الدكتور الحميضي: قلة حماس الناخبين لا تلغي تفاعل المجتمع مع المشاريع الإصلاحية

أكاديمي سعودي: الانتخابات البلدية إجراء لتسريع الحراك الاجتماعي وصولا إلى أعلى مراتب المجتمع المدني

TT

اعتبر أكاديمي سعودي ان قلة حماس السعوديين في الذهاب الى المراكز الانتخابية لتسجيل أسمائهم بما يؤهلهم لانتخابات مرشحيهم أو ترشيح أنفسهم في انتخابات المجالس البلدية، تدل على ان القيادة السياسية هي أكثر طموحا من المواطن نفسه في إطلاق البرامج الإصلاحية رغبة في تأصيل المشاركة الوطنية بخصوص اتخاذ القرار وتسريع الحراك الاجتماعي وصولا الى أعلى مراتب المجتمع المدني.

ورأى ان الانتخابات البلدية هي تجربة سعودية مائة في المائة وتأتي في سياق التطور التدريجي للمجتمع السعودي وتفاعله مع المشاريع الإصلاحية، مشددا على ان هذه التجربة لا علاقة لها بالضغوط الخارجية التي كانت السعودية من أكثر الدول التي تعرضت لها طيلة العقود الثلاثة الماضية، لافتا الى ان الدولة ظلت صامدة في وجه هذه الضغوط ليس لعدم رغبتها في التغيير نفسه وإنما لمعرفتها التامة بأدق تفاصيل نسيج المجتمع السعودي. وشدد على ان التغيير السياسي عندما يأتي من خلال ضغوط خارجية، فانه عادة ما يكون تغييرا مشوها وسريعا من دون اعتبار لخصوصية المجتمعات.

وأوضح الدكتور عبد الرحمن بن حمد الحميضي، أستاذ الإدارة المشارك في جامعة الملك سعود، ان الانتخابات السعودية هي تجربة إصلاحية ذاتية، مشيرا الى ان المتتبع لدوافع الإصلاح السياسي في كثير من الدول يجد أنها لا تخرج عن دائرة الضغوط الخارجية او الرغبة الداخلية في التغيير والتطوير. وعندما يأتي التغيير السياسي نتيجة لضغوط خارجية فإنه عادة ما يكون بعيدا عن مراعاة خصوصية المجتمعات وإمكانية تقبلها للتغيير مما قد يؤدي الى تقويض الاستقرار السياسي والاجتماعي بدلا من دعمه، موضحا أن السبب في ذلك يعود الى ان غالبية المحاولات الإصلاحية الناتجة عن الضغوط الخارجية تعتمد على قوالب سياسية بعيدة كل البعد عن واقع المجتمعات التي تتعرض لرياح التغيير من الخارج. وعلى وجه العموم، فإن هذه القوالب السياسية التي عادة ما تكون جاهزة تستنسخ من دول متقدمة تنمويا وذات نضج سياسي وتشابك اجتماعي معقد ليتم إقحامها وبشكل فوقي على دول انتقالية على سلم التنمية. والقاسم المشترك بين هاتين المجموعتين هو سعة الاختلاف في الخصائص السياسية والاجتماعية أكثر من درجة التجانس مما يجعل تلك القوالب عديمة الجدوى.

وأورد الدكتور الحميضي ما أشار إليه المفكر التنموي روستو حول هذه المعضلة من خلال تشخيصه لتباين المجتمعات في نظريته ـ مراحل النمو الاقتصادي ـ التي أوضح فيها ان هناك فارقا كبيرا في البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين المجتمعات التقليدية التي تمر بمرحلة الانطلاق نحو التنمية والمجتمعات الصناعية المتصفة بشيوع الاستهلاك الوفير. كما أكد المفكر ريجز اختلاف سمات المجتمعات عند مقارنته لديناميكية التنمية التي تتراوح بين المجتمع التجميعي الزراعي والمجتمع الانتقالي وصولا الى المجتمع الانتشاري الصناعي، لافتا الى انه على النقيض من ذلك فعندما تنبع الإصلاحات السياسية من الداخل وتأتي تلبية لرغبة المواطن فإنها عادة ما تكون إصلاحات ذاتية وأصيلة ونتائجها ناجعة على أكثر الاحتمالات لأنها تستمد فاعليتها من إمكانيات واستعدادات المجتمع للتغيير، كذلك فإن الإصلاحات الداخلية غالبا ما تكون سلسة وتدريجية ويتقبلها المواطن لركونها الى حتمية المراحل الانتقالية والتطورية التي تمر بها المجتمعات.

