الكنية في السعودية .. عنوان للتدين أم للتعظيم أم طلب للشهرة

TT

«يا أبو فلان.. يا أم علان» .. نداءات اعتادت الآذان السعودية على سماعها في مختلف المناسبات والأحوال اليومية، وكأن المجتمع السعودي مكون من آباء وأمهات فقط! غير أنه لا يشترط للكنية وجود ولد أو بنت فعلاً. في السعودية، قلّ ما يكنى الناس باسم أنثى لموروثات اجتماعية وثقافية، فالاشتراط الرئيس لإشهار الكنية هو قبول النداء بها من الآخرين، وفي حالات كثيرة يكنى الأعزب باسم أبيه. فالكنية مفروضة من قبل المحيط باعتبار عدم كراهية الإنسان لاسم أبيه، وفي حالات أخرى تكون الكنية معلومة لارتباطها بالاسم، حيث جرت العادة على تكنية من اسمه خالد بأبي وليد، ويكنى من اسمه علي بأبي حسين، وقد تطغى الكنية على الاسم، ولذا يلجأ بعض الآباء لتسمية بكرهم الولد باسم مختلف على الأقل في المجتمع البسيط المحيط به حتى لا يشاركه أحد في الكنية، فيضطر الناس للتمييز بينهما بالعمر أو الصفة أو القبيلة، وعلى الرغم من أن الكنية لا يعني وجودها بالضرورة الاستغناء عن الاسم، فإن هناك بعض السعوديين يحاولون جاهدين إحلال كناهم مكان أسمائهم، سعياً منهم للحصول على قيمة اجتماعية تشعرهم بالفخر والعظمة، مع أن الله خاطب أبا لهب بكنيته للتقليل من شأنه، كما ذكر بعض المفسرين، لكون الاسم أفضل للتخاطب من الكنية واللقب. وهذا عكس ما يكتب عادة، حيث تأتي الكنية أولاً ثم الاسم فاللقب. وبلغ الأمر في الاصرار على استخدام الكنية في السعودية إلى السؤال عن اسم الولد للتخاطب مع أي إنسان آخر تفرض وجوده بعض الظروف اليومية، لتصبح أول كلمة في افتتاح معظم المحادثات اليومية مع الغرباء هي: «ما اسم الولد؟».

في السعودية دأب المتدينون على إعلان كناهم قبل زواجهم، وعادة ما يختارون اسما من أسماء الصحابة أو التابعين، ويتنادون فيما بينهم بالكنية لتحقيق أمرين مهمين «أولهما ربط المكنى باسم الصحابي ليحذو حذوه، والآخر هو حث المكنى على تربية ولده كمن سمي عليه من عهد الإسلام الأول»، كما علل أبو عمار الشريف. غير أن معظم العلماء والدعاة في السعودية لم تطغ كناهم على أسمائهم، كما كان الحال في العصور السابقة بل اشتهروا بأسماء عائلاتهم أو أسمائهم الكاملة.

فيما يرى أبو طلال المالكي أن استخدام الكنية في بيئة عمل السعوديين، يندرج ضمن مخاطبة أصحاب المناصب العليا من قبل الموظفين الأقل وظيفياً، للدلالة على علو مكانتهم وتهذيب الأسلوب أثناء مخاطبتهم وتعظيمهم، لكن الأسلوب نفسه ينتفي في معظم الأحيان عندما يوجه الرؤساء والمديرون الخطاب للموظفين الأقل منهم مرتبة، ليصبح استحقاق الكنية ملازماً لعلو المنصب الوظيفي، ولتصبح مناداة الرئيس أو المدير باسمه أمراً محذوراً من قبل محيطه الأقل منه وظيفياً. وفي مشهد آخر ذي صلة، تشهد جدران المنازل وأسوار المدارس تخليداً لكنى المراهقين، ولكنها كنى غريبة في بعض الأحيان، حيث يكني بعضهم نفسه باسم بعض السيارات مثل (أبو كامري أو أبو لومينا) أو التكني بأسماء غريبة مثل (أبو زقم أو أبو زعبل أو أبو ساطور) من أجل الاشتهار بغرابة الكنية ودلالتها اللفظية.

ويبدو الحال في المجتمع النسائي السعودي مغايراً، حيث تبدأ الفتاة بالتفكير عادة في الكنية بعد الخطوبة أو الزواج، لكنها لا تحرص على ذلك، مثل حرصها على تسمية نفسها باسم آخر قد يكون الاسم دلعاً لاسمها الحقيقي أو اختصاراً له أو اسماً آخر يروق لها لا سيما في المدارس، بل وتفرضه على محيطها من خلال عدم الاستجابة للنداء أو التخاطب إلا بذكره. ويعلق أبو ريان، وهو متخصص في اللغة العربية ويعلمها، حول استخدام الكنية في السعودية بقوله: هناك اعتقاد خاطئ بأن الكنية تنحصر في أبو فلان أو أم علان، لكن الحقيقة أن الكنية أوسع من ذلك، فهي مكونة من اسم يأتي بعد احدى الكلمات التالية: «أبو، أم، أخ، أخت، عم، عمة، خال، خالة، ابن، ابنة»، ولكن الرغبة في اختيار اسم محبب للتكني به، حصر الكنية بالصيغة المشهورة حالياً، كما هي كنيتي «أبو ريان».