التقليد والمحاكاة وراء انتشار ظاهرة «تقبيل» المحلات التجارية في المدن السعودية

أصحابها طالبوا بإيجاد نظام يقنن عدد المحلات المتشابهة

TT

أرجع عدد من صغار المستثمرين الذين تعرضوا لخسائر مالية دفعتهم لـ«تقبيل» محلاتهم التجارية أسباب فشلهم تجاريا إلى عدم اتباعهم لأسلوب التخطيط من خلال الاعتماد على دراسات الجدوى الاقتصادية، حيث كان دافعهم هو التقليد والمحاكاة، بالإضافة إلى عوامل أخرى كسوء الموقع وعدم اتساع المحل وضعف التمويل والتجهيزات.

وبينما طالب هؤلاء المستثمرون في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» بإيجاد نظام يقنن عدد المحلات المتشابهة، واتباع معايير تحدد المسافة بين محل وآخر، أكدت دراسة حديثة أن 90 في المائة من أسباب فشل الأنشطة الصغيرة ولجوء أصحابها إلى «التقبيل» تعود لمشاكل فنية ومالية. ويشير المستثمر نايف حمدان إلى أن العمل الحر حلم ظل يراوده منذ فترة من الزمن بهدف تحقيق طموحاته، لكن عدم الثقة والخوف من المجهول جعلاه يتردد في دخول هذا المجال، خاصة ان له تجربة قديمة عندما أقنعه شقيقه بالدخول في شراكة مع أحد أصدقائه لفتح محل كبائن اتصالات في بداية السماح بهذا النشاط، ولانتهاز هذه الفرصة قبل انتشارها ولتكون بداية لسلسلة من الكبائن الهاتفية في منطقة الرياض، مشيرا إلى أنه دخل هذه التجربة وكان نصيبه الثلث، وأنه حصل على هذا المبلغ عن طريق التقسيط، حيث بلغت تكلفة تجهيز المحل حوالي 150 ألف ريال بالإضافة إلى دفع إيجار مقدم لمدة 6 أشهر قدره 22.500 ريال، «وكان محلنا أول محل متخصص في كبائن الاتصالات في هذا الحي، وكان الدخل أكثر من رائع والأمور تسير على أكمل وجه، إلا أن هناك مفاجأة حدثت لنا خلال فترة 6 أشهر من بدء نشاطنا تمثلت في افتتاح ثمانية محلات لكبائن الاتصالات مما كان له تأثير سلبي كبير جدا على دخل المحل، ومع ذلك فإن ما حدث لم يثننا عن تحقيق طموحاتنا حيث قمنا بتجديد الإيجار لفترة 6 أشهر أخرى من أجل مواصلة المشوار حتى النهاية. ولكن ما هي إلا أيام معدودة ودخلت هذا السوق إحدى الشركات الكبرى حيث قامت بافتتاح محلين لذات النشاط معتمدة في نفس الوقت على أسلوب الجوائز اليومية مما تمكنت من جذب غالبية سكان الحي خاصة الأجانب وبالتالي تضاعفت لدينا الخسائر ولم يكن لدينا خيار سوى الاتجاه لتقبيل المحل»، مشيرا إلى أنه لو كان هناك نظام يقنن عدد المحلات التجارية المتشابهة في كل مدينة وكل حي سواء كانت كبائن اتصالات أو بقالات أو مطاعم وغيرها لكانت هناك نتائج مفيدة للمواطنين وتوفرت العديد من الوظائف المضمونة التي يمكن سعودتها.