وأكد على انه من خلال نظرة استقرائية لانتخابات المجالس البلدية الراهنة في السعودية نجد أنها تقع ضمن الإصلاحات الداخلية التي أتت نتيجة لإرادة سياسية تعي مدى استعداد وتقبل المواطن السعودي لمثل هذه التغييرات. ومن الممكن القول ان الانتخابات البلدية هي تجربة سعودية مائة في المائة فكرة وإخراجا وتنفيذا آخذة في الاعتبار التطور التدريجي للمجتمع السعودي وإمكانية تفاعله مع المشاريع الإصلاحية.

و قال الدكتور الحميضي إنه قد لا يكون مستغربا القول إن القيادة السياسية السعودية أكثر طموحا من المواطن نفسه في إطلاق البرامج الإصلاحية رغبة في تأصيل المشاركة الوطنية في اتخاذ القرار وتسريع الحراك الاجتماعي وصولا الى أعلى مراتب المجتمع المدني، والدلالة على ذلك قلة حماس المواطنين في الذهاب الى المراكز الانتخابية لتسجيل أسمائهم بما يؤهلهم لانتخاب مرشحيهم او ترشيح أنفسهم في انتخابات المجالس البلدية على الرغم من قيام الدولة بنشر المراكز الانتخابية في غالبية الأحياء السكنية وإطلاق حملة إعلانية كبيرة لحث المواطنين على المشاركة والاستفادة من هذا الاستحقاق المهم.

وفي ذات السياق، أشار الدكتور الحميضي الى ان المملكة قد تكون من أكثر الدول التي تعرضت لضغوط خارجية مستمرة طيلة العقود الثلاثة الماضية لإحداث تغييرات في النمط السياسي والاجتماعي، إلا ان القيادة السياسية ظلت صامدة في وجه هذه الضغوط ليس لعدم رغبتها في التغيير نفسه وإنما لمعرفتها التامة بأدق تفاصيل نسيج المجتمع السعودي واستعداداته للتفاعل مع متطلبات ونتائج التغيير. فعندما يكون وقت التحديث غير ملائم مع بيئة المجتمع السائدة، فإن نتائج التحديث قد تكون سلبية على التلاحم الوطني والتناغم الاجتماعي. وأضاف انه مع تطور المجتمع السعودي وتبلور بيئة داعمة للتفاعل الايجابي مع البرامج التحديثية فقد بادرت السلطة السياسية بالمملكة بإطلاق مشاريع إصلاحية ذاتية وأصيلة خلال السنتين الماضيتين; تأتي في مقدمتها انتخابات المجالس البلدية والإعتناء بحقوق الانسان وفتح آفاق أوسع لعمل المرأة ومحاربة البطالة والفقر وتوسيع قاعدة الملكية للمواطنين من خلال تخصيص المشروعات الاقتصادية العامة وتبني الخطاب المعتدل ونشر التسامح.

واختتم الدكتور الحميضي تعليقه على الانتخابات البلدية السعودية بقوله: «احسب ان كثيرا من أفراد النخب الاجتماعية قد ينعتك بالشيزوفرينية او كثرة الأحلام لو أفضيت له عن عزم الدولة تطبيق هذه المشاريع الإصلاحية في البلاد قبل ثلاث سنوات ماضية فقط».

* لقطات

* إحدى المشاركات (فاطمة الغامدي) ألقت مداخلتها شعراً وكانت عن معانات المواطن البسيط ولقيت هذه المشاركة تصفيقاً حاراً من القاعتين النسائية والرجالية.

* أحد المشاركين تحدث عن قيادة المرأة للسيارة بطريقة ساخرة ووصفها بأنها الحل للقضاء على البطالة، حيث سيعمل الشباب في محلات البنشر ومحطات البنزين وورش الصيانة.

* حضور الشباب المشارك في الحوار للمؤتمرات الصحافية كان شرفيا حيث لم يوجه أحد لهم سؤالا، وفي حال ورود سؤال يحتاج إجابتهم كان يُختطف من أمامهم.