عايض القرني يستجيب للضغوط ويعلن تراجعه .. وهيفاء المنصور تتلقى عروضا فنية

تفاعل جديد في قضية الفيلم «نساء بلا ظل»

TT

دخل الجدل الذي أحدثه الفيلم الوثائقي «نساء بلا ظل» منعطفاً جديداً يوم أمس، بعد أن أعلن الدكتور عايض القرني استجابته لآراء علماء سعوديين بارزين بإعلان تراجعه العلني عن آرائه الواردة في الفيلم بشأن غطاء الوجه، كاشفاً عن ضغوطات شديدة تعرض لها أدت إلى تخليه عن السماح بكشف المرأة وجهها.

وفي الوقت نفسه كشفت مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن مؤسسات فنية متعددة تحاول اجتذاب المخرجة السينمائية هيفاء المنصور للعمل عندها، وتلقت المنصور عروضاً من شركات انتاج وتوزيع لتبني أفلامها وخاصة فيلمها الأخير «نساء بلا ظل».

وفي التفاصيل، تراجع أمس الدكتور عايض القرني، الداعية المعروف، عن آرائه التي اطلقها في الفيلم الوثائقي «نساء بلا ظل» للمخرجة السينمائية السعودية هيفاء المنصور وعرض الفيلم مساء الثلاثاء 12 أبريل (نيسان) الجاري، (عرضا خاصا) في القنصلية الفرنسية بجدة، وجاء التراجع في خطبة ألقاها القرني في جامع القاضي بالرياض.

وأعتبر القرني في بيان مكتوب أرسله لـ «الشرق الأوسط» بعنوان (إزالة الإشكال) أنه يصحح ما قاله في الفيلم بشأن موضوع (غطاء الوجه) بعد موجة من الاحتجاجات التي تلقاها، معتبراً ان ما قاله (مسألة فقهية اختلف فيها السابقون من الآئمة والعلماء)، وقال انه استشهد برأي (الشيخ الألباني وغيره في كشف الوجه) لكنه برر تبنيه لهذه الآراء في الفيلم بان (هذا الكلام موجه للغرب، فالمناسبة والمقام اقتضيا ما سبق) .

وفي الوقت الذي أكد فيه القرني تراجعه عن تلك الآراء وتبنيه آراء العلماء القائلين بغطاء الوجه، ولزومه رأي هيئة كبار العلماء السعودية التي توجب تغطية المرأة وجهها، اعلن عودته الى ما جمعه الشيخ عبد العزيز بن باز في رسالته (تحريم السفور) وما ذكره الشيخ الشنقيطي في (أضواء البيان) وحرره الدكتور بكر أبو زيد في (حراس الفضيلة) والدكتور محمد اسماعيل المقدم في (عودة الحجاب).

وقال القرني انه خاطب المفتي العام، ووزير الشؤون الاسلامية، والشيخ صالح الفوزان، فأشاروا عليه (إرجاع الناس إلى القول الراجح والصحيح في المسألة) في إشارة إلى طلبهم اعلان التراجع أمام الملأ في مسألة تغطية الوجه.

واشار القرني إلى انه تلقى سيلاً من الضغوط من عدد من المشايخ الذين احتجوا على تبنيه آراء تخالف المشهور بينهم في مسألة الحجاب وغطاء الوجه، حيث أشار الى انه يشكر من (سدده) في هذه المسألة من أهل العلم (كالدكتور ناصر العمر، والدكتور سلمان العودة، والدكتور عوض القرني، والدكتور سعد البريك، والدكتور عبد العزيز الحربي، والدكتور وليد الرشودي، والشيخ راشد الزهراني، والشيخ فهد القاضي، والشيخ عبد الله الوطبان، وغيرهم). وكرر القرني التزامه بمحاربة (السفور والتبرج اللذين يدعو اليهما المستغربون) وتعهده بالمطالبة (بالحجاب والطهر والعفاف والغيرة) كما أعلن أنه يبرأ (إلى الله من كل ما يوافق دعاة التغريب) مكرراً (هنا أعود علناً إلى القول الصحيح الذي دلّت عليه النصوص وكلام العلماء وأستغفر الله العظيم).

