الأنشطة الطلابية في المدارس والجامعات السعودية

ضعف في المسرح وبعد عن التجديد والتشويق يوقف الموهوبين من الطلاب والطالبات

TT

تفتقر الأنشطة الطلابية لعناصر التشويق والمتعة والترفيه الجاذبة للطلاب من الجنسين، بالرغم من التخطيط السنوي الذي تقوم به وزارة التربية والتعليم لتطوير وإغناء المناشط الطلابية في مختلف المراحل. وهناك بطء في التنفيذ بسبب معوقات إجرائية ونقص في الإمكانيات المادية وافتقاد أغلبية دور التعليم للخبرات الوطنية الفعالة، فيما يسعى مشرفو المناشط في الجامعات إلى التجديد في برامجهم بين الحين والآخر، وتستقبل اجتماعات مجالس الجامعات السنوية خططا مدروسة من قبل مشرفي النشاط، إلا أن أعدادا كبيرة من الطلاب مستمرون في العزوف عن الإقبال.

ويوضح سعد العقيل، مدير عام الأنشطة الطلابية بوزارة التربية والتعليم، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنهم يتوجهون حاليا إلى تطبيق عمل تكاملي في الأنشطة الموجهة للبنين والبنات ويبحثون عن نقاط التلاقي فيها بغية التوصل إلى رؤية مشتركة لأكثر من نشاط ثقافي وإبداعي. ويشير إلى أن الإدارة العامة للنشاط بالتربية والتعليم عملت على صياغة ثلاثة أدلة برامجية موجهة للمرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية تضمنت تحديد خطط النشاط داخل كل مدرسة آخذين في الحسبان جميع الأنشطة المتاحة للتطبيق، فيما مثلت الأنشطة الأساسية النشاط الديني، الوطني، الاجتماعي، بناء القيم، الرياضة، الصحة، والثقافة. لافتا إلى أن الوزارة عملت خلال العام الماضي على وضع عدد من الضوابط الخاصة بالأنشطة في المدارس السعودية تتضمن توجيهات للمسؤولين عن الأنشطة فيها بالبعد عن المواد المتضمنة للإثارة أو المحتوية على مضامين قد لا يفهمها الطالب بالشكل الصحيح، والاكتفاء بالتركيز على الرعاية التوجيهية والتربوية للطلاب والحرص على استيعابهم للمعلومات.

ويؤكد العقيل أن إشكالية الضعف التي يعاني منها المسرح والذي يعد أبرز أنواع النشاط الطلابي وأكثرها جذبا لاهتمام الشباب، جاءت نتيجة قلة الإمكانيات المخصصة لهذا النشاط وقلة الكوادر المدربة من المعلمين والطلاب، وعدم توفر التجهيزات اللازمة. وأفاد بأنه يجري حاليا تدريب عدد من المعلمين والمشرفين على التقنيات المسرحية ضمن دورات تدريبية يشرف عليها متخصصون في هذا المجال، ودورة مكثفة نفذت صيف العام الماضي لمعلمين سعوديين في الأردن، ضمن خطة عملتها الوزارة منذ عامين للرقي بهذا النشاط.

ويشير العقيل إلى أن الوزارة تولي اهتماما كبيرا في الفترة الراهنة بالمهارات الطلابية ضمن مشروع حمل مسمى «تنمية المهارات الطلابية» والذي انطلق قبل سنوات خلت، إضافة إلى اعتماد برامج «التدريب عن بعد» من خلال 12 حلقة تدريبية تركز على تقوية مهارات الطلاب والتواصل مع الآخرين والحوار معهم واختيار الأصدقاء والموازنة بين العاطفة والعقل وحقوق الوطن على الشباب وكيفية رعايتهم.

ويبين العقيل أن عدداً من الطلاب السعوديين أبدعوا في مجالات متعددة من المهارات والأنشطة خصوصاً في برنامج (المعرض الشخصي) الذي يهدف إلى صقل مواهب الطلاب في التصوير الفوتوغرافي، ويضيف بقوله: «المدرسة لن تقف حجر عثرة أمام أية موهبة للطالب تتماشى مع قيم البلد وتعاليم الدين السمح».

من جانبه، يرى الطالب محمد الماجد أن المدارس السعودية تكتظ بالمبدعين والموهوبين الذين هم بأمس الحاجة إلى الدعم المادي والمعنوي، والحاجة حاليا إلى تكثيف المناشط المشوقة والممتعة والمواكبة للعصر، لافتا إلى أن نظرة الطلاب للمناشط المدرسية قد كبرت واتسعت في الوقت الحالي لا سيما وأن قنوات الاتصال الحديثة والثورة التقنية مكنتهم من الاطلاع على ثقافات ومهارات جديدة في مختلف أنحاء العالم، فضلا عن القنوات التعليمية التي ساهمت بإبراز بعض الجوانب المضيئة من المناشط، وعملت على تحفيز الطلاب والطالبات للاهتمام بالأنشطة.

ويرجع حمد الشبيلي، مدير متوسطة العليا بالرياض، ضعف بعض جوانب الأنشطة المقامة في المدارس حاليا إلى محدودية النشاط المسرحي، ويضيف بأنه من الضروري أن ترفع الميزانية إلى أعلى من وضعها حاليا، وخصوصا فيما يتعلق بالتجهيزات البنائية، ومع هذا يشير إلى بروز كم كبير من الطلاب في الخط العربي والرسم والمسرح والرياضة تفوقوا في مسابقات عربية ودولية.

