مؤتمر الحوار الحضاري بمكة المكرمة يختتم أعماله: استنكار سعي الغرب لفرض ثقافته مقابل تقليص التعليم الإسلامي وفتح مدارس التنصير

TT

اختتمت يوم أمس أعمال مؤتمر مكة المكرمة الخامس الذي نظمته رابطة العالم الاسلامي بعنوان «الحوار الحضاري والثقافي.. أهدافه ومجالاته»، وذلك بقاعة المؤتمرات بمقر الامانة العامة للرابطة في مكة المكرمة، حيث تلا الدكتور احمد المورعي منسق المؤتمر البيان الختامي الصادر عن المؤتمر. وأكد المشاركون في المؤتمر، أن الإسلام دعا منذ ظهوره إلى الحوار بين الحضارات حيث اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم من العقل والحكمة والمجادلة بالحسنى أساساً ومنهاجاً لحوار المخالفين ودعوتهم إلى الإسلام وفق ضوابط فريدة في التسامح وتقبل التنوع الثقافي والحضاري. كما اشاروا الى ان الاسلام خص أهل الكتاب بالمزيد من الدعوة إلى الحوار إذ لا يواجه مشكلة في التعامل مع الأطراف الأخرى، فهو دين أنزله خالق الناس لا يفرق بينهم ولا يميز أحدا على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح. واكدوا على ان الحوار واجب ديني تمليه مهمة التعريف بالإسلام والدعوة إليه، ويمليه وجوب إزالة سوء الفهم والتصورات الخاطئة التي تروج عن الإسلام.

وسلط مؤتمر مكة المكرمة الخامس الضوء على موقف الإسلام من الحوار، وقواعده التي تضمن التعاون والحرية والإحسان إلى الناس والسلام والأمن للبشرية، إذ أوصى الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي وغيرها من المنظمات الإسلامية الرسمية والشعبية بإعداد مشروع لميثاق إسلامي للحوار بين الحضارات والثقافات الإنسانية. واقترح ان يحدد المشروع مرجعية إسلامية واحدة تكون مسؤولة عن الحوار وتتفق عليها المنظمات والهيئات الرسمية والشعبية في الأمة الإسلامية، وعرضه على الملتقى الأول لعلماء المسلمين والاجتماع الأول للهيئة العليا للتنسيق بين المنظمات الإسلامية، اللذين ستعقدهما الرابطة في العام الهجري 1426هـ.

ورأى المشاركون أن يتضمن الميثاق أهداف حوار المسلمين مع غيرهم وذلك إلى جانب تكوين هيئة إسلامية مشتركة للحوار مع أتباع الحضارات والثقافات البشرية لمتابعة شؤون الحوار وتنشيطه وتحقيق التعاون الإسلامي في نشر ثقافة الحوار ومبادئه وقواعده بين الأمم، كما جاءت بها رسالة الإسلام، وذلك من خلال برامج وخطط إسلامية مشتركة. ودعوا الى تذكير وزارات الثقافة والإعلام في البلدان الإسلامية بضرورة حث وسائلها المرئية والمسموعة والمقروءة على خدمة الحوار، ونشر برامجه ومنجزاته الميدانية، والتعريف بقواعده وضوابطه وأهدافه الإنسانية التي حث عليها الإسلام وتتولى الرابطة التنسيق في هذا الشأن. كما اقترح المؤتمر تخصيص جائزة سنوية تقدم لمن لهم إسهام متميز في الحوار بين الحضارات وجعله وسيلة للتفاعل الحضاري بين الشعوب الإنسانية تقدمها رابطة العالم الإسلامي. وأوصوا بإصدار كتاب شامل عن الحوار بين الحضارات من وجهة النظر الإسلامية، وتعميمه بلغات مختلفة على المنظمات واللجان والجامعات ومراكز البحوث المهتمة بالحوار في العالم. وأكد المؤتمر عدم وجود عقبات عقدية تمنع المسلمين من الدخول في الحوار لأن القرآن الكريم يحث عليه ويضع له إطاره الخلقي.

وفي مجال الأصول الإنسانية المشتركة للحوار، أكد المشاركون على الإيمان بأن أصل البشر واحد وكلهم يعودون إلى أب واحد وأم واحدة فلا تفاضل بين الأجناس ولا استعلاء بالأنساب ورفض العنصرية والعصبية وادعاء النقاء العنصري وسلامة الفطرة الإنسانية في أصلها، وأن الإنسان خلق محبا للخير مبغضا للشر. ولاحظ المؤتمر حاجة العالم إلى الحوار من أجل التفاهم على صيغ تحول دون الصدام بين الحضارات. كما تابع المؤتمر حملات الكراهية التي تشنها مؤسسات إعلامية وثقافية وسياسية غربية على الإسلام حيث اوصى رابطة العالم الإسلامي والمنظمات الإسلامية الرسمية والشعبية بدعوة مؤسسات الحوار الدولية ولجانه ومنتدياته للانطلاق في الحوار من المبادئ التي نصت عليها المواثيق والاتفاقات الدولية لتحقيق التكافؤ بين الشعوب في الحقوق، وضمان حرياتها، وحماية ثقافاتها ومطالبة المؤسسات الغربية التي تمارس مناشط تبشيرية، بعدم التدخل في عقائد المسلمين أو تشكيكهم بدينهم، ومنحهم الإغراءات للتحول عنه أو الاستخفاف به.

