غرف «الدردشة» عالم مفتوح في غرف معزولة: الشباب يرونها فرصة للتعبير بلا رقيب.. والفتيات يهتممن بالطبخ والتجميل وبطاقات «سوا»

البعض يبحث عن إثبات الذات.. وآخرون حائرون بين «الوناسة» وقتل الوقت

TT

«منذ بدأت الدردشة قبل 5 سنوات لم اعد استطع الاستغناء عنها، واستغرق ما يعادل 12 ساعة يوميا فيها تقل أو تزيد. عندما تدردش تتحدث والجميع مصغ، الجميع يتعامل معك تبعا لفكرك وكلامك وليس على حسب شكلك أو سيارتك أو مركزك الاجتماعي، والجميع أصدقاء». هذا ما قاله محمد الواصل، 24 سنة، عندما سألناه عن اسباب اتجاهه للدردشة. وأضاف: «هي بمثابة موسوعة فكرية تحوي جميع أنواع الكلام والمواضيع والأشخاص والكل يريد مشاركتك فكره ومواضيعه. والاهم من ذلك أن جميع من في الدردشة مثلك، أشخاص يبحثون عن (الوناسة) والمعرفة في الوقت نفسه. ما أن تبدأ حتى تدخل عالما آخر مليئا بالفرح والمرح! لا يوجد من يزعجك أو (يكدر عيشتك) وان حصل وتصرف احد بسلوك سيئ في الغرفة يتم طرده من قبل المشرف على الغرفة. فلماذا لا أدمن عليها؟». وقال احمد عبد الله، 19سنة، «الدردشة» جزء لا يتجزأ من حياتي، فمن خلالها تعرفت على الكثير من الأشخاص وكونت العديد من الصداقات التي فادتني كثيرا في حياتي العملية والدراسية. فعلى سبيل المثال ساعدني الكثير من أصدقاء «الدردشة» في معرفة كيفية اختيار سيارة مستعملة وما الشروط التي يجب أن تتوفر فيها وساعدوني في معرفة أفضل وأرخص محلات الكومبيوتر وغير ذلك من الأمور التي لم أكن لأعرفها لولا التقائي بهم.

وأصبحت غرف «الدردشة» بالنسبة لأغلب الشباب الملاذ الأول، فعبرها يستطيعون الترفيه عن أنفسهم وإبداء آرائهم والتحدث والتعبير بحرية عن أي شيء يريدونه بعيدا عن أعين المراقبة في معظم الأحيان. ومنها يأخذون النصائح والمعلومات، وفيها يسافرون وهم في أرض الواقع، هذه الأمور وغيرها جذبت الشباب من مختلف الفئات والأعمار لتلك الغرف وجعلتهم يتعلقون بها تعلقا شديدا إلى حد الإدمان. ولكن كيف استغل الشباب جميع الإمكانيات التي تتيحها لهم تلك الغرف؟ وتقول منى العتيبي، 25 سنة: «لقد استفدت من غرف الدردشة كثيراً في تطوير شخصيتي وثقافتي. ففي السابق كنت خجولة جدا لا أستطيع الحديث مع الآخرين أو إبداء رأيي وكنت دائمة الخوف من حكم الناس على أسلوبي ولكن كل ذلك تغير منذ بدأت الدردشة.. فقد أصبحت أكثر ثقة في نفسي وفي آرائي ولم اعد اشعر بالخوف من الآخرين كما في السابق حتى أنني أصبحت الآن مشرفة على احد المواقع». وعن استغلال الشباب غرف الدردشة للأمور السيئة، قالت: «كل شيء في الدنيا له محاسنه ومساوئه وكذلك غرف الدردشة، فإذا أحسنا استخدامها استفدنا منها كثيرا. المهم هو اختيار الغرفة التي تناسب اهتماماتك وكذلك التزام الأدب في تعاملك مع الآخرين. لا أنكر أني لمست تصرفات سيئة في بعض الغرف من تبادل الشتائم والكلمات البذيئة وانتقاد لاذع لأشياء تمس الدين والوطن ولكن الحمد لله أن هؤلاء الأشخاص قلة وغالبا ما يتم طردهم من قبل المشرفين على الغرف». ولكن ماجد الجهني، 22 سنة، له رأي آخر. يقول: «الدردشة (كلام فاضي) وتضييع وقت ليس إلا.. اغلب الدردشات هي معاكسات غير مباشرة مع البنات أو تبادل نكت أو تبادل صور أو تعليق على الممثلات والمطربات. اما مواقع الدردشات الأدبية والعلمية والدينية مملة جدا لا أستطيع تحملها أكثر من 10 دقائق! فالناس فيها جادون ومملون ويتحدثون عن مواضيع تافهة (شبعنا منها)!! ورغم كون الدردشة مضيعة للوقت إلا أن الجهني لا يستطيع الاستغناء عنها! ففيها شيء من التغيير وإزالة (للطفش) الذي يعيشه»، على حد قوله. وتتفق نوره ع.،27 سنة، ربة منزل، مع هذا الطرح وتضيف: «يعمل زوجي لفترة طويلة، لذا فانا املك الكثير من وقت الفراغ الزائد واشعر بالملل الشديد، ولكوني لست من هواة مشاهدة التلفزيون وكذلك لكوني اسكن بعيدة عن أهلي وزوجي لا يحبذ خروجي لزيارة الجيران فلا سبيل لدي لقتل وقت الفراغ الذي أعانيه سوى الدردشة، في بادئ الأمر لم أكن اعرف الغرف المناسبة وإنما كنت ادخل أي غرفة أجدها ممتلئة بالأشخاص وبصراحة كنت أتعرض لتعليقات بعض الشباب واستهزائهم عندما اعرف عن نفسي بكوني ربة منزل. إلا أنني اكتشفت مع الوقت انه للدخول على دردشة ناجحة يجب عليك اختيار الغرف التي تناسب اهتماماتك. وفي الحقيقة أفادتني الدردشة كثيراً في تعليمي طبخات جديدة وأمورا تتعلق بالجمال والصحة». ولكن غرف الدردشة بالنسبة لنجلاء س.، 21 سنة، شيء آخر: فهي ممولها الأول لبطاقات (سوا) وبطاقات الإنترنت وكذلك العديد من الهدايا الثمينة. وتقول: «أنا أعيش حياة عادية جدا، وفي السابق كان ينقصني العديد من الكماليات التي تحتاجها أية فتاة في عمري لكني انتبهت إلى أمر ما أثناء الدردشة هو أن الشباب هنا ساذجون للغاية، ومستعدون لدفع أشياء كثيرة مجرد أن تصادقهم الفتاة. كما أنهم يبدون دائما تعاطفهم الشديد مع أي بنت تتحدث معهم من دون محاولة حتى للتأكد من صدق كلامها أولا.

