جامعة الطائف.. الجبال وألواح الزنك تشارك الطالبات فقر المباني والمعامل التعليمية

المكتبة تفتقر إلى جهاز كومبيوتر .. ومواد المعمل العلمي تحفظ في زجاجات العصير الفارغة!

TT

في حي قروي بالطائف، أرض واسعة تحيطها كالطوق جبال من الخلف وبقية الجهات أسوار من الزنك الأخضر، تنتشر داخلها مجموعة من الأبنية المتناثرة، يحرسها من الخارج حارس وسيارة تابعة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا المكان هو جامعة أم القرى التي تحول اسمها مع بداية العام الدراسي الجاري الى «جامعة الطائف».

* تفتيش الصباح

* تروي مجموعة من الدارسات في جامعة الطائف مشهد التفتيش اليومي لحقائبهن بالقول: «حقائبنا تعامل وكأن بداخلها قنابل موقوتة، ضابطات الأمن داخل الجامعة يفتشنها بغرض البحث عن ما يثبت إدانتنا، ولديهن أنف بوليسي، حيث يقمن بتفتيش المحفظة الشخصية للطالبة، لعلهن يجدن بين جيوبها صورا تثبت الجريمة، والجريمة هي حمل صور شخصية لها وهي في سن الخامسة أو صورة والدة أو أحد اطفال الاسرة، فالصور تكفي لإدانة المتهمة بخرق أنظمة قانون الجامعة، غير أن التفتيش من قبل موظفات الأمن يصل في كثير من الأحيان الى أجسادنا، وهذا ما نرفضه وترفضه قيمنا التي تربينا عليها».

وتستمر معاناة الطالبة الجامعية في البحث عن مكان لعباءتها لوضعها فيه، تقول الطالبة ن. محمد: «هناك دواليب تشبه دواليب المطبخ الألمنيوم خصصت للعباءات، ولكن الظاهر أن عدد الطالبات يفوق عدد المخازن، لذلك نجدها متناثرة في زوايا الجامعة وكأنها شجيرة سوداء وهي مجتمعة مع بعضها البعض في حالة من الفوضى اليومية».

* المعامل العلمية

* طالبة من جامعة الطائف، التي تعلمت من دروس عثراتها والتواء كاحلها ترتدي الحذاء الرياضي ليساعدها على تسلق الجبال والمرور بالكهوف حتى تصل إلى المعمل العلمي، الذي يفتقر الى الأدوات المناسبة لمعمل جامعي. تقول إ. أحمد من قسم الأحياء «المواد الكيميائية تعبأ في قوارير خاصة بعصير طبيعي»، بينما الطالبة ن. محمد تخاف من المعمل لافتقاره سبل الأمن والسلامة، فيما تتناثر معامل الحاسب الآلي في كل مكان، يتندر الطالبات حول تباعد المعامل بالحكمة المعروفة «اطلب العلم ولو في الصين»، كما تشتكي طالباته من كل ثلاث طالبات يجلسن إلى جهاز واحد، ولكن أكثرهن يتفادين هذه المشكلة بإحضار أجهزتهن الشخصية الجوالة.

* المكتبة الجامعية

* في مكان منعزل تجد نفسك أمام المكتبة الجامعية التي لا تفضل الطالبات الذهاب اليها، فالوصول إليها صعب وهي عتيقة اللون والديكور، وتحيطها الصخور والنباتات البرية، تفتقر إلى كل وسائل إمتاع وراحة القارئ ولا تحتوي على أي تقنية لحفظ المعلومات أو الأنظمة المكتبية.

تقول أمينة المكتبة: «نتمنى الحصول على جهاز كومبيوتر واحد فقط من اجل أن نسجل أسماء أعضاء المكتبة ونقيد الإعارة وغيرها من المهام اللازمة». المكتبة تنفض الغبار من عليها كل صباح باستحياء من طالبة علم جاءت لتبحث عن معلومة بين أحضانها الباردة، في المقابل ترمي الطالبة في قسم الأحياء م. م باللوم على الجامعة نفسها في ضعف الاطلاع وزيارة المكتبة بين طالبات الجامعة. ويتساءل بعض الطالبات لماذا لا ننتج؟ ولماذا هذا البرود الفكري منّا؟ولماذا نعيش بداخل شرنقة سامة؟ هذه الأسئلة طرحت وهن ينظرن إلى الجامعة.

قبل الوصول الى قاعة المعمل العلمي تستقبلك ساحة واسعة ملئت بالكراسي البلاستيكية الخضراء والبيضاء تحيط بطاولات من شاكلتها، أمامها مركز تصوير، كافتيريا، وباب مفتوح مليء بمخلفات الجامعة من كراسي وطاولات وغيرها، تراكمت فوق بعضها كالجبل.. في هذه الساحة تجتمع الطالبات في فترة الراحة وهن يتبادلن الحديث ويتأكدن من تسريحاتهن وماكياجهن ويتناولن فطورهن.