وطالب المؤتمر هيئة الأمم المتحدة ودول العالم بألا تسمح لأي دولة بالانفراد بإصدار قانون يمتد تطبيقه إلى مختلف أنحاء العالم، وذلك انسجاما مع القانون الدولي وقوانين المنظمات الدولية التي لا تجيز لدولة أن تتدخل في شؤون الدول الأخرى، أو أن تسن قانونا يتعدى تطبيقه دائرتها الإقليمية. وتوقف المؤتمر عند المرحلة الاستعمارية الغربية لمعظم البلدان الإسلامية ومحاولات طمس هوية المسلمين، وخاصة في الجانب الديني، وهو ما عبر عنه قادة الاستعمار في العصر الحديث بدءاً من حملة نابليون بونابرت على مصر، وانتهاء بتصريحات عدد من المسؤولين الغربيين التي أساءت إلى الإسلام والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والجانب الثقافي، إذ عمل الغرب على فرض ثقافته ومناهجه على حساب التعليم الإسلامي، وفتح مدارس التنصير، وإعداد مثقفين متغربين والجانب الاقتصادي وذلك بالسيطرة على خيرات الشعوب ونهب ثرواتها.

وأعرب المؤتمر عن تخوفه على السلام العالمي في ظل هذه التحديات، والتي يأتي في مقدمتها تأثر بعض الدوائر في الغرب بالمصالح المحلية المؤقتة، والصد عن التعاون مع الشعوب الأخرى، ومنها ما تتعرض له شعوب الأمة الإسلامية ودولها في حملات ثقافية وإعلامية شرسة من مؤسسات غربية عديدة، دأبت على وسم الإسلام بالإرهاب وشرائعه السمحة بالتطرف والهمجية.

وأكد المؤتمر ما أعلنته مجالس الرابطة ومؤتمراتها، وكذلك الحكومات والمنظمات الإسلامية من أن الإرهاب ظاهرة عالمية تستوجب جهوداً دولية لاحتوائها والتصدي لها بروح الجدية والمسؤولية والإنصاف من خلال عمل دولي متفق عليه في إطار الأمم المتحدة، يحدد تعريف الإرهاب تحديداً سليماً، ويعالج أسبابه ويكفل القضاء على هذه الظاهرة ويصون حياة الأبرياء، ويحفظ للدول سيادتها وللشعوب استقرارها، وللعالم سلامته وأمنه.

واكد المؤتمر أن الترويج للصدام بين الحضارات خطر على الأمن والسلم في العالم، وأنه يتنافى مع مواثيق هيئة الأمم المتحدة، لذا فإنه يوصي رابطة العالم الإسلامي والمنظمات الإسلامية الرسمية والشعبية بالرد على مروجي نظريات الصدام بين الحضارات من خلال وسائل الإعلام المختلفة ونشر الكتب في نقض تلك النظريات وبيان خطرها على الأمن والسلم في العالم وتوزيعها باللغات العالمية والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي في إحدى العواصم الغربية حول: «أخطار نظريات الصدام بين الحضارات على الأمن والسلم في العالم»، وإشراك عدد من القيادات الدينية والثقافية والسياسية وأساتذة الجامعات الغربيين في المؤتمر، بالإضافة إلى إشراك ممثلين عن المنظمات الدولية الكبرى ودعوة حكومات العالم إلى الاتفاق على تعريف موحد للإرهاب، وتطبيق برامج مكافحة هذه الظاهرة من خلاله، ضمانا لعدم الخروج عن مقاصد هذه المكافحة.

وعبر المؤتمر عن تأييده لقيام المنتدى العالمي للحوار الحضاري، الذي أعدت رابطة العالم الإسلامي مشروعا لإنشائه ودعوة الجهات الإسلامية المعنية بالحوار للتنسيق معها والحرص على وحدة الموقف الإسلامي في القضايا التي تعالجها منتديات الحوار وتنظيم ندوات ودورات علمية وثقافية لإعداد المحاورين المسلمين إعدادا يجعلهم مؤهلين لتحمل مسؤولياتهم وقادرين على متابعة التطورات السياسية والثقافية وعلى تقديم مقترحات لتطوير العلاقة بين المسلمين وبين غيرهم لما فيه مصلحة الإنسانية وتعزيز التواصل مع المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية التي تؤمن بالقيم والآداب العامة، وذلك بهدف التعاون على صد تيار الفساد والانحراف الذي من شأنه أن يهدد مستقبل البشرية وتشجيع الأقليات الإسلامية في قارات العالم على العمل داخل مجتمعاتها على توضيح صورة الإسلام الصحيحة، وتحقيق ذلك من خلال التواصل مع المؤسسات الثقافية والاجتماعية في بلدانها.