصائد وقصص في مهرجان الكتاب الذي أقيم في مكتبة الملك عبد العزيز، إلا أنها قابلتهم بالرفض وتقول «إن نظرات التعجب والاستغراب من قبل الكثيرات سوف تهدم في لحظة ما حققناه خلال أعوام ورغبت أن أجنب الطالبات مشاعر الرفض والإحراج». وتوضح انه لو وجد لدى العامة أي إلمام بلغة الإشارات لتمكن هؤلاء الأبرياء من ممارسة حقهم الطبيعي في التخاطب وإشراك الآخرين مشاعرهم وهمومهم.

وتطالب وزارة التربية والتعليم إضافة إلى إقرار لغة الإشارات على اعتبارها منهجا تعليميا أعداد دورات خاصة يدعى اليها الموجهون والمديرون والمعلمون بشكل عام لتعلم هذه اللغة، وتبين أن هذه السياسة ستساعد كثيرا في نشر لغة الإشارات. وتتساءل كيف يقوم الموجه بتقييم عمل المختص في اضطرابات السمع وهو لا يعي معنى هذه الإشارات ولا يدرك كيفية التعامل مع الأصم، وتذكر ضاحكة كيف أصرت إحدى الموجهات على أن تنطق فتاة صماء رغم أنها لا تستطيع ذلك وتقول « دعوها تحاول ربما تمكنت من الحديث».

في ما يتعلق بإقرار منهج تعليمي يعنى بالصم وبلغة الإشارات الخاصة بهم وتعميمه على كافة المدارس يقول محمد المشاري رئيس وحدة الكتب المدرسية، إن الطالب لن يكترث سوى بالمنهج الإجباري وإن كانت المادة منفردة سوف لن تقابل بالقبول والترحيب من قبل الطلاب والطالبات لذلك يرى من وجهة نظره انه إن اشتملت مادة الوطنية على فصل خاص مبسط يتعلق بذوي الاحتياجات الخاصة سيكون أكثر فاعلية، إذ أن إضافة منهج جديد سيثقل على كاهل الطلاب والطالبات الذين لطالما تدمروا من كثرتها وتعددها سوف يهدد نجاح هذه التجربة المهمة. ويضيف أن هناك خطوات مهمة وجادة لدمج ذوي الإعاقات السمعية مع التعليم العام ليتجنبوا عزلهم عن باقي فئات المجتمع وقد لمس ذلك على ارض الواقع في مدينة الرياض والمنطقة الشرقية. وينهي حديثه بإلقاء اللوم على كافة الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة لتجاهلها قضايا وهموم هذه الفئة، ويقول بالرغم من فوز فئة الإعاقة السمعية لكرة القدم بكأس آسيا إلى انه للأسف تجاهلت كافة وسائل الإعلام تسليط الضوء على هذا الحدث.

ويوافق على ما سبق سعود القباني المشرف التربوي في إدارة العوق السمعي الذي يرى أن صعوبة تعليم لغة الإشارات تكمن في عدم استمرارية ممارستها، ويقول انه يصعب إجبار المجتمع على تعلم هذه اللغة ويصف اقتراح تعليم لغة الإشارت بالحلم وعدم الواقعية، إضافة إلى عدم فاعليته.

أما في ما يتعلق بإضافة فصل خاص في مادة الوطنية يقول «إن كل قطاع يحرص على ذلك فإدارة المرور تطالب بدروس ترشيدية لطرق السلامة المرورية والقطاعات الصحية تطالب بدروس طبية توعوية». نافيا مقدرة المادة على استيعاب كافة قضايا ومشاكل المجتمع، والحل المناسب من وجهة نظر القباني يكمن في تهيئة ظروف طبيعية تلقائية لدمج كافة فئات المجتمع مع بعضهم البعض كإعداد مراكز صيفية ودورات مسائية ومراكز تدريب وأنشطة ترفيهية ليتشاركوا في اهتماماتهم وهمومهم بصورة غير مباشرة.

ويطالب الدوائر الحكومية كافة الاحتذاء بتجربة شركة الاتصالات السعودية التي فتحت نافدة خاصة لإنهاء معاملات ذوي الإعاقة السمعية يقوم عليها مترجم لإشارات الصم والبكم. ومن جهته أيد الدكتور يوسف التركي مدير إدارة العوق السمعي إقرار منهج تعليمي اختياري لطلاب التعليم العام لجميع المراحل، كما هو الأمر في الولايات المتحدة التي فرضت لغة الإشارات مادة اختيارية كما اللغة الفرنسية والإيطالية، ويضيف أن الحاجة الماسة لمثل هذا المنهج يظهر من خلال العدد الكبير للطلاب والطالبات الذي يبلغ نحو 7000 طالب وطالبة 4300 بنين و2300 بنات. ويضيف أن العدد الكبير لذوي الإعاقة السمعية يحتم إيجاد مترجمين للغة الإشارات في كافة القطاعات الحكومية والمستشفيات، ويوضح انه من غير مترجمين لن يكون هناك دمج كامل مع طلاب التعليم العام إضافة إلى استحالة فتح مجال للصم في التعليم العالي ويتساءل «لماذا لا يتم استغلال الكوادر المتخرجة من فئة ذوي الإعاقة السمعية إذ بلغ عدد البنين المتخرجين في العام الماضي 181 باعتبارهم فئة فاعلة ومهمة للمجتمع. ويطالب المجتمع بتشجيع الصم على استخدام هذه اللغة باستمرار وعدم استبدالها بالقلم والورقة لأنها تعتبر لغتهم الأم ويوضح أن القضية ليست قضية لغة وإنما ثقافة عامة لمجتمعنا الإسلامي.