في منطقة «ثمامة» بالرياض: جلسات تجمع شبابا يقدمون النصيحة لآخرين يحبون الرقص والغناء والشيشة

TT

بغروب الشمس في الرياض خلال فترة الإجازة الصيفية، تصبح فكرة خروج العائلة أو الشباب معقولة بعض الشيء، في ظل انخفاض درجة الحرارة وغياب مصدرها، حيث يتسابق الناس للخروج إلى منطقة الثمامة الواقعة شمال شرقي الرياض، والمليئة بالمتنزهات والمقاهي والمطاعم والاستراحات الخاصة، طلباً للتنزه والسهر، وهرباً من المدينة وحرارة الصيف التي تتشبث بالمنازل والإسفلت، وتلبية لمطالب الأطفال الباحثة عن اللعب والمرح.

وتستقبل الثمامة في الصيف وعطلات نهاية الأسبوع أعداداً كبيرة من سكان الرياض ابتداء من شمال مستشفى المملكة غرباً وحتى قرية الجنادرية شرقاً، ويتوزعون بشكل عشوائي ولكنه مفصول نوعاً ما، فالعائلات تحرص على الاقتراب من سور مطار الملك خالد الدولي أو الأماكن المعتمة النائية عن الطرقات، وعادة ما تتوارى النساء خلف السيارات أو «الأروقة» ـ قطعة من القماش الذي تصنع منه الخيام لنصبه على شكل جدار ـ وهم في كامل حجابهم في الليل، في مقابل بروز الرجال بالقرب من سياراتهم أو بعيداً عنها، مع ترك حرية محدودة بمساحة معينة للأطفال للهو واللعب.

داخل هذه الصورة الحياتية المسائية، يحمل بعض الشباب ممن يطلق عليهم المحتسبين، وهم أفراد يمارسون عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل تطوعي، يحملون على عاتقهم إنكار الممارسات التي يرون فيها مخالفة للدين، من خلال ركوب سياراتهم الخاصة على شكل جماعات مكونة من أربعة أشخاص على الأكثر، وينطلقون في جولات استطلاعية بين المتنزهين، حتى إذا ما وجدوا ثلة من الشباب تغني أو ترقص أو تدخن المعسل أو الجراك، توقفوا عندهم ونزلوا لمصافحتهم ولنصحهم عما هم فيه، غير أن ردة فعل الشباب تجاه هؤلاء المحتسبين تختلف باختلاف ثقافتهم وظروفهم، وهو ما يؤكده عادل النصار ـ أحد مرتادي الثمامة ـ بقوله: هناك بعض الشباب من يرحب بأولئك المحتسبين ويجلسونهم معهم بعد إزالة الطبول أو الشيشة أو إغلاق الراديو أو إخراج كاسيتات الغناء، من منطلق عدم إثارة الوضع وإيصاله لإستدعاء الشرطة أو رجال الهيئة وتعكير صفو مسائهم، فيسمعون ما لديهم ثم يعودون للغناء والرقص بعد ذهابهم بقليل، وهناك من يستقبلونهم مسايرة لتعامل المجتمع مع المحتسبين بشيء من القدسية والاحترام أثناء وجودهم ـ هذا السلوك لا يعني، بالضرورة، الاقتناع بما يمارس عليهم ـ وعادة ما تنفض مثل هذه اللقاءات بتوزيع بعض الأشرطة الإسلامية والمطبوعات الدينية الداعية للإسلام والحاضة على التوبة، ويقابله هز رؤوس الشباب وجملة «الله يجزاكم خير».

على الجانب الآخر، هناك بعض الشباب لا يتقبل وجود المحتسبين أو مرورهم على أماكن سمرهم، بحجة انتهاك خصوصيتهم وقطع مرحهم، وهو ما يذهب إليه ماجد العتيبي ـ أحد الشباب المداومين على السمر في الثمامة ـ بقوله: بحكم مداومتي على الجلوس في الثمامة ليلاً، صادفت عدداً من المحتسبين الذين ينتهكون خصوصية الناس أثناء نزهتهم، ويلاحقون الشباب الباحث عن الفرح والمرح، ويقطعون عليهم متعتهم المستحقة، استناداً على الحرية التي لا تؤذي الآخرين، وسبق لي ـ ذات مرة ـ الدخول في حوار مع بعض المحتسبين الذين اقتحموا علي سهرتي مع بعض الأصدقاء ذات مرة، بحجة تدخين المعسل وسماع الأغاني والرقص على ضرب الطِّيران «الدفوف»، فقلت لهم: لا أريدكم أن تجلسون معنا، لأن هذا الشريط الذي استمع إليه اشتريته من محل مسموح له ببيعه بشكل رسمي، ومفسوح من قبل وزارة الثقافة والإعلام، وهذه الشيشة وما فيها معروض بشكل رسمي في محلات عديدة، وهناك مقاه شعبية عديدة تقدم خدمة تدخين المعسل والجراك بشكل رسمي، أما الرقص الشعبي فتقام له المهرجانات الوطنية الرسمية، أنا لا أمارس ترفيهاً مخالفاً، لا للقانون ولا للدين ـ بحسب وجهة نظره.

أبو عبد الرحمن ـ هكذا رغب في التعريف به ـ أحد المحتسبين الذين يذرعون مساءات الثمامة لتقديم النصح والإرشاد للجميع، يرى أن ما يقوم به يندرج تحت مسؤولية الإنسان الاجتماعية والدينية لإرشاد المجتمع المحيط به إلى الممارسات المباحة شرعاً والسليمة منطقاً، وفي سبيل ذلك واجه كثير من الشباب الذين اتجهوا للترفيه الضار والمحرم، فمنهم من استمع له، ومنهم من رفض استقباله ابتداء، وأضاف: أعلم أن بعض الشباب الذين أجلس معهم يعودون لما أنكرت عليهم، ولكن لا ينبغي إغفال فائدتين في هذا المقام، الأولى في سقوط ما أوجبه علي ديني في إنكار المنكر عند رؤيته، والثانية تكمن في تمضية أولئك الشباب بضع دقائق رطبة بذكر الله، ومع ذلك فإنني لا أنتهك خصوصية أحد، ولا أتعدى على حريات الآخرين، بل إنني أستأذن أي شخص أريد نصحه، فإن أذن لي فله ذلك، وإلا مضيت إلى غيره، وحقيقة الأمر أنني استغرب ذلك السلوك العدائي وحالة عدم التقبل التي يظهرها معظم الشباب تجاه المحتسبين أو رجال الهيئة! وهذا ما يدفعني لاقتراح عقد ندوات وحوارات علنية بين عينات متباينة من الشباب السعودي ورجال من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لإزالة بعض الانطباعات الشخصية ـ المبنية على معلومات مغلوطة ـ المتسببة في رفض كل طرف للآخر.