وذكر التاجر عادل سليمان الحيدر، الذي يقوم حاليا بعرض محل يملكه متخصص في نشاط الكماليات للتقبيل، أنه اتجه للعمل في هذا النشاط قبل عام تقريبا مستفيدا من تجربة أحد أصدقائه الذين نجحوا في هذا العمل بشكل كبير مما شجعه على افتتاح هذا المحل وبنفس التخصص، منوها بأن العمل في بداياته كان جيدا ومربحا للغاية، ولكن بدأت الأمور تسوء عندما افتتح أحد المستثمرين محلا مجاورا له متخصصا في ذات النشاط وبه ثلاث فتحات إضافة إلى اتساع مساحته، مما جذب إليه الزبائن لهذا السبب. وأشار الحيدر إلى أنه في ظل استمرار الخسارة التي تعرض لها مجرد فتح المحل المجاور له فكر في عرض المحل للتقبيل حتى لا تتراكم عليه الخسائر أكثر من ذلك والتي قدرها بنحو 150 ألف ريال، منوها بأنه لم يفكر ماذا سيفعل بعد ذلك، إلا أنه توصل إلى حقيقة هي أنه لن يخطو أية خطوة في حياته سواء كانت متعلقة بالعمل التجاري أو غيره إلا وأخضعها لمزيد من الدراسة العميقة. وقال إن الفشل لا يعني نهاية المطاف ولكن المهم الاستفادة من التجارب في تأسيس قاعدة ومبادئ يرتكز عليها الإنسان في حياته لتكون معينا له في شتى مناحي المجالات. ولم تكن تجربة المستثمر جميل العائد أكثر حظا من غيره، فقد اتجه إلى فتح محل (أبو ريالين) في موقع متميز وعلى شارع رئيسي، كما أنه يتميز بعدم وجود محل قريب يعمل في نفس النشاط واستمر العمل بصورة جيدة حيث كان عائده مجزيا للغاية بل ان هذه البدايات الموفقة شجعته على البحث عن محل آخر لنفس النشاط، وقد بدأ بالفعل في الخطوات التمويلية، ولكن وبينما كان أكثر تفاؤلا لسير نشاطه التجاري أصيب بانتكاسة لم تكن ضمن حساباته حيث افتتح أحد المستثمرين محلا كبيرا لنفس النشاط، وبالتالي بدأت الأمور تسير إلى الأسوأ حتى تضاعفت عليه الخسارة غير المتوقعة تماما بالنسبة له، فلم يكن لديه خيار غير الاتجاه نحو تقبيل المحل، مشيرا إلى أن العمل التجاري يتطلب مزيداً من الجلد والصبر، وأنه يرى أن أي عمل يقوم على التسرع وعدم الدراسة المستفيضة سيكون مصيره الفشل. فيما نصح من يريد الدخول في مثل هذه الأنشطة بأن ينطلق من موقع قوة، خاصة من ناحية التمويل والتجهيزات والديكورات لأن الزبون يهمه أن يكون المحل جذابا وذا مساحة كبيرة. ويرى مناحي مسفر المشعل، صاحب محل يعمل في نشاط «أبو ريالين»، أن ظاهرة تقبيل المحلات التجارية انتشرت بشكل لافت للأنظار ليس في مدينة الرياض فقط ولكن في أغلب مدن البلاد، مشيرا إلى أن السبب وراء هذه الظاهرة يعود إلى عدم إجراء دراسة الجدوى الاقتصادية قبل تأسيس المحل، أو لمجرد التقليد والمحاكاة لنفس النشاط التجاري للمشروع الناجح. وتساءل عن دور الغرف التجارية الصناعية المنتشرة في المدن والنصح للمستثمر الجديد. كما تساءل عن دور وزارة التجارة لمعالجة هذه الظاهرة، وذلك حفاظا على رؤوس الأموال الصغيرة والتي هي بالتأكيد خسارة للاقتصاد الوطني.

واشار المشعل إلى أنه لاحظ أن أغلبية أصحاب المحلات التجارية والخاسرة لديهم أسباب أقوى من الأسباب التي يفصحون بها مثل سوء الموقع أو غيره قد يحاول تحليله بسبب التقبيل بعبارة «عدم التفرغ»، وذلك للتمويه وجذب مستأجر آخر جديد، مبينا أن من الأسباب الأخرى عدم وجود قبول للبضاعة الموجودة في المحل التجاري، وكذلك ارتفاع إيجار المحل، وسوء تعامل العمالة مع المستهلك، وغيرها من أسباب كثيرة وغير محددة تختلف من محل تجاري إلى محل تجاري آخر ومن مؤسسة إلى أخرى.