* سينما الواقع

* وعن رسالة الفيلم قالت هيفاء المنصور أمس لـ «الشرق الأوسط» ان الفيلم يمر على حقبات مختلفة باستضافته نساء من أجيال متعددة، وهو يوضح طبيعة التغير الذي تشهده المرأة عبر العصور ويتحدث الفيلم عن التغييرات الاجتماعية، وهو يهدف إلى إثبات طبيعة هذا التغير، وحدوث التطوير، كما ان الرسالة التي يحاول التركيز عليها الاشارة إلى ان هناك جهودا مختلفة تسعى لإحداث تغيير في وضع المرأة في هذا المجتمع وعلى المرأة أن تستغل هذه الجهود وتتواصل معها، كما ان الفيلم يمر على التكوينات الفكرية والاجتماعية التي مرت بها المرأة من خلال استضافته للشخصيات المشاركات لكي يروين تجاربهن في الحياة والزواج والعمل.

وتضيف: الرسالة النهائية ان هناك حقبات مختلفة وان المجتمع لم يكن يوماً ثابتاً بل هو مجتمع متحرك ومتغير، بالرغم من أنه جاءت فترة انعزلت فيها المرأة، وجاءت فترة أخرى يتعين على المرأة ان تتواصل مع الجهود الرامية لإحداث تغيير في وضع المرأة ولم يعد سراً القول إن المرأة لم تنخرط بعد بالشكل المطلوب مع مثل تلك الجهود.

وتقول المنصور: يضاف لذلك اننا لاحظنا أن العصر الذي تتعرض فيه قضايا المرأة للجمود بدأ في الانقشاع، ولكن المرأة لا تلحظ ذلك بشكل فعلي، وتحتاج إلى شيء من الدفع وإلى مزيد من الثقة لكي تنخرط في التغيير.

ورداً على سؤال عن البعد الآيديولوجي للفيلم، أجابت المنصور: لم يكن لدي هاجس بشأن قضايا الحجاب وكشف الوجه، ولكن لكل مرحلة كانت المرأة تتناول قضاياها داخل الفيلم، ورأينا أن في الكثير من هذه المراحل لم يكن الحجاب يمثل جدلاً، بالرغم من أنهن كن ملتزمات به، ولاحظنا أن السيدات الأكبر سناً كانت لديهن حرية أكبر في الحركة، وكان المجتمع يتقبل زياً عادياً ومنفتحاً، وكانت المرأة تمارس دورها بعيداً عن جدل الاختلاط الذي يعلو اليوم.

ورداً على سؤال عن تأثير المخرجة في سياق الفيلم، قالت: لم أطرح رأيي صراحة في الفيلم، جعلت النساء المشاركات يستعرضن أفكارهن وتجاربهن، وحاولت الربط بين تلك التجارب. ولم يطرح رأي المخرجة إلا في آخر الفيلم حين تحدثت عن وجود نور وضوء في طريق المرأة.. وهي وحدها القادرة على تحويل النور الى شمس أو شموس.

ورداً على سؤال بكون هيفاء المنصور (مسكونة) بالقضايا الكبرى، أجابت: هذه القضايا تهم أي امرأة وخاصة المرأة البسيطة. وأضافت: ان الفيلم الذي لا ينبع من الناس ولا يصل اليهم يفقد قيمته، وبالنسبة لي فإني أختار الموضوعات التي تهم الناس أو تعكس قضاياهم. وأضافت: ان السينما الحقيقية لا يمكنها أن تنفصل عن قضايا المجتمع، خاصة إذا كنا نتحدث عن سينما بإمكانات بسيطة وميزانيات معدومة، فهي لا تستطيع المنافسة في تقنيات الترفيه، ويصبح خيارها المراهنة على جدية الموضوع.

وحول عرض الفيلم في القنصلية الفرنسية تحديداً قالت المنصور: لا أرى في ذلك ثمة خطأ، ولكن أقرأه من زاوية التواصل مع الآخر، فليس عندي ما أخفيه، أو ما أخجل منه، ولكني أبحث عن طرح يتسم بالمصداقية ويعكس التطور الذي نعيشه، وهذا يكسبنا احترام الآخرين. كما انها المكان الوحيد الذي دعيت فيه لعرض الفيلم. وقالت ان هذا الفيلم سيعرض في مهرجان (نساء من الشرق في تركيا).

وكانت هيفاء المنصور قد قدمت فيلمها الرابع (نساء بلا ظل) في منزل القنصل الفرنسي في جدة برعاية القنصلية الفرنسية ونادي (أصدقاء الثقافة) الفرنسي، وهو أول فيلم يعرض لها داخل السعودية، وتبلغ مدة الفيلم 50 دقيقة، وهو من الأفلام الوثائقية، ويناقش قضية المرأة في المجتمع السعودي، وعلاقتها بالرجل، والاشكالات الثقافية والفكرية، وموقف الدين من قضايا المرأة، كما يتناول الفيلم مسائل عمل المرأة وقضايا الاختلاط والزواج وحرية الاختيار.

