الخيل ساكنة الذاكرة العربية عبر الزمان والمكان ومن البادية إلى الحاضرة

TT

تاريخ الحروب العربية القديمة خلد أسماء خيول حفرت في الذاكرة العربية على مر العصور. وربما يفسر ذلك بأن العربية لا تختزن إلا آلام الحروب ودمائها، أو بشغف العقل العربي فطريا بين الحواضر والبوادي من أطراف المغرب إلى سواحل الخليج بجمال الخيل وبهاء مزاياها الأصيلة.

الخيل التي عشقها العرب لجمالها وقوتها ورشاقتها، وللإحساس الذي يهبه هذا الكائن لمن يعتليه سواء كان رجلا أو امرأة بما يجعله يعبر غياهب الزمان وحدود المكان مدخلا عليه حالة من النشوة تعجز الكلمات عن التعبير عنها.

وهم يفضلون هذا الحيوان على أنفسهم وذويهم الأمر الذي صادف نزعة عربية أصيلة تتمثل في العلو عن الآخرين مما انسحب على خيلهم ليروها أنها الخيل وما من دونها أشباه خيل اقرب إلى الحمير والبغال.

تعيد الكثير من المصادر التي عنيت بالحفريات إلى أن وجود الخيل على الأرض يعود إلى نحو 60 مليون عام خلت في القارة الأميركية لتتحول من تلك القارة نازحة باتجاه البر الآسيوي والأوروبي بفضل الجسور الجليدية التي تكونت في تلك الفترة الغابرة لتنتقل الى موطن جديد لها بعد أن انقرض ما تبقى منها في موطنها الأصلي.

بينما رجحت مصادر تاريخية أخرى أن الإنسان تمكن قبل 5 آلاف عام من استئناس الخيل، لتبدأ مرحلة أفرزت حبا لاحقا، حيث أن تلك العلاقة كانت بالقرب منطقة بحر قزوين بهدف الإفادة من الخيل في عمليات النقل، بينما تمكن السومريون من إدخال الخيول لجر العربات. أما العرب فكانت لهم وجهة نظر مختلفة تجاه الخيل التي أكرموها وجعلوا ما سواها من الحيوانات في خدمتها، كما عمد شرفاء العرب الى تعيين خدم خاصين بها.

«أبو فرحان» عبد الله الشمري، أحد مربي الخيول والعارفين بأنسابها، يؤكد أهمية أصل نسب الحصان العربي، مشيرا الى عدد من الأنساب الأصيلة ومنها «الكحيلا» والصقلاوية» و«المعنقية»، وأنواع، أخرى لافتا إلى أن الخيل الأصيلة معروفة النسب حيث يشكل نسبها دعما لها.

وأشار إلى أن البدو بشكل خاص عند تلقيح الفرس يبحثون بشكل دقيق في نسب الذكر (الفحل) الذي سيتولى تلقيح الفرس، وذلك لضمان أن يكون المهر الناتج يتمتع بصفات الأم والأب ولضمان نقاء السلالة والحفاظ على جودتها.

وبين أن العرب لا ينظرون إلى عملية إنتاج الخيل على أنها عملية تجارية، وذلك أنهم كانوا يتركون الفرس تحمل مرة ويريحونها في الفترة التي تليها حتى لا ترهق بسبب الحمل المتكرر، كما أن إنتاج الخيل في الغالب ليس لغرض البيع ولكن يكون احتياطا لما يطرأ من حروب أو بهدف إهدائها إلى من يستحقها من فرسان القبيلة أو القبائل الأخرى أو لتقديمها لذوي فتاة يرغب صاحب الجواد في الاقتران بها. موضحا أن عملية بيعها تحيط مربي الخيل غالبا بشيء من العار لأن الخيل لدى البدوي تختلف في مكانتها عن الجمال أو الأغنام، فهي تمثل عتادا للحرب وكرامة لصاحبها. ويؤكد أبو فرحان أن بعض البدو لديهم فراسة عالية عند النظر إلى ناصية الخيل، فهم يعرفون إن كانت هذه ستشكل مقدم سعد أو نحس.

وتقتات الخيل في الغالب على الأعشاب، وفي الوقت الحالي يمثل البرسيم الطازج الغذاء الأمثل، كما أن الشعير غذاء لا بأس به. ويمكن خلط أكل الخيل بعدد من الخضروات وأفضلها الجزر.

وتتمتع الخيل بالكثير من الخصال الجمالية، مثل تناسق الجسم في حالتي الحركة والتوقف، إضافة إلى عيونها الساحرة التي ألهمت الشاعر العربي منذ القدم عند التغزل بالحبيبة أو المرأة الجميلة، كما أن وجه الفرس شكل علامة جمال بارزة في العين العربية.

وكثر ورود ذكر الخيل في الشعر العربي، ولعل بيت امرئ القيس من اشهر ما قيل فيها، وذلك في معلقته التي وصف فيها جواده بقوله: «مكر مفر مقبل مدبر معا * كجلمود صخر حطه السيل من عل». وقالت الخنساء»: «ألا لا أرى كفارس الجون فارسا * إذا ما عــلتـه جــرأة وعـلانـيـة». كما أكثر الفرسان العرب في مدح خيلهم عند قولهم الشعر، إضافة إلى أن بعض مشاهير العرب نسبوا إلى الخيل مثل «زيد الخيل»، الذي نسب إليها لكثرة ما لديه من الخيول.