لذلك وجدت ذلك فرصة وقمت باستغلالها بأحسن ما يمكن فانا دائما ما انتحل شخصية طالبة ثانوي معقدة من وضعها الاجتماعي وكونها حبيسة المنزل ولا يسمح لها بالخروج أبدا. ودائما ما يتعاطف معي الشباب ويلبون لي طلباتي».

وفي نفس السياق، قال احمد زاهر، 26 سنة: «في البداية لم تكن تعجبني الدردشة وكنت أجدها مضيعة للوقت وكنت أجد الأحاديث التي تدور فيها تافهة، حتى تعرفت على أحد الأجانب الذي يريد معرفة معلومات عن السعودية فوجدت الدردشة معه فرصة لأقوي لغتي وأدافع عن وطني وثقافتي وكذلك التعرف على ثقافات أخرى. ومن تلك اللحظة وحتى الآن لم انقطع عن الدردشة وقد تعرفت على أشخاص وثقافات من مختلف أنحاء العالم. كما أن لغتي الانجليزية تقوت كثيرا بالإضافة إلى ذلك فأنا بدأت في تعلم اللغة الفرنسية بمساعدة إحدى صديقاتي في الدردشة في مقابل تعليمها اللغة العربية».

وحول نفس الموضوع أضافت نورة السعيد، متخصصة نفسية، قائلة: «يتنوع سبب اتجاه الشباب للدردشة بحسب تنوع الأهداف والفئات العمرية والشخصيات. فنحن لا نستطيع مقارنة اهتمامات المراهقين الصغار باهتمامات الشباب. فبعض المراهقين يبحثون عن إثبات الذات من خلال التمرد على الآداب العامة في الدردشة ومضايقة الآخرين بينما البعض يثبت ذاته من خلال جلب آخر فضائح الفنانين وكل هذه الأمور تعتبر غير سوية وتدل على خلل في شخصية المراهق. والشيء الآخر الذي يجب التنبيه إليه هو أن البعض يعتقد انه بمجرد تخفيه خلف اسم مستعار فهذا يعني انه أصبح يملك العالم وبإمكانه التصرف في غرفة الدردشة كما يشاء وذلك غير صحيح، فشخصية الإنسان هي نفسها في الواقع كما هي في الدردشة ولكن البعض يتوهم انه أصبح شخصا آخر وذلك التوهم قد يؤدي في بعض الأحيان إلى مشكلات نفسية شديدة خاصة في حالات مدمني الدردشة فهؤلاء صنعوا لأنفسهم عالما وهميا يعتقدونه عالمهم المثالي وشيئا فشيئا بدأوا في التعود عليه ورفضوا عالمهم الحقيقي ونتيجة لذلك يصاب بعضهم بنوع من الانطواء والعزلة الاجتماعية والاكتئاب، كما أن بعضهم أصابه ازدواجية في الشخصية. ولكن ذلك لا ينفي استغلال بعض الشباب لغرف الدردشة استغلالا جيدا ينمي قدراتهم وفكرهم، ويعود عليهم بالنفع حاضرا ومستقبلا».