* التوسع العمراني وقلة المنافذ

* أشارت دراسة حديثة إلى أنه نظرا للتوسع العمراني الأفقي والرأسي والزيادة السكانية لمدينة الرياض، انتشرت قنوات التوزيع المختلفة وبصفة خاصة المحلات الصغيرة وبصورة عشوائية وتعمل معظمها في المواد الغذائية وورش الصيانة والخدمات مما لها تأثير على الجوانب الاقتصادية.

وذكرت الدراسة، في استعراضها للأسباب الرئيسية وراء تأسيس مثل هذه المنشآت، أن التوسع العمراني الرأسي والأفقي لمدينة الرياض وزيادة عدد السكان المفاجئ في السنوات الأخيرة يحتاجان إلى منافذ لتوزيع السلع الاستهلاكية والخدمات للسكان مما دعت الحاجة إلى انتشار المنشآت الصغيرة بصورة عشوائية ومكررة، مشيرة إلى أن مجمل هذه المنشآت تتصف ببساطة الإدارة وسهولة تشغيلها وذلك لحجمها الصغير، وكذلك لصغر حجم التمويل المطلوب للاستثمار وانخفاض تكاليف التشغيل، كما تمثلت مميزات هذا النوع من الاستثمار في أنه لا يحتاج إلى عمال مؤهلين، وسهولة دخول وخروج المنشأة إلى السوق، بالإضافة إلى المرونة في تسوق الخدمات والمنتجات، وكذلك أن فرصة النمو والتطور في المدينة سريعة لأبعد الحدود.

* أسباب ظاهرة «التقبيل»

* أشارت الدراسة إلى قلة الخبرة وعدم وجود دراسة جدوى اقتصادية لنسبة كبيرة من أصحاب هذه المنشآت مما ساعد على فشلها، وعدم وجود معايير لفتح المنشآت الصغيرة من حيث المسافة بين هذه المحلات وتنويعها في الشارع الواحد على غرار ما هو معمول به في محطات الوقود والصيدليات، وعدم وجود جهة (هيئة أو وزارة) لدعم وتوجيه المنشأة الصغيرة من ناحية مالية وإدارية وفنية، وعدم الاستفادة من خدمات الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، خصوصا الوحدة الاستشارية التابعة لمركز تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة. توصلت دراسة إلى عدد من النتائج أهمها أن أكثر من 80 في المائة من المنشآت المعروضة للبيع كانت ذات عمر تجاري يتراوح ما بين سنة الى 3 سنوات، وأن من 80 إلى 90 في المائة من المؤهلات العلمية لأصحاب هذه المنشآت (السعوديين) هي أقل من الدرجة الجامعية، فيما يمثل السعوديون العاملون في هذه المنشآت أقل من 2 في المائة، وان أكثر من 80 في المائة من أصحاب هذه المنشآت ليست لديهم خطة عمل، كما أن أكثر من 70 في المائة من أصحاب هذه المنشآت لا يجيدون استخدام التقنية الحديثة.

وأفادت الدراسة لدى تناولها الأسباب الرئيسية وراء التأسيس لمثل هذه المنشآت بأن 50 في المائة من قام بالاستثمار في هذه المنشآت لم يجد عملا، وان 40 في المائة اتجه لهذا النشاط من أجل تحسين الأحوال المعيشية، و10 في المائة لتقليد الآخرين، وان هذه المنشآت لا تحتاج إلى رأس مال كبير وسهولة الإدارة، بالإضافة إلى أن بعض أنواع المنشآت الصغيرة، وخاصة التي تبيع مواد مستهلكة لا تحتاج إلى عمال مؤهلين.

فيما حددت الدراسة الأسباب الرئيسية للفشل في عدد من النقاط أهمها أن أكثر من 90 في المائة يعزون فشلهم إلى مشاكل فنية ومالية نتيجة لعدم التخطيط، وان أكثر من 95 في المائة لم يحضر أي دورة تدريبية، وأنه لا توجد جهة مركزية تهتم بهذا الموضوع سواء من القطاع الخاص أو العام، وعدم الاستفادة من خدمات الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، خصوصا الوحدة الاستشارية التابعة لمركز تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة.