هاتف الـ «باندا» الجوال المزود بكاميرا يتحول إلى وحش يخيف السعوديين والاتهامات وصلت إلى حد اعتباره «أداة للشعوذة»

TT

بعد سنوات «داحس والغبراء» مع الصحون اللاقطة والفضائيات وفصول معركة «الإنترنت» في السعودية جاء دور... الـ «باندا». وليس المقصود بالـ «باندا» هنا ذلك الدب الصيني الظريف بالتأكيد، وانما هو الاسم المتعارف عليه لهاتف نوكيا الجوال من طراز 6600 المزود بكاميرا. سبب الرعب من هذا الجهاز معروف، وهو قيام أحدهم أو إحداهن باستخدامه لتصوير امرأة «كاشفة الرأس» في مكان مخصص للنساء، ونشر صورها عبر الإنترنت. لكن ما أثار جدلاً كبيراً حول هذه الأجهزة هو انتشار تسجيل جريمة اغتصاب إحدى الفتيات بين مستخدمي الأجهزة المزودة بخاصية «البلوتوث».

ماذا حدث بعد ذلك؟ تحول الجهاز نفسه ـ وليس مستخدمه ـ إلى مجرم ورمز شيطاني باعتباره «شراً مقبلاً» لتهديد المجتمع. الجهاز أصبح «نجم» بعض التسجيلات الدينية «التوعوية» وبعض وسائل الإعلام. مسلسل التجريم توجته صحيفة محلية بنقلها تحذيرا عن رئيس لجنة للصحة النفسية في إحدى الجمعيات لـ «جميع أفراد المجتمع» من الجوالات المصورة التي تحولت إلى «سلاح قوي» يستخدمه «السحرة والمشعوذون» في ما وصفه بـ «الدجل والشعوذة والاحتيال على الناس». فيما خصصت صحيفة أخرى غلاف ملحقها لصورة ضخمة للـ «باندا» المتوحش، بدلاً من التركيز على تحليل شخصية الفاعلين وكشف المشاكل التي يعانون منها والتي قد تدفعهم إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم. هذا وتحولت حكايات من يكشف مؤامرات حمل الناس لهذه الأجهزة إلى ملاحم بطولية، آخرها كان عن «ذكاء» امرأة كشفت وجود «باندا» مع إحدى المدعوات في عرس للنساء فتحايلت عليها وحصلت عليه ثم حطمته وسط تهليل وتكبير الحاضرات. الاستشارية النفسية الدكتورة فوزية أشماخ تعتبر أنه «من الخطأ تجريم الجهاز... المجرم الحقيقي هو من يستخدمه للأذية». الدكتورة فوزية التي تشغل منصب مديرة مركز «استشارة» للتطوير الذاتي والنفسي تعتبر أن اساءة استخدام الهاتف المصور تعود إلى «عدم نضج وعدم مسؤولية» لدى المستخدم. وتقول ان حل المشكلة لا يكون «بتجريم الأجهزة أو منعها... بل بمحاولة الوصول إلى المستخدم نفسه ومخاطبته، خصوصاً وأنه في حال جردته من الهاتف فقد يجد وسيلة أخرى». الحملة ضد الـ «باندا» وصلت إلى أوجها في السعودية مطلع الشهر الجاري بطرح شريط كاسيت لأحد «مشايخ الصحوة» حمل عنوان «صدمة كاميرا الجوال». الشريط تحدث عن مآس اجتماعية مثل حالات طلاق وحتى «انتحار» بسبب صور التقطت لنساء بكاميرات الهواتف الجوالة. الخطبة ذاتها تتحدث عن «شباب مسعور... يفعل الفاحشة ويصور»، وكيف انتشر تبادل الصور بينهم لدرجة أن شاباً وصلته رسالة على جواله أثناء الصلاة فقام بفتحها فإذا هي بصورة لـ «نانسي عجرم».

