صراع على عقل الطفل السعودي في معرض الكتاب بجدة

الآباء ومعلمو المدارس يفرضون وصاية على خيارات القراءة للجيل الجديد

TT

أصبح الطفل هدفاً لأكثر من 50% من دور النشر المشاركة في معرض الكتاب والمعلومات بجدة بمختلف أطيافها الفكرية، فمعظمها خصص ركناً للأطفال يبدأ باللعبة وينتهي بكتاب عن الجهاد والحب ومكارم الاخلاق. وتستهدف دور النشر فئات عمرية معينة تنحصر ما بين السادسة والثانية عشرة، تقدم لهم الكتب التعليمية والألعاب التي تنمي الحس الذكائي والقصص الخيالية من الأدب الإنجليزي والفرنسي، بالإضافة إلى قصص المعارك والغزوات.

فتشاهد طفلاً ينظر الى كتاب طارق بن زياد يُلهب حماس من معه صارخاً «العدو أمامكم، والبحر وراءكم»، بينما زميله الاخر يقرأ عن روميو وجولييت ويفكر في الانتحار من أجل ابنة الجيران، ولكن لا يحلو له الموت إلا وهي بجواره... لتكون روميو وجولييت بشكل سعودي.

هيثم حسن من دار الأمل التي جاءت من مصر للمشاركة في المعرض، يرى أن الآباء هم من يحددون لأبنائهم الكتب النافعة للقراءة، كذلك معلمي المدارس الذين يقومون بزيارة المعرض في الفترة الصباحية، ويعتبر حسن ان القصص الدينية هي الأكثر رواجاً في جناح الطفل المسلم ليس في السعودية فقط بل في العالم العربي بصفة عامة. لكن أحد العاملين في دار الفاروق يرى أن مسؤوليتهم تتلخص في عرض الكتب التي تحمل مكارم الأخلاق والإسلام، مثل الصبر والأخوة والكرم وغيرها من الصفات التي يحث عليها الإسلام، ويؤكد أن هذا ما يحتاجه عقل الطفل في الوقت الحالي. هكذا تكتمل الدائرة في معرض جدة للكتاب. والمعلومات التي تستحوذ على 95% من الكتب المعروضة مصنفات فقهية، بالإضافة إلى قصص الأطفال التي تغرس روح الجهاد في نفس الطفل من دون الرجوع إلى شروطها وأسبابها من جهة، وقصص الحب والخيانة والغدر من جهة أخرى.

ياسر طفل عمره 7 سنوات يسير برفقة أبيه المعلم بهدوء وسكينة ينظر لذلك الرجل كثيف اللحية، وآخر بشنب خفيف، وعند سؤاله ما الذي أعجبك في المعرض؟ سكت ورد والده عنه، وعند سؤاله ما النوع المفضل من القصص لديك؟ سكت ورد عنه والده أيضاً.

لكن مبارك سالم، 14 عاماً، يحاول أن يفرض شخصيته ولكن على استحياء أمام معلمه الذي أمره وزملاءه بزيارة ذلك المعرض في الصباح لشراء بعض الكتب التي تم تحديدها لهم، لكنه قام بشراء كتب خاصة نالت استحسانه، ويتساءل لماذا تفرض علينا قراءة ما لا نريد؟! وصراع الافكار امتد لعقول هؤلاء الأطفال، وأصبح الشخص المجاور للطفل هو من يحدد كيفية تفكيره، والسؤال هل الشخص الذي يختار ما يقرأ الطفل مؤهل للاختيار فعلاً؟

محمد الحساني، كاتب ومختص بالقضايا التربوية، يجيب على السؤال قائلاً: في البداية لا بد من الرجوع عن القاعدة التي بنيت على أساس أن رب الأسرة أو زوجته متعلمان ومثقفان، وهذا بكل صدق إن كان موجودا لدينا لكن ليس بتلك الكثرة، لأن لدينا عددا كبيرا من الأمية لدى كبار السن، وهناك من ليس لديهم أفق ثقافي يؤهلهم لهذا الدور. ويستكمل الحساني حديثه عن المعلمين، أما بالنسبة للمعلمين فيجب أن نعي حقيقة مهمة هي أن المعلمين لدينا معدون إعدادا تعليميا وليس إعدادا تربويا، وإن وجدت فهي نسبة قليلة، وهذا للأسف ما يجعل دور المعلم ضعيفاً بعض الشيء لأن التعليم لا بد أن يقترن بالتربية وأن يكون القائم على التربية يجيد أدواتها في الأساس. كما يركز الحساني على أن هناك بعض الآباء والأمهات من هو متأثر بفكر معين ويتم توارث هذا الفكر جيلاً بعد جيل وقد تكون هذه الأجيال في أقصى اليمين أو أقصى اليسار في الفكر.