«أم العيال»..«أبو كرش».. أسماء مستعارة يستخدمها السعوديون لإخفاء هوية المتصل

سطوة الأعراف والتقاليد غيّبت اسم المرأة

TT

ان وقع في يدك جوال أحد أصدقائك أو زملائك وجاءك اتصال فلا تعجب إن ظهر اسم المتصل «أبو كرش» أو «العيال»،لأن هذا ليس غريباً، إذ أن سطوة المجتمع والخلفية الاجتماعية المقيِّدة لا تسمحان بذكر أسماء النساء أو المحارم. ولكن هناك من يحكمه مدى حبه أو بغضه للشخص المتصل فيحدد تبعا لذلك رمزا أو اسما مستعارا أو حتى نغمة تلائم مشاعره الآنية فتصبح فاطمة «أم خالد، أو الأهل، أو أن يبقى الرقم خاليا من أي اسم»، وقد تجد الفتاة نغمة الناي الحزينة طريقة جيدة للتعبير عن هوية أخيها المتصل.

من جهته، يقول محمد العلي، 24 عاما، «انه غالبا ما اعتبر في مرحلتي المتوسطة والثانوية معرفة اسم والدة الخصم أو إحدى شقيقاته انتصارا كبيرا يتم خلاله ابتزاز الطالب ومساومته من أجل الطاعة، وفي حالة العصيان يبدأ عدد من الطلاب بمناداته باسم أخواته أو والدته، فعوضا من أن يكون محمدا يصبح «نورة» أو «مها». وحسب محمد، فإنه من أجل ذلك يتجنب معرفة أسماء شقيقاته حال ضياع أو فقدان الهاتف أو تخوفا من فضول بعض المتطفلين فانه يلجأ إلى تدوين أسماء شقيقاته الست تبعا للترتيب العمري، فالأخت الكبرى رقم واحد والتي تليها تأخذ رقم اثنين والوسطى رقم 3 وهكذا تباعاً.

من ناحيته، لا يجد عبد الله الشمري أي حرج في تدوين اسم والدته أو شقيقته أو حتى زوجته وقد يكون يرمز إليهم «بأمي الحبيبة» أو «زوجتي الغالية، بعد عمري»، إضافة إلى تغنيج و تدليع أسماء شقيقاته، مضيفا أن الخجل أو مفهوم العيب من ذكر اسم المرأة علنا ناجم عن أعراف اجتماعية خاطئة يجب التخلص منها لما فيها من استخفاف واهانة للمرأة، مؤكدا أن ذلك لا يعود إلى الخصوصية التي يدعيها البعض، فالاسم هو الشيء الوحيد الذي نمتلكه، مؤكدا أن ما يتذرع به البعض من تخوفهم من بعض الرفاق المزعجين أو غير المؤتمن عليهم الذين لا يترددون في أخذ الرقم والاسم لإزعاج ومعاكسة نساء المنزل هو مجرد حجج واهية فعادة ما يكون المزعج ملولا، إذ سيقوم بعدة محاولات ثم يبتعد، مضيفا أن الهاتف يحتوي على تقنيات عديدة تشمل حظر الأرقام غير المرغوب فيها أو إغلاق الهاتف تماما في حالة الإزعاج. وفي السياق ذاته، تقول نورة المحمد ضاحكة إنها تتعرف على هوية خطيبها المتصل من خلال النغمة المسجلة التي قد تكون أغنية حب أو خصام لأحد المطربين أو من خلال الاسم والصورة التي تارة تكون قلبا كبيرا مع عبارة «أحبك للأبد» أو قد تتحول لتصبح عينا دامعة مع نغمة لام كلثوم، أما أم طلال فتجد الإشارة بعبارة «أفكر فيك، احبك للأبد» أسلوبا تعبيريا شفافا ومتحضرا للتعريف بهوية زوجها في حالة اتصاله، أما زوجها وحسب أم طلال فلجأ إلى تخزين صورة لقلوب نابضة تصطحبها عبارة «خطر الرد» للتعريف بها.