يعلق أحد مستخدمي الـ «باندا» على هذا الموضوع بنوع من البرود، معتبراً أن البعض ينسى أنه من الممكن «تصوير الفاحشة» من دون استخدام الجوالات بالضرورة، وذلك بمختلف أنواع الكاميرات الرقمية المتوفرة بحجم علب الكبريت. كما أنه من الممكن تبادل صور أي فنانة بالبريد الإلكتروني. وترافق طرح الشريط مع حملة إلكترونية بعنوان «مليون ضد الرذيلة»، تبناها موقع لجماعة تطلق على نفسها اسم «نبض الوفاء». المجموعة تطالب «محبي الفضيلة ومحاربي الرذيلة» توزيع مليون نسخة من الشريط من خلال الاتصال بمندوبي التسويق على موقعها الإلكتروني الذي أنشئ في الخامس من أغسطس (اب) الجاري. أحد القائمين على الحملة ـ طلب عدم ذكر اسمه ـ كشف لـ «الشرق الاوسط» أن عدد الزوار فاق الـ 15000 خلال ثلاثة أيام، وهو ما يؤكده العداد الخاص بالزوار على الموقع. ورداً على سؤال حول ما إذا كان من الصائب توجيه اصبع الاتهام إلى الجهاز بدلاً من مستخدمه اعتبر أن «الحملة تستهدف الرذيلة»، وأن كلا من الموقع والشريط الذي يروج له «يحذران من سوء استخدام التقنية». لكن الموقع يناشد زواره بنشر إعلانات إلكترونية (بانرز)، هذه الإعلانات تتضمن عبارات مثل «احذروا عدسة الباندا»، وأخرى تصف الجولات بأنها «أسلحة جديدة ضد المجتمعات المحافظة». وعن هذه العبارات التي تناقض ما ذكره المتحدث باسم جماعة «نبض الوفاء» أوضح الأخير أن «هذه الشعارات هي اجتهادات وتصميمات شخصية نفذها زوار الموقع». أما عن سبب نشرها وهي قد تؤدي إلى إيذاء الحملة، فيقول «هي لا تؤذي... ثم لا بد من مجاملة من يتفاعل ويتحمس معك».

ويضيف أن مثل هذه الشعارات تلائم بعض طبقات المجتمع باعتبارها من تصميم ابن هذا المجتمع. ويستطرد قائلا فـ «كما البعض يلقطها على الطاير»، هناك آخرون يجب أن تقول لهم «يا غبي... ترى الموضوع كذا». الدكتورة فوزية أشماخ تعود لتشدد على أهمية دور الإعلام التوعوي في مثل هذه القضايا إلا أنها تؤكد أنها ضد «الترهيب والتخويف»، كما أنها ضد «الحلول الجذرية». الاستشارية تعتبر أنه من الممكن إثارة الجدل نفسه ومنع أي شيء حولنا، لكن «علينا مواكبة العصر» بأن نتعلم كيف نكون وقائيين.

وتضيف الدكتورة «في النهاية لا يوجد شيء لا يمكن اساءة استخدامه، وإذا منعنا كل الابتكارات الجديدة سنعيش كما كان الناس يعيشون في القرون الوسطى». وتوضح «السكين مثلاً من الممكن استخدامها للقتل ومن الممكن استخدامها في الطعام... لكننا لا نستطيع أن نشن حملة لمنع السكاكين لمجرد أن أحداً قد يسيء استخدامها». وتؤكد أن التربية المنزلية والمدرسية لهما دور كبير فكما يعلم الطفل كيف يحسن استخدام السكين فالأمر ذاته ينطبق على كل الأمور الأخرى. يُذكر أن الـ «باندا» كان الأسوأ حظاً من بين جميع الهواتف المصورة حيث حظي بالحجم الأكبر من التركيز الإعلامي. لكن من ناحية تسويقية تسبب هذا التركيز في حالة من الهوس بالجهاز، الأمر الذي ترجم عملياً إلى زيادة الطلب عليه، حسبما قال أحد أصحاب محلات الجوال.