تقلص فرص العمل يفسد فرحة خريجات كلية العلوم في جامعة الملك عبد العزيز

الأولى على الكلية: فرحتي لن تقف هنا بل سأبحث عن كينونتي في المجتمع

TT

امتلأت صباح أمس صالة مسرح كلية العلوم بجامعة الملك عبد العزيز في جدة بنحو مئتي طالبة من خريجات كلية الفصل الدراسي الأول للعام الحالي. وبدت صفوف الطالبات وهن مرتديات تنانير سوداء وقمصان بيضاء موشحة بأغطية رأس ملونة، ويشير كل لون منها إلى خريجات كل قسم من أقسام كلية العلوم الستة.

وتم في نهاية الحفل الذي حضرته عميدة القسم النسائي بالجامعة الدكتورة سمر السقاف، ووكيلة كلية العلوم الدكتورة خديجة بادحدح، وأعضاء هيئة التدريس تكريم المتفوقات الحاصلات على المراكز الأولى، وتقديم شهادات تقدير لأمهاتهن نظير ما قدمنه من رعاية وسهر على نجاح بناتهن طوال مسيرة دراستهم المتوجة بشهادة الجامعة.

تقول هتون عبد اللطيف شعيب، الحاصلة على المركز الأول في قسم (رياضيات)، إنها تشعر بأن سنوات الدراسة الجامعية مرت كلمح البصر. وقدمت شكرها لكل من وقف بجانبها للوصول إلى هذه اللحظة السعيدة. وقالت «إن كلمة شكر لأمي وأبي كلمة قليلة في حقهما، ولكني اليوم وبشهادة تخرجي هذه حققت لهما حلمها وثمرت صبرهما وجهدهما معي، وهذه الشهادة هي أبسط هدية أقدمها لهما».

وتتذكر هتون كيف أنها بعد أن تخرجت من الثانوية العامة شجعها الأهل لدخول كلية الطب ولكنها، كما تقول «حلمت بالرياضيات وانشتاين منذ الصغر».

أما بسمة شعيب فحققت المركز الأول في قسم الحاسب الآلي، وهي كما تقول عملت بحكمة «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد» منذ الصغر، وعرفت كيف تصالح الوقت وتعقد معه صداقة ليخدمها ويسعفها. وتصف بسمة شعورها في هذا اليوم قائلةً «اليوم لا ينسى، سيدون في تاريخي. أما عن شعوري فحقيقة لا أستطيع أن أصفه»، تقول ذلك والبسمة ترتسم على وجهها والدموع تلمع في عينيها.

ووسط كلمات التهاني بالتخرج بدت على ملامح كثير من الخريجات علامات الأسى والترقب والخوف من حياتهن العملية في المستقبل، وعدم وجود فرص عمل كافية تستوعب الخريجات.

وتقول «و. م»، وهي إحدى خريجات قسم الرياضيات: «منذ العام الدراسي الأول كان هدفي في الحياة أن أصل إلى هذا اليوم، لكنني أخشى أن يذهب جهدي هدرا إذا لم أجد فرصة عمل مناسبة. وما يخفف عني أنني لست وحدي».

وتضيف وهي تقلب شهادتها كما أنها تقلب كتاب طبخ\ «شهادتي سأعلقها حتماً على جدار المطبخ»، موضحة بأن المدارس مكتظة بمعلمات الرياضيات. وعن سبب اختيارها لهذا التخصص، تقول: «لم أجد غير هذا القسم وكنت أعرف سابقاً ملامح مستقبلي الذي رسمته أنامل المجتمع». وبسؤالها ألا تحتفلين بنجاحك؟ تقول: «رغم حصولي على معدل عال لكني أجلت الحفلة ليوم حصولي على وظيفة».

وترد أشواق بخاري الحاصلة على المركز الأول على جميع أقسام كلية العلوم، وهي متخصصة كيمياء حيوي، قائلةً «أنا طموحة جداً ومؤمنة بأن الله لن يضيع تعبي هدراً لقد انتظرت هذا اليوم وحلمت به كثيراً ولكن فرحتي لن تقف هنا بل سأبحث عن كينونتي في المجتمع بنفسي». وقد اختارت بمحض ارادتها هذا القسم وكلما مرت بمحنة اقتربت من الله بالصلاة والدعاء لأن يسهل لها طريق التفوق في دراستها الجامعية. وتقول عن حال الشهادات المعلقة على المطبخ «حرام». وبسؤالها عن ما هو الحرام، تقول «لا أدري لمن أقول حرام، ولكن حتماً لن نخاصم الحياة ونستفزها بأن تكشف عن أنيابها ونهرب منها كالفئران»، وهي ترى بأنها محتارة جدا بين «البريستيج» والنظرة الدونية عند البعض، وتقول «أريد أن أعمل في المختبرات الطبية، ولكن هناك من يرى ذلك عيباً وبين تحضير الماجستير لأصبح أستاذة في الجامعة فجميع عضوات هيئة التدريس يشجعنني على ذلك».

وبسؤال والدة الطالبة أشواق بخاري عما يعني لها هذا اليوم؟ تقول «الأم تفرح عندما تزف ابنتها إلى عريسها وأنا اليوم فرحة جدا لمشاركتي ابنتي وهي تزف لنتسلم معا شهادة النجاح وصبرنا الطويل للوصول الى هذه اللحظة السعيدة». أما بسؤالها عن الحيرة التي تشعر بها ابنتها تجاه طبيعة العمل التي ترغبه، وقالت «نحن أسرة ديمقراطية نؤمن بحرية اختيار أبنائنا لحياتهم العلمية والعملية».

من جانبها، قالت الدكتورة هناء قشلان، رئيسة قسم كيمياء حيوي، ان دور الجامعة هو التعليم وليس التوظيف. وأضافت «إن 70 في المائة من طالبات الجامعة مؤهلات للوظيفة ،أما 100 في المائة لصاحبة المؤهلات والخبرة معا». وبسؤالها عن كيفية حصول الخريجات لشهادات الخبرة، تجيب قشلان «أتحدث عن قسمي كيمياء حيوي الطالبات يتدربن في الصيف في المختبرات الطبية ويحصلن على شهادات خبرة ويتعلمن في معاهد خاصة لغة الكومبيوتر، ثم بعد ذلك حتما سيكون لهن بإذن الله مكان في سوق العمل».

وتقول الدكتورة خديجة بادحدح وكيلة كلية العلوم «يا ليت الطالبات يعرفن أن يتعلمن، فالجامعة مكان لنهل العلم». وتميل برأسها يميناً ويساراً وهي مبتسمة مشيرة إلى الأمهات اللاتي انتظمن في صفوف المقاعد وهن يراقبن بناتهن يكرمن ويتسلمن شهاداتهن. وتقول «اليوم هو يوم هؤلاء الأمهات»، وبالرغم من تكرار هذه الحفلة كل فصل دراسي لا نشعر أن الحفل روتيني بل لكل حفلة طعمها الخاص مع الخريجات الجدد».

بعد الانتهاء من الحفلة بدأت تظهر روح المشاغبة والفرح بين الطالبات وجلسن معا في حلقات وهن يرددن أغاني النجاح وأهازيج نواديهن الرياضية المفضلة مثل الاتحاد والأهلي. وتقول إحداهن «صحيح أن اليوم لا ينسى، لذلك سنختمه بأهازيج عشناها مع كل مباراة لفرقنا الرياضية المفضلة».