وأحدث الفيلم صدمة في الشارع السعودي بعد ان كتبت عنه بعض وسائل ومواقع في شبكة الإنترنت، على الرغم من ان أيا من القنوات لم تبثه بعد، لأنه استطاع كشف شيء من الثغرات بين جدران الأسوار العالية التي تحيط بالمرأة، فالمخرجة التي اشركت والدتها (بهية الصويغ) لتشارك في الفيلم، وتعطي مقاربة بين وضع المرأة في الماضي والحاضر، تمكنت أيضاً أن تنقل المشاهد إلى صور التناقض في التعاطي مع المرأة، حيث تبدو سيدة داخل سيارة الليموزين تحاول إقناع السائق بأن يتحول الى محرم لها مقابل بدل مالي من أجل التمكن من تجاوز حاجز للتفتيش، وصورة أخرى لرأي فقهي يتراجع عبر عقد ونصف العقد من الزمان، حيث كان الصوت المنبعث من الماضي ينادي بلزوم المرأة بيتها، والصوت الجديد لا يرى بأساً ان تكشف وجهها.

ولذلك كان تراجع الشيخ القرني عن آرائه تلك انتكاسة برأي المراقبين لما حاول الفيلم الإيحاء به من وجود (تطور) في الرؤية المحافظة لقضايا المرأة.

وكانت المنصور قد قدمت ثلاثة افلام سينمائية هي (من؟)، (الرحيل المر)، و(أنا والآخر) الذي يعالج قضايا التعدد الفكري في السعودية، وحاز جائزتين دوليتين، الأولى جائزة أفضل سيناريو في مسابقة أفلام من الإمارات (مارس / آذار 2004 )، والثانية فوزه بتنويه خاص في مهرجان روتردام للفيلم العربي بهولندا (يونيو / حزيران 2004 )، وتم عرض الفيلم في الولايات المتحدة، ومهرجان دبي الثقافي لسينما المرأة، ومهرجان فلاينج بروم العالمي لسينما المرأة في العاصمة التركية أنقرة، وكذلك بينالي السينما العربية في باريس، ورشح للعرض في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام القصيرة والتسجيلية، ومهرجان بيروت السينمائي، ومهرجان مونتريال للعالم العربي في كندا.

واعتبر فيلمها الثالث (انا والآخر) على نطاق واسع واحدا من أبرز التجارب السينمائية في الخليج العربي. ومدة الفيلم 15 دقيقة، وتم تصويره في الامارات، واستعانت بممثلين من الشباب هم: مشعل مطيري، طلال السداد، وصالح العلياني. وساهم الفيلم في بلورة رؤيتها السينمائية الخاصة كمخرجة.

تخرجت هيفاء عبد الرحمن المنصور، 31 عاماً، وهي واحدة من 12 ابناً للأديب والشاعر السعودي عبد الرحمن المنصور، في الجامعة الأميركية في القاهرة سنة 1997، حيث درست الأدب الإنجليزي المقارن. وكان عدد من إخوتها قد اشتغلوا في الأدب والفن والتمثيل وكتابة السيناريو والرسم التشكيلي.

وبالرغم من ان هيفاء المنصور لم تجد الارضية الفنية التي تنطلق منها لتعزيز موهبتها إلا انها تلقت دورة بالمراسلة لتعلم الاخراج قدمها معهد الفيلم في نيويورك.

وعلى الصعيد الموضوعي كانت افلام المنصور تنطلق من ارضية معرفية واعية، فهي تناقش (قضايا) اجتماعية ووطنية الى درجة ان بعض النقاد لاحظوا أن المخرجة كانت مسكونة بالهاجس الموضوعي أكثر من تقنيات الاداء والاخراج السينمائي، وهو ما ترفضه المنصور، وكان فيلمها الأول (من؟) قد أثار الجدل بعد أن اتهمت المخرجة بانها تشجع على (خلع الحجاب) وهو أيضاً ما رفضته في حديث لـ«الشرق الاوسط» معتبرة أنها ناقشت مفاهيم معرفية في الاساليب وانواع التوظيف وليس في الاصل. ويدور الفيلم حول رجل ينفذ سلسلة من جرائم القتل ويتستر بالحجاب والنقاب ولبس العباءة السوداء المعروفة في السعودية. وعرفت المنصور بانها جريئة وعنيدة، فهي تقول بإصرار لـ «الشرق الأوسط»: إن لكل شيء بدايات تحفز من ظهوره ونموه. ونحن مطالبون بإيجاد هذه البدايات وليس انتظار ظهورها قط.