1.8 مليون حاج يقضون يوم «التروية» في مشعر منى

قوافل الحجاج تتجه لمدينة الخيام البيضاء اليوم

TT

يتجه ما يقارب 1.8 مليون من حجاج بيت الله الحرام اليوم الثامن من شهر ذي الحجة الى مشعر منى لقضاء يوم التروية، اقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وسط أجواء مفعمة بالأمن والأمان، حيث تتدثر شوارع مكة المكرمة والطرقات المؤدية إلى منى باللون الأبيض الغالب على لباس الإحرام، مستخدمين كافة وسائل النقل التي أمنتها الدولة، وذلك إيذانا ببدء شعائر الحج.

وسيقضى حجاج بيت الله الحرام كامل يومهم في مشعر منى ثم يتدفقون صباح يوم غد الأربعاء التاسع من شهر ذي الحجة على صعيد عرفات الطاهر ليشهدوا الوقفة الكبرى وقضاء الركن الأعظم من أركان الحج ثم ينفرون مع مغيب شمس يوم عرفات الى مزدلفة ويبيتون ليلتهم فيها، وفي صباح يوم الخميس العاشر من شهر ذي الحجة يتوجه حجاج بيت الله الحرام الى مشعر منى لرمى جمرة العقبة، اتباعا لسنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم يقومون بالطواف ببيت الله العتيق أداء لركن من أركان الحج هو طواف الإفاضة ومن ثم الحلق أو التقصير ونحر الهدى والأضاحي. وبينما ستكون حالة الجو غائمة تقريباً والسماء متدثرة ببعض السحب، سيسير الحجيج لمسافة 10 كيلومترات من مكة المكرمة، حيث درجة الحرارة 29 درجة مئوية، إلى مشعر منى ودرجة الحرارة فيه 28، وهي مسافة ساعتين سيراً على الأقدام أو في الحافلات في مثل هذه المناسبة التي يصل فيها العدد إلى 1.8 مليون حاج من الداخل ومن الخارج. وكانت جميع الأجهزة الحكومية والمعنية بخدمة حجاج بيت الله الحرام في المشاعر المقدسة قد أكملت استعداداتها الشاملة لهذا اليوم بكافة الخطط التنظيمية والخدمية التي تصب في راحة الحجاج وذلك بإشراف مباشر من القيادة السعودية، فيما تشهد الشوارع والطرقات والأنفاق والجسور المؤدية إلى مشعر منى منذ الصباح المبكر ازدحاما كبيرا، يعود سببه إلى تردد قرابة 25 ألف حافلة ركاب صغيرة وكبيرة إلى مدينة الخيام البيضاء (منى) والتي شهدت قبل أيام قلائل جولات لكبار المسؤولين في الحكومة السعودية للوقوف على الاستعدادات الجارية لاستقبال ضيوف الرحمن، وآخرها كانت جولة الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا الذي يقف ميدانيا على تحركات سير الحجاج، يسانده الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة ورئيس لجنة الحج المركزية وجميع الوزارات والأجهزة والقطاعات المعنية بحج هذا العام. كما استعدت كافة القطاعات العسكرية والأمنية ورجال الحرس الوطني السعودي الذين انتشروا في شوارع العاصمة المقدسة والمشاعر لاستقبال الحجاج منذ وصولهم وحتى المراحل الأخيرة لتصعيدهم إلى عرفات، خاصة رجال المرور لتنظيم حركة سير الحجاج في الشوارع والأنفاق التي تؤدي إلى منى. وكان حجاج بيت الله الحرام قد بدأوا في التقاطر إلى مكة المكرمة منذ اليوم الرابع لذي الحجة، حيث يؤدي أغلبهم الفريضة لأول مرة وذلك لأداء العمرة والطواف بالكعبة المشرفة والسعي بين الصفا والمروة، وشهدت جنبات المسجد الحرام ازدحاما منقطع النظير ونجح رجال الأمن في فك الاختناقات المرورية في الطرق المؤدية للحرم المكي، وشوهد رجال الأمن والحرس الوطني وأفراد الكشافة السعودية وهم ينظمون الحجاج داخل المسجد الحرام وفي الساحات المحيطة. وكان الطريق الذي يؤدي إلى مكة المكرمة من المدينة المنورة قد شهد أمس حركة مكثفة لقوافل ضيوف الرحمن، وتابع الأمير مقرن بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة رئيس لجنة الحج بالمنطقة مراحل التفويج، وتم في هذا الصدد اتخاذ كافة الترتيبات اللازمة لرحلة الحجاج من الداخل والخارج وفق خطة معدة مسبقا، وتنظيم وجهود ومتابعة من كافة القطاعات المعنية.

من جهته أوضح أمير منطقة مكة المكرمة أمس أن الخطة التي وضعت لهذا العام تسير وفق ما تم التخطيط له، مشيرا الى اكتمال جميع الاستعدادات لنجاح عملية التصعيد وتقديم افضل السبل لراحة ضيوف الرحمن، وموضحا ان جميع القطاعات المعنية بخدمة وراحة الحجاج في مكة والمشاعر اتخذت جميع استعداداتها وترتيباتها اللازمة لعملية تصعيد حجاج بيت الله العتيق وذلك بمتابعة وإشراف مستمر من القيادة العليا. ووصف الأمير عبد المجيد الأوضاع الأمنية والصحية والخدمات التي تبذل لضيوف الرحمن خلال وجودهم في مكة المكرمة ريثما يتم تصعيدهم للمشاعر المقدسة بـ«الممتازة»، مؤكدا أنهم ينعمون بالخدمات المتوفرة والمتكاملة التي هيأتها الدولة. وأضاف أن جميع القائمين على خدمة وراحة الحجاج يستشعرون المسؤولية الكبرى التي شرف الله بها هذه البلاد قيادة وشعبا، وأن الجميع يسعى بكل طاقاته وامكاناته للقيام بالواجب المشرف وهو خدمة وراحة حجاج بيت الله الحرام.

من ناحيته نوه إياد مدني، وزير الحج السعودي، بأن الخطة التي وضعت لتصعيد الحجاج إلى مشعر منى تدعو للاطمئنان، مؤكدا أن الدولة أمنت جميع مطالب الحجيج واحتياجاتهم والتجاوب معهم. وأضاف أن كافة الأجهزة السعودية المختصة أتمت استعداداتها لهذا الموسم ووفرت جميع سبل الراحة والأمان منذ قدومهم وحتى موعد مغادرتهم سالمين آمنين إلى بلدانهم ومناطقهم. وكشف الدكتور حمد المانع وزير الصحة أن إجمالي عدد المستشفيات التي وفرتها وزارة الصحة لتقديم الخدمات العلاجية لحجاج هذا العام بلغ 21 مستشفى إضافة إلى 82 مركزا صحيا في منى وعرفات ومزدلفة، تم توفيرها جميعا لمتابعة الحالات الصحية للحجاج. كما أوضح الدكتور خالد مرغلاني المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة أن الحالة الصحية للحجاج وفقا للتقارير اليومية الصادرة حتى يوم أمس من الوزارة لم تسجل أية أمراض معدية أو حالات وبائية بين صفوف الحجاج خلال الـ 72 ساعة الماضية.

وتشارك جمعية الهلال الأحمر السعودي في هذا الموسم بفعالية للقيام بالواجبات الإسعافية داخل المشاعر المقدسة ومكة المكرمة وخارجها والطرق المؤدية إليها من خلال331 فرقة إسعافية تضم 331 سيارة إسعاف في 118 مركزا إسعافيا موزعة على العاصمة المقدسة ومنى وعرفات ومزدلفة.

ومن الناحية الخدمية في مكة المكرمة والمشاعر بدأت أمانة العاصمة المقدسة تنفيذ خطتها التشغيلية لهذا الموسم والتي اعتمدها الدكتور خالد نحاس، أمين العاصمة المقدسة، حيث جندت الأمانة 24 الف شخص لتنفيذ الخطة وسيكون العمل في مجال النظافة على مدار 24 ساعة في المناطق المزدحمة. ويعمل في هذا المجال بمكة المكرمة 7 آلاف عامل، إضافة الى فرقة مركزية لمواجهة أية حالات طوارئ مثل الأمطار أو الحرائق.

* طبيعة مشعر منى

* يتكون مشعر منى من واد تحيط به التلال وتحده من الجهتين الشمالية والجنوبية جبال شاهقة شديدة الانحدار، كما يحده وادي محسر من الجهة الشرقية. وتقدر مساحة المشعر الشرعية بنحو 650 هكتارا، منها 380 هكتارا أراض منبسطة في الوادي، و200 إلى 300 هكتار من سفوح الجبال، حيث تقسم استخدامات الأراضي إلى مناطق المخيمات.

ولزيادة استيعاب هذا المشعر الهام للجموع الهائلة من الحجاج، عمدت الحكومة السعودية إلى توسيعه بإزالة بعض التلال الداخلة ضمن الحدود الشرعية في منى، وتم في هذا الصدد تهذيب عدد من سفوح الجبال لتوسعة المساحات المستوية وزيادة أماكن التخييم، ولهذا الغرض تم تنفيذ عدد من مشاريع قطع الصخور حتى بلغت المساحة المستفادة من هذا المشروع 750 ألف متر مربع، وبتكلفة قدرها 200 مليون ريال، كما تم تثبيت الصخور المتفككة بجبال منى في أكثر من 13 موقع.

* تسمية يوم التروية

* سمي يوم التروية لأن الناس كانوا يتروون فيه من الماء ويحملون ما يحتاجون إليه، وفي هذا اليوم يذهب الحجيج إلى منى، حيث يصلى الناس الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصرًا بدون جمع ويسن المبيت في منى.

وجاء عن علي رضي الله عنه أنه قال: سمِّيَت التروية لأنَّ جبريل عليه السلام أتى إبراهيم عليه السلام يوم التروية فقال: يا إبراهيم، ارتوِ من الماء لك ولأهلكَ، ولم يكن بين مكَّة وعرفات ماء، ثمَّ مضى به الى الموقف فقال له: اعترف واعرف مناسكك، فلذلك سُمِّيت عرفة، ثم قال له: ازدلف الى المشعر الحرام فلذلك سُمّيت المُزدلفة.

ويوم التروية أو اليوم الثامن من ذي الحجة، يستحب فيه المبيت في منى تأسيا بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وإذا كان ذلك اليوم قام الحاج بالإحرام من مكانه الذي يريد الحج منه، ويكون إحرامه بالحج مثل ما فعل عند إحرامه بالعمرة من غسل وطيب وصلاة ركعتين، حيث ينوي الإحرام بالحج ويلبي، وتكون صفة التلبية في الحج مثلما هي في العمرة بيد أنه يقول «لبيك حجاً» بدلا من «لبيك عمرة»، وإن كان هناك عائق يمنعه من إتمام حجه يقول «وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني»، وإن لم يكن هناك خوف أو عائق لم يشترط.