وتصف (م. ب) معلمة في إحدى المدارس المتوسطة في الرياض ومشرفة على الأنشطة إقبال الطالبات على عموم الأنشطة بالضعيف، مرجعة ذلك إلى أن النشاط لم يعد يثير اهتمامهن بسبب بعض الأفكار المكررة والتي لم تعد تستهويهن.

وتقول هند عبد الله، معلمة في مدرسة ثانوية، ان الطالبة السعودية أصبحت بحاجة ملحة إلى العديد من النشاطات التي تسهم في تنمية شخصيتها وتدعمها وتحفزها للتعامل مع هذا العالم المتغير من حولها، وتشير إلى وجوب توفير النشاطات التي تصقل الموهبة والمهارة لدى الطالبة إلى جانب النشاط الديني.

وترى الطالبة آلاء عبد الرحيم أن الخطاب الوعظي ما زال يهيمن على النشاط المدرسي على حساب برامج ومناشط أخرى، داعية إلى إيجاد نوع من التوازن بينه وبين الأنشطة الثقافية الأخرى و ذلك لإغناء ثقافة الفتيات وتحفيزهن على الإبداع، مشيرة إلى أن المسرح الذي هو فن الفرجة بامتياز يحظى باهتمام كبير من قبل الطالبات ومن المفترض أن يعالج قضايا اجتماعية أسرية راهنة بات هو الآخر يركز فيه على الجانب المنبري الخطابي.

أما الطالبة شروق محمد فتصل إلى أن بعض المدارس السعودية تسعى لإيجاد ما يسمى بالجمعيات مثل جمعية الرسم، الصحافة، التمثيل، المسرح، العلوم، البيئة والطبيعة وغيرها، وهي جمعيات تحمل أسماء جذابة ولكنها برأيها لا تحمل في ذاتها أي مضمون، مطالبة بضرورة متابعة هذه الجمعيات من قبل الجهات المسؤولة عن النشاط حتى تدخل في مرحلة التنفيذ.

ولا تختلف الأنشطة الطلابية في الجامعات السعودية عن مثيلاتها في المدارس الابتدائية والثانوية من حيث الإقبال على هذه الأنشطة حيث تعزف شريحة مهمة من الطلاب والطالبات عن الانخراط في هذه المناشط بحجة أنها لا تساير روح العصر.

ويرى الدكتور محمد الأحمد، وكيل كلية الآداب بجامعة الملك سعود، والمشرف العام على الأنشطة الطلابية، أن أبواب النشاط في الجامعات السعودية مفتوحة أمام جميع الفئات من الطلاب بتوجهاتهم المتباينة، مشيرا إلى أن إشكالية عدم الإقبال يمكن تجاوزها من خلال إيصال مفهوم أساسية النشاط في الجامعة بالنسبة للطالب والتشديد على أنه ليس من الكماليات وذلك بربطه بالمنهج الأكاديمي في الجامعة، وتحديد درجة معينة عليه تكون في يد رائد النشاط أو المشرف عليه، ترفع أو تخفض من معدل درجات الطالب وليس شرطا في كل السنوات ويمكن تطبيقه في سنة واحدة.

وحول رؤية البعض بأن الأنشطة الموجهة للطلاب الجامعيين يغلب عليها الطابع الوعظي، رد الدكتور الأحمد بأن كون النشاط الطلابي في الوقت الراهن أخذ طابعاً مؤطرا فإن ذلك لم يكن نتيجة تخطيط مسبق أو نية ثابتة لأن يكون كذلك، مشيراً إلى أن ضعف الإقبال على الأنشطة الموازية هو السبب الذي جعل الأنشطة الوعظية تطغى، ومؤكدا في نفس الوقت على أن المشرفين على النشاط في الجامعة يتبنون برامج وأنشطة مشوقة وممتعة كرحلة اليوم الواحد والخروج إلى البر والخرجات التعليمية.

واستهجن الأحمد بعض الآراء التي تزعم بأن الجامعة السعودية باتت طاردة للمواهب والمهارات المختلف بشأنها والتي تثير لغطا وجدلا بين الطلاب والأساتذة كفن التصوير وما يتبعه من إقامة المعارض الفوتوغرافية، مؤكدا على أن إدارة الأنشطة في الكلية تبنت مسابقة كبرى للتصوير الفوتوغرافي تضمنت معارض متعددة منذ زمن بعيد.

من جانبه، يوضح محمد العثيم وهو محاضر سابق في جامعة الملك سعود وكاتب مسرحي أن النشاط الموجه للطلاب قبل عشرين عاما في جامعة الملك سعود كان مزدهراً حيث كانت الجامعة تحرص على استقدام مهارات عربية لرعاية الفنون والأنشطة وفي حينها كانت نؤدي مسرحا بكامل عناصره الفنية.

ويرجع العثيم سبب اختفاء الأنشطة الثقافية والفنية من الجامعة إلى وجود اتجاه يميل إلى تبني الأنشطة ذات الصبغة الدعوية الوعظية يتجاهل أي فكر آخر بحجة أن الفكر المطلوب حاليا هو الفكر الذي يخدم الدعوة فبرزت الأنشطة المنبرية والدعوية، كما صيغت أنشطة المسابقات الترفيهية بالصيغة الدعوية ذاتها.

ويذكر العثيم أن الجامعة فيما مضى أنجبت طاقات كبرى من الموهوبين والفنانين والمثقفين، مستبعدا حدوث ذلك في الوقت الراهن كون المرحلة الحالية يغلب عليها طابع «التأطير» والفكر الأحادي الذي يقصي الإنسان عن التميز بحرية التفكير والإبداع.