الرياض.. مداخل كثيرة لحاضرة لا تتوقف عن التمدد وبواباتها توحي بوجود 12 مدينة مختلفة في كل شيء

TT

يستطيع المقبل جواً إلى العاصمة السعودية رؤية المدينة بأكملها، بعد التمدد العمراني المتنامي منذ أكثر من 50 عاماَ. لا تسمح رؤيتها بالاقتراب من التفاصيل الدقيقة والمختلفة لمدينة أضحت حكاية الحضارة والإرادة، ومشاهدة لا تحاكي صورة الرياض عند كل مدخل بري من مداخلها الـ 12 المتناثرة على امتداد الجهات الأربع، تلك المداخل التي تنسج صوراَ أولى متباينة في كل شيء، لمدينة قهرت الصحراء والزمن والمنطق، بعد أن كانت، كما وصفها الرحالة الإنجليزي عبد الله فيلبي، مدينة صغيرة محاطة بسور ضخم مبني من الطين يبلغ ارتفاعه 25 قدماً، فيه مجموعة من الأبراج، ويخرج سكانها منها عبر بوابات عرفت «بالدراويز ـ جمع دروازة»، وهي البوابة الخشبية وكانت مداخل الرياض تكمن في تسع بوابات، هي بوابات الثميري وعريعر والقرى الشرقية، وبوابة السويلم الشمالية، وبوابة دخنة الجنوبية، وبوابتا المذبح والبديع الغربيتان، وبوابة الشميسي الواقعة جنوب غربي المدينة، وبوابة الشرقية الواقعة في الجهة الجنوبية الشرقية للمدينة، هذه رياض الأمس. أما رياض اليوم، فيرسم مدخلها الشمالي إنسانية وخيرية العاصمة من خلال مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية في مجال الطب والنقاهة، وفي الوقت نفسه، الشعور بالأمان وبالقوة في مواجهة الأزمات عند المرور بقوات الأمن الخاصة، بعد ذلك تنتشر المقاهي الشعبية والاستراحات على جانبي الطريق حتى الوصول إلى ابنتي صاحبة الجلالة في حي الصحافة، وللمقبل من طريق الدرعية فرصة نادرة لملامسة الماضي المتشبث ببيوت طين سكنها حلم كبير بوطن شاسع، بشهادة وادي حنيفة الذي يمر في وسط الدرعية القديمة، مسرح الدولة السعودية الأولى.

وينجذب الداخل إلى مدينة الرياض من الجهة الشرقية إلى منظر الخلايا الشمسية المنصوبة على يسار الطريق والمشرفة على المدينة، فيما تبدو أطلال لمساكن عشوائية كانت قائمة على جنبات الطريق، ورعاة الإبل يتنافسون على بيع حليب النوق الطازج على مقربة من ملعب الملك فهد الدولي، والاستراحات الخاصة تتناثر شمال الطريق وجنوبه تتخللها المقاهي الشعبية شمال ما يسمى بـ(كوبري الفحص)، بينما يشعر مرتاد طريق الشرقية القديم بالأمن عند دخوله إلى العاصمة من ناحية الشرق، وهو يسير بين جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية وكلية الملك فهد الأمنية ومدينة تدريب الأمن العام.

فيما يلمح الزائر عن طريق الحائر بتحول جنوب الرياض إلى نهاية لكل شيء، فهناك مقبرة ضخمة للأموات تدعى المنصورة، وهناك مقبرة شاسعة للسيارات يطلق عليها تشليح الحائر (التشليح هو مكان تجمع السيارات التالفة)، تشعر من يراها بضخامة المدينة، ومقبرة أخرى للصرف الصحي، ومقبرة أخرى لكل مستعمل من أدوات وأثاث تعرف باسم (حراج ابن قاسم) يعج بالأحياء لشراء حاجاتهم من المعروضات المستعملة فيه، فيما يحس المقبل للرياض من طريق الخرج باهتزازات السيارة على الطريق المصاب بمطبات عشوائية ومختلفة نتيجة لمرور الشاحنات الثقيلة المغذية للمدن الصناعية التي تصارع من أجل زيادة عبارة (صنع في السعودية) في سوق الاستهلاك المحلي غير النفطي ومشتقاته، بينما تظهر المؤشرات الأولى المحسوسة للنهضة العمرانية التي أصابت المدينة في منطقة إسكان الخرج المتميزة بتوحيد شكل المساكن وانتظامها، أو مصانع الحجر والرخام التي تصطف على جانبي الطريق مرحبة بالزائرين، أو مصنع إسمنت اليمامة المحرك الأساس لعملية البناء والتشييد في المنطقة الوسطى بالسعودية.

أما المقبلون الى منطقة الثمامة فيسيرون بصحبة الكثبان الرملية إلى ما قبل الرياض بأميال قليلة، يجدون بعدها قرية الجنادرية التي يقام بها المهرجان السنوي للتراث والثقافة والممثلة للمملكة بمختلف مناطقها وتضاريسها، ثم تصطف المنتزهات العائلية على ضفتي الطريق متنافسة على جذب الزوار والمقيمين، مع وجود بسيط لبعض المقاهي الشعبية، فيما تسيطر الاستراحات الخاصة على مساحة كبيرة من مدخل الرياض من جهة الثمامة، وتصافح جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الزوار كأول منشأة حكومية، فيما يجد المقبل من مطار الملك خالد الدولي حفاوة لا نظير لها من الورود والزهور والأشجار حتى وصوله إلى قلب العاصمة، مروراً ببوابة المطار (بوابة المائة عام)، وفي حركة مرورية هادئة ونظامية إلى حد بعيد، في وجود دوريات مرورية مخفية بين الأشجار لرصد سرعة السيارات.

من الغرب، تبدو الرياض عالية ـ والطريق يشق بدايات هضبة نجد ـ وذات إرادة جعلتها تجتاز وادي حنيفة الذي يشطر غربها عن بقية المدينة، بجسر معلق أضاف معلماً حضارياً جديداً في قائمة الرياض المليئة إنجازا، والصورة تبدو من طريق الحجاز القديم أكثر إنجازاً، بالمرور بمحطة الأقمار الصناعية التي تنقل من يشاهدها للنظر إلى الفضاء بفخر واعتزاز، بعد أن أنجبت الرياض للتاريخ أول رائد فضاء عربي.

ومع تلك الصور المتنوعة التي شكلتها مداخل الرياض العديدة، تبقى القصة الكاملة للتسابق مع الزمن والصراع مع الظروف البيئية المحيطة بالمدينة الأولى عالمياً ـ بشهادة مؤتمر المدن الكبرى في ميلانو ـ تبقى الحكاية كلها في داخل الرياض، فمداخلها ـ على الرغم من كثرتها ـ لا تعبر عن كل ما بداخلها المدهش من الحب.