مرونة النبي في الحج وواجب العلماء

TT

الحمد لله على وصول ضيوف الرحمن، وما تم من توفير خدمات الحج والاستقبال لهم، ونسأل الله عز وجل أن يبارك لهم في حجهم هذا ويتقبل الأعمال الصالحة من جميع عباده الذين يرجون رحمته عز وجل في هذه الأيام المباركة.

ولا شك أنه أمر مهم يستدعي استنفار الجهود لتثقيف الناس وتعليمهم عن فضل هذه الايام سواء للحاج أو غير الحاج، وهي ذات أهمية، ذلك أننا ننصح العلماء الذين يرافقون الحجاج أن يعودوا إلى حجة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويأخذوا منها التوجيه والقيادة، وكيف قام عليه الصلاة والسلام بنصح الصحابة الكرام منذ اللحظات الأولى، وكيف علمهم المرونة، وبهذا رسخ لعلماء المسلمين أن يحرصوا على تعليم الحجاج التسليم في أمور الحج جميعا، لأن الحج من قبل الحاج هو تسليم لأمر الله عز وجل، واقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم في «إفعل ولا تفعل»، ولهذا فإن الحاج يسلم كل التسليم، ويسير على ذلك النهج الكريم الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة وللأمة إلى يوم القيامة.

فنرى كيف أنه كان مرنا في ذي الحليفة عندما تقدم وأمر الناس بالإحرام، فلم يجبرهم، ولم يحدد أن يكون جميع الحجاج قارنين أو متمتعين، وفي بعض الروايات (الحج والعمرة معا) لكنه لم يمنع الناس من التمتع، بل قال قولته المشهورة «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة». وهذه مرونة يعلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء لييسروا على الناس.

وكذلك الموقف عندما ذهب إلى خارج مكة بالأبطح، وأقام هناك ولم يدخل إلى الحرم، ومكث في موقعه يصلي بالناس، ومنه توجه إلى منى ثم إلى عرفات، وبهذا أوضح للناس أنه ليس من الضرورة أن ينزل الحجاج إلى الحرم في كل فرض ليتزاحموا على الصلاة والطواف، بل يكفي أن يصلوا في المساجد القريبة منهم داخل مكة.

وكذلك الموقف عندما وقف في عرفات عند الصخرات، وقال «وقفت هنا وعرفة كلها موقف»، وفيه توجيه للأمة بألا يتزاحموا، ولا يحرصوا على الوقوف عند الصخرات، بل ان كل الأماكن في عرفة وكل حدود عرفة موقف، وهذه مرونة أخرى، وكذلك فعل في المشعر الحرام في مزدلفة عندما قال «وقفت هنا وجمع كلها موقف».

وأيضا عندما نام في مزدلفة لم يجبر الجميع على المبيت، بل أجاز للضعفاء والنساء أن ينزلوا إلى منى، وفي هذا مرونة عظيمة وأن على العلماء أن ييسروا على الناس.

ثم جاء الموقف الآخر عندما نزل إلى منى ورجم، وأمر الحلاق أن يحلق له رأسه الشريف، ثم تقدم وطلب الهدي، وذبح ثلاثا وستين بدنة، وأمر سيدنا علي أن يكمل المائة التي قدمها عليه الصلاة والسلام هديا بالغ الكعبة، فجاء الناس يسألون، ومنهم من حلق قبل الرجم، ومنهم من رجم قبل الذبح، فقال قولته المشهور «إفعل ولا حرج.. إفعل ولا حرج» وهذا تيسير على الناس وتعليم للعلماء الآن أن ييسّروا على الناس ما استطاعوا عليه سبيلا.

ولهذا كانت الحجة النبوية خارطة متكاملة لتعليم المسلمين كيفية الحج الصحيح، وتعليم العلماء كيف أن من واجبهم أن ييسّروا على الناس اتباعا لسنته صلى الله عليه وسلم.

* وزير الإعلام السعودي السابق