مجموعة من الطالبات على اختلاف أعمارهن وأقسامهن، إلا أنهن جميعهن يؤكدن أن أحلامهن بحياة جامعية طبيعية تحطمت على صخور الجبال المحيطة بالجامعة.

أحلام ومها ونسرين، طالبات في قسم الحاسب الآلي يتذمرن من هذا الوضع، تقول مها: «أحياناً ننتظر حضور الدكتور ساعة في القاعة، ثم نعلم بأنه قد اعتذر عن المحاضرة وترك اعتذاره على أوراق معلقة على صخور الجامعة!!»، وتشاركها نسرين الحديث بقولها «ما زلنا نعيش في زمن الطباشير والسبورة الخضراء فكيف نجرؤ على أن نطالب بناد رياضي أو مقهى، هذا هو المستحيل بعينه».

وتتمنى نسرين. ك وصديقات لها في قسم الأدب الانجليزي، أن يكون هناك تواصل مع الدكتور أقلها عبر الايميل. تقول نسرين: «قد يصل عدد طالبات المجموعة إلى مائة طالبة وهن يتخاصمن على (مايك واحد فقط)، ذلك لأن الدكتور يلقي المحاضرة عبر شاشة تلفزيون 24 بوصة». فيما تعلق على صعوبة التواصل مع الدكتور طالبة بقسم الرياضيات رمزت لاسمها ( أم هتّان)، «ليس هناك تبادل متوازن وكريم بينا وبين الدكتور، فكأنه يتحدث مع نفسه، فهو دائماً ما يقول إن الطلاب أفضل منكم».

وهي تتمنى على الأقل أن تزود القاعات بشاشات تلفزيونية أكبر وتردد «أكبر... أكبر... بكثير».

* الترهيب بالإعلانات الجدارية

* تصطدم الطالبات وهن يسرن في ممرات الجامعة المتعرجة في كل جدار وباب بإعلان أو تعميم، وقد يكون إعلانا تأديبيا بفصل طالبة أحضرت معها جوال كاميرا به صور مخلة، أو ضبطت متلبسة في حالة غش في الاختبار أو إعلان مكافآت من دون أن يكون هناك تبويب واضح لتلك الاعلانات. وحول أنشطة الجامعة ومدى تواصلها مع الخارج فقد بدأت بحملة التضامن الوطني ضد الإرهاب، ونشاطها ملحوظ من كثرة الإعلانات وتوزيع المنشورات الخاصة بهذه الحملة، تقول أمل.ح من قسم رياض أطفال: «عن أي نشاط تسألين فكأنك تسألين عن آخر دواء اخترع لعلاج السرطان الجامعي؟»، بينما تقول ع.ج قسم لغة عربية، عن تجربتها في الانشطة الاكاديمية: «الأنشطة غير مشجعة تحسسني بالكآبة وتجعلني أسخر من تجربتي تلك»، وتضيف «أنا في المستوى الرابع الآن ولم أر عميدة الجامعة تشارك في تلك النشاطات، حتى أنني أحاول أن أتلصص لأراها ولو من بعيد»، وتسأل ع.ج عن أبسط حقوق الطالبة الجامعية في إقامة حفل للخريجات، «ربما الجامعة تفكر فقط في أي مكان سيتسع للخريجات في ظل غياب قاعة مخصصة للمؤتمرات والمناسبات الكبرى».

بالخروج من الساحة التي تعج بالطالبات المغلقة بالزنك الأبيض، ترى الطالبات وهن مرتديات المعاطف الجلدية أو المصنوعة من الجينز وهن في كامل أناقتهن يتجهن إلى قاعات الجامعة وهي عبارة عن غرف ذات جدران صفراء اللون، على الجدار الأمامي علقت شاشتا تلفزيون تتوسطهما السبورة.

وتقول الطالبات إن قاعات الدراسة تؤثر في قدراتهن على التحصيل. ورأت إحداهن أنه بسبب ان الجامعة تقع على سفح جبل فالشمس تسقط علينا بأشعة عمودية، وهو ما يعرضنا للامراض طوال السنة بسبب موجات البرد القارسة وحرارة الشمس العمودية في الصيف. وتضيف إحدى الطالبات بمسحة من السخرية على أوضاعهن «يبدو أننا أصبحنا متخصصات في العلوم الجغرافية والجيولوجية لتعودنا على العيش مع الجبال والسفوح والصخور والتغيرات الجوية والحيوانات الزاحفة».

«الشرق الأوسط» حاولت الوصول إلى عميدة الجامعة الدكتورة سميرة كردي إلا أن حارسة تقف خارج باب مكتبها منعت دخول الصحيفة والزائرين الى مكتبها، كما لم ترد على اتصالاتنا لايام متتالية للاجابة عن ملاحظات الطالبات.

في المقابل، وعندما تشير عقارب الساعة إلى الحادية عشرة ظهرا يعلو صوت حارس بوابة الجامعة وهو ينادي على الطالبات بأسماء آبائهن للخروج من الجامعة وسط فوضى عارمة من أرتال السيارات المتراصة على جانبي الطريق.