بعد كل ركعتين من صلاة التراويح خصام وسلام.. وصوت الإمام وعدد ركعات التراويح ترجح الإقبال للصلاة

في مصليات النساء.. صلاة التراويح تبدأ بالتصويت وتنتهي بخناقة بسبب الأطفال

TT

قبل موعد آذان صلاة العشاء بنصف ساعة تستعد النساء مع بناتهن لصلاة التراويح، ويعقدن بعد مشاهدة مسلسل «طاش ما طاش» على قناة السعودية اجتماعاً ساخناً، ويتجدد الجدل اليومي حول أي مسجد يخترنه للصلاة ، ومن ثم الاقتراع على أي المساجد يفضلن. وما يحكم عملية التصويت ويؤثر فيها هو طلاوة صوت الإمام وحسن ترتيله، حتى أن المساجد أخذت اسمها من شيخها مثل مسجد الصايغ والعجمي، والشاطري، وسهل ياسين، وبصفر في مدينة جدة، الى جانب عدد الركعات فهناك من يصلي، ثماني ركعات، ومن يصلي عشرا، ومن يصلي عشرين ركعة، كما يعتمد التصويت على توجه الصديقات الى المسجد، أو قربه من السوق، أو من بيوتهن بطبيعة الحال.

وما أن ينادي المؤذن بصوته الى الصلاة، حتى تتقاطر النسوة من بيوتهن، متدثرات بسواد الحجاب الى المساجد. والنساء في السعودية عادة لا يذهبن الى المساجد خلال ايام السنة الا نادرا، خضوعا لتأويل صارم أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد.

وما أن يقررن اختيار المسجد حتى يبدأن بكي العباءة والتطيب وتجهيز حقيبة اليد، وما تحويه من موبايل بنغمات دينية، السيدات الكبار يفضلن صوت الأذان والتكبير أو زقزقة العصافير، بينما الفتيات يفضلن النغمات الموسيقية. لكن هناك فئة ثالثة تحترم قدسية المكان، كما تقول ريم صالحي. وتضيف «بمجرد دخولي إلى المسجد أجعل الموبايل على وضع صامت».

وفي القسم النسائي من مساجد مدينة الطائف، تتاح لك فرصة للتعرف على حقيقة طبائع وثقافة كل المصليات من حولك. ولا تخطئ عينك أن أكثر المصليات هن من الأمهات اللاتي يرتدين العباءة على الرأس، والتي تستر كامل الجسم وبعضهن يزودنها بالقفازات والجوارب السوداء. حتى أن بناتهن صورة مصغرة لهن. «وعد، وشروق، وهيام» فتيات في المرحلة الابتدائية يصلين مع جدتهن المقعدة، وهن يلتففن بالعباءات السوداء التي تغطي من الرأس الى أخمص القدمين. تقول وعد، وهي في الحادية عشرة من العمر «فقط في المدرسة والمسجد أرتدي هذه العباءة الكبيرة». وكحال معظم المساجد في طول البلاد وعرضها.. تبقى مصليات النساء هي المكان الوحيد الذي لا يرفع شعار «جنة الأطفال منازلهم»، أو عبارة «ممنوع اصطحاب الأطفال» في أماكن التجمعات النسائية. فالمصليات لا يستطعن الإنصات بخشوع لصوت الإمام، وهو يقرأ آيات القرآن الحكيم، ويتحول المسجد الى عيادة أطفال من فرط الإزعاج والصراخ. أطفال رضع يصرخون تارة ويبكون تارة أخرى، بعض الأمهات يحملن أطفالهن، وبعضهن يقمن بضربهم وهن يصلين لتزداد حفلة الإزعاج بصوت بكاء حقيقي يصم الآذان.

أطفال يركضون بين الصفوف ويلعبون لعبة (الاستغماية) ويختبئون خلف المصليات أو يحشرون أنفسهم بينهن وهن يسجدن، ويبدأ الخصام بعد كل تسليمتين ويرتفع صوت احتجاج أمهات الصغار المزعجين بأنه ليس هناك من يرعاهم في البيت!. فتقوم إحدى السيدات بالصراخ وتقول «صلي في بيتك»، فترد سيدة ثالثة وهي ترضع رضيعها «المسجد ليس مسجدك!»، ولا يقطع دائرة الجدل الا تكبيرة الإمام لركعتين جديدتين، ليستأنف الصراع اللفظي، والتلويح باليدين عقب التسليمتين!.

والإزعاج ليس أهم ما يخلفه حضور الأطفال الى مصليات النساء، فسكب العصير والحليب وأكل البطاطس والتسالي، ونثر بقاياها فوق السجاد والفرش هو ما يجعل بعض المصليات لإحضار سجادات خاصة من بيوتهن للصلاة عليها، تجنبا للروائح غير المستحبة في فرش المسجد. تقول أم ماجد، 44 عاماً، «نحن لا نفضل وجود الأطفال في المسجد لهذه الأسباب، إنهم يؤثرون على خشوعنا في الصلاة».

وربما بسبب رفع درجة التوتر بين المصليات بسبب الأطفال، وتصرفات ذويهم الباردة معهم، تزداد أجواء التذمر بين المصليات من حرارة الطقس أحيانا، أو من أي سبب آخر لا يستحق الجدال، في مصلى للعبادة والسكينة والخشوع.

أم أحمد، 55 عاماً، لديها حساسية وربو، وهي تريد تشغيل جهاز التكييف وفي المقابل أم عبد العزيز ،65 عاماً، لديها روماتيزم لا تريد التكييف فيبدأ بينهما الخصام والصياح، هذه تفتح الجهاز وتلك تقفله، وفي كل مرة ينتصر صوت الإمام عليهما فينتظمن في الصف عقب الانتهاء من قراءة سورة الفاتحة.

وأيضا هناك من يجعل المسجد مكاناً للقاء ولمناقشة القضايا الدنيوية بالسؤال مثلاً: هل اشتريت للأولاد ملابس العيد؟ من أين؟ وبكم؟ وتبدأ بعدها ثرثرة النساء، وهذا ما يحدث بعد التسليم من كل ركعتين يتصافحن ويتحدثن ويتمنين أن تطول فترة الاستراحة بين كل ركعتين.

عادة يختم الإمام صلاة التراويح بثلاث ركعات للوتر، ويدعو دعاء القنوت إلا أن هناك من يتركها، كما يقول الشيخ عادل وهو إمام مسجد في حي الشهداء في الطائف «الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدعو تارة، وتارة يتركها، والناس حسبوه واجب لقلة علمهم وجهلهم». لكن هناك من المصليات والمصلين من يتذمر من عدم قيام الإمام بالقنوت. تقول أم ريان «نحن نريد الدعاء ولكن صار بعض الأئمة يفاجئونا بتركها».

بعد الانتهاء من الصلاة هناك من تبدأ بجمع التبرعات لفلانة لأن زوجها مريض، أو غيرها من الأسباب التي ترق القلوب لها وتدمع الأعين، وتبدأ امرأة بفرش بضاعتها وبيع سلعها من حلاوة للبنات، مناديل للصلاة، جلابيات نسائية زهيدة السعر، وهناك من تبيع أخبار الجيران، وكل الأحداث التي تحدث في الحارة، وهي يقبل عليها أكثر من غيرها، فتتذمر بعضهن من هذه الثرثرة، لأنها كما تقول «بتنشر الغسيل»، وأخرى تخرج على عجل لتذهب إلى السوق وتقول «خبر اليوم بفلوس بكره ببلاش».