«مغاسل الأموات» تخيف الأحياء: مغسلة مسجد الراجحي في الرياض تستقطب متدربين من كندا وروسيا في دورات لمدة 4 أسابيع

TT

تستقبل احدى أشهر «مغاسل الأموات» بالعاصمة السعودية الرياض طلبات من مختلف انحاء المعمورة، بعضها من دول غير إسلامية، من راغبين في الانخراط في دورات تدريبية تأهيلية لمدة 4 اسابيع يخضع فيها القيمون على الشأن الديني في تلك البلاد لدروس نظرية وتطبيقية في كل ما يخص تجهيز الاموات من المسلمين حيث يتعذر في بعض الاحيان حضور مغسل متمرس للقيام بهذا العمل.

ويقول ابو مجاهد، مدير مغسلة جامع الراجحي بحي الربوة في الرياض، انه انطلاقا من الدور الريادي الذي تقوم به السعودية كراعية لشؤون المسلمين في العالم فإن المغسلة تقوم حاليا بتدريب مجموعة من المتدربين المسلمين قدموا من كندا وروسيا وهم يخضعون الآن لدورات تأهيلية للحصول على شهادة الكفاءة في هذا المجال.

ويجيب ابو مجاهد عن سؤال حول طبيعة عمله وأداء المغسلة، بقوله: «ان المغسلة تعمل على مدار الساعة دون توقف وتبدل جهودا جبارة لتدبير شؤون المسلمين في هذا المجال وتوفر إضافة الى التغسيل والتكفين خدمة نقل أموات المسلمين من المغسلة الى المقبرة والصلاة عليهم والدفن ويكلف هذا كله المغسلة ما يفوق ألف ريال (266 دولارا) لا يتحمل أهل الميت منها أي شيء وهي صادرة من إدارة المغسلة في سبيل الله دون طلب أي عائد مادي». وأشار إلى أن المغسلة «تستقبل أحيانا ما يفوق 30 حالة وفاة يوميا يأتي اصحابها مستوفين لكل الاجراءات الإدارية من تصريح بالدفن من إدارة المستشفى وتقارير الاطباء الشرعيين في حالة الوفاة من جراء الحوادث ويتعامل القيمون على هذه المؤسسة الخيرية التي تحظى بالتقدير والاحترام من جانب السعوديين والمقيمين على السواء مع كل حالة على حدة بما تستحقه من الاهتمام والحرفية، حيث يتسابق المغسلون طلبا في الاجر والثواب الى الميت لتغسيله وتكفينه وتطييبه تكريما له طبقا لتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية»، مشددا على أن إدارة المغسلة تستأذن أهل الميت في حضور عملية الغسل والتكفين فمنهم من يوافق على الحضور ومنهم من يمتنع مراعاة للظرف الإنساني الذي يمرون به.

وتمثل مغاسل الأموات عالما آخر للأحياء رغم ذلك الاحترام الذي يبديه الناس للمغسلة وتقديرها حيث تذكر بالآخرة وتوحي لهم بهاجس غريب، إلا أن البعض يرى أن لهذه الأماكن جوا خاصا وبيئة مختلفة عن غيرها، كونها المكان الذي يستقبل الجسد بلا روح بعد موته.

ويتحفظ المغسل (ر. ب)، 73 سنة، وهو يعمل بأحد مستشفيات الرياض، ومكتبه مجاور لثلاجة حفظ الموتى، على مسمى «مغسل أموات» لأن مسماه الوظيفي هو «موظف بإدارة الشؤون الدينية». ويشير إلى أنه يبدأ يومه بتفقد الملفات التي ترد اليه من الإدارة حيث أن لكل شخص متوف ملفاً فيه كل المعلومات التي تهمه ومن بينها تنازل أهل الميت عن غسله وتكفينه لأنها تبقى مسؤوليتهم في الأول والأخير. ويضيف أن هناك صفات معينة يجب أن تتوفر في الشخص المكلف بغسل وتكفين الميت كالإسلام والعقل والبلوغ والثبات وقوة الشكيمة لان الموقف لا يحتمل أي ضعف كما أن للدخول على الميت لغسله وتكفينه آداباً يجب على الإنسان أن يكون ملما بها حيث يجب ترتيل بعض الأدعية والإتيان بخرقة، كما ورد في الحديث الشريف، للغسل لان لمس جسد الميت مباشرة دون عازل يعتبر من نواقض الوضوء والغسل في حد ذاته له قواعد ومراحل يجب احترامها.

وأفاد أن غسل الميت مثل الغسل من الجنابة الكبرى باستعمال الكافور والطيب كما جاء في الحديث الشريف، معترفا أنه بعد كل عملية غسل وتكفين يصاب بضيق ورعشة لا يعالجها إلا بالصلاة والدعاء والاستغفار للعلي القدير، مضيفا أنه يجب تقليب الميت بكل أدب واحترام ذات الشمال وذات اليمين لإخراج كافة الافرازات التي تكون عالقة في جسده وتغطية المخارج الطبيعية بالقطن لتفادي خروج ما قد يعلق منها.

وحول ما إذا كانت تصدر عن الموتى أصوات، مثلما يتردد في بعض الحكايات، ضحك كثيرا وأجاب أنه في كثير من الأحيان تصدر عن الأموات أصوات زفير تصدر عن الهواء الذي يكون محبوسا في صدر الميت، ولذلك يجب أن يتحلى المغسل بصفات الثبات ورباطة الجأش كي لا يجزع أو يصاب بالذهول، لافتا إلى أنه يتم تكفين الميت في ثلاثة أثواب ناصعة البياض يمرر احد طرفيها تحت ذراعه الأيمن والثاني في طرفه الأيسر تحت ذراعه الأيسر وبعده الثالث بنفس الطريقة ثم نعقد عقدة جهة الرأس وأخرى جهة القدمين وهنا يكون الميت جاهزا لدار البقاء.

وردا على سؤال حول تقبل المجتمع لمهنته أجاب الشيخ انه نادرا ما يحكي عن عمله أمام الناس لان كثيرا منهم يتحسس أن ينقل له عدوى الأموات، وفي كثير من الأحيان يتردد البعض حتى في رد التحية عند علمهم بحقيقة عمله ويتجنبونه في المجالس.

ويسخر أبو مجاهد من بعض الناس الذين يتحسسون من العاملين في هذه المهنة، وهو يصفهم بقوله: «هم من جنود الخفاء الذين نذروا انفسهم لاعمال الخير»، منتقدا أولئك الذين يتحاشونهم ويتجنبون السلام عليهم في المجالس، مرجعا موقفهم الى «الجهل»، وهو يدعوهم الى العمل فيما يرضي الله والوطن والسعي بالخير بين الناس.