من ناحيتها، وحسب ما ذكرت عهود الابراهيم، 23 عاما، تقوم بتدوين أسماء صديقاتها وشقيقاتها تبعا لأسماء الماركات العالمية «جيفنشي» و«كريستيان ديور» و«اف سان لوران» أو تبعا لأسماء شخصيات مسلسل رمضاني «رد قلبي» إذ تحمل كل واحدة اسم الشخصية التي توافقها حقيقة، إلا أن فهد. س يهوى تدوين الأرقام جميعها بأسماء مستعارة بما يلائم ويطابق شخصيته فمحمد السمين يتحول إلى «أبو كرش» وخالد خفيف الظل إلى «دمب» أو أن يلقب والدته لكثرة إنجابها «بالوالدة الولود». فحسب ما ذكر فإن الرمز أو الاسم المستعار الطريف يتسبب في إضحاكه طويلا بمجرد اتصال أي منهم وان أثار احدهم غضبه سابقا. أما فيما يخص العلاقات غير المرغوبة في المجتمع مثل «الغزل» فيعمد الشاب إلى إخفاء اسم صاحبته بطريقة فطرية ومكشوفة للجميع حيث يطلق الشاب على الفتاة اسم ذكوري. وحتى لا يتورط في اختيار اسم معلوم لأسرته، فقد يسميها باسم يبدأ بكنية «أبو»، وكذلك الفتاة تطلق على الفتى اسما نسائيا لكنها لا تستطيع أن تقول «أم فلان» بسبب أن ذلك محظور على الفتاة مقابل أن العديد من الأشخاص ينادي الطفل بابي فلان.

في هذا السياق، يقول خالد إن هذه الطريقة تقليدية ومعروفة وقدمتها المسلسلات والأفلام لكنها هي الأكثر أماناً ففي أحيان كثيرة يترك الشخص هاتفه في المنزل أثناء وجوده فيه وعادة لا يجد الإخوة والأخوات حرجا في الإطلاع على الموجودات في الهاتف الجوال، وعادة التسمية للفتاة باسم ذكوري لا تسترعي الانتباه مقارنة باسمها الصريح أو رمز يدل عليها لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن الرسائل المتلقاة قد تحمل عبارات وكلمات تستوقف القارئ مثل «قلبي، حياتي، عمري» أو«حرمتني النوم» وعادةً الشخص الذي سبق له العمد إلى هذا الأسلوب يتجاوز الاسم من دون إثارة ريبة الباقين في المنزل لكنه لا يلبث أن يلمز ببعض العبارات أمام الجميع في المنزل مثل «هل اتصل أبو فلان بك اليوم» أو لماذا اتصالات أبو فلان قليلة هل حصل شيء بينكم؟ وغيرها من العبارات المحرجة. وحول انقلاب المفاهيم الاجتماعية وحظر وتحريم ذكر اسم أي امرأة سواء الزوجة أو الأخت أو حتى الأم بعد أن كان أهل البادية وما زالوا يفتخرون باسم البنت كأن يقال «أخو نورة» أو«ابن فاطمة» بعد أن برعت في الشعر أو تألقت في الفروسية، يقول زايد بن كمي متخصص اجتماعي، إن البيئة التي ينشأ في وسطها الطفل هي السبب الرئيسي في ترسيخ مثل هذه المفاهيم، إذ غالبا ما يلجأ الآباء والإخوة إلى ضرب الطفل إذا ما ذكر اسم والدته أو شقيقته خطأ أو عمدا باعتبارها خصوصية يجب ألا يطلع عليها احد، و يعزو بن كمي هذا الانقلاب إلى التحضر والتمدن السريع الذي غالبا ما يصاحبه تخوف وحذر شديدان، خاصة في المجتمعات المحافظة كون الانفتاح قد يتم استغلاله من قبل البعض بشكل خاطئ وعشوائي.

أما فيما يتعلق باللجوء إلى الأسماء المستعارة والرموز، أوضح بن كمي أنه عادة ما يلجأ البعض إلى مثل ذلك لإخفاء حقيقة الشخصية باعتبارها وسيلة دفاعية ملائمة حال فقدان أو ضياع الهاتف أو أن يكون للشخصية الحقيقية جانب كوميدي مضحك أو مرتبط بموقف ساخر يستنبط من خلاله بعض الشباب كاريكاتيرا طريفا يلائم الشخصية وتطابق فيه الصورة الأصل، مؤكدا أن الأمر لا يتعدى حدود الطرافة والمزاح.