الدكتورة مي الدباغ: حصة المرأة السعودية من التدريب المهني والتعليم الفني الأدنى في العالم

الإحصائيات هي أول خطوة لرسم صورة دقيقة واقعية عما يحصل في المجتمع

TT

تعمل الدكتورة مي الدباغ حالياًً على إعداد بحث يتناول موضوع المرأة السعودية العاملة والعوامل التي تؤثر على الرضا الوظيفي والصحة النفسية لديها في كتاب سيطرح قريبا. وأجرت بحثاً ميدانياً شمل أكثر من ألف امرأة عاملة في مجالات التعليم العام والعالي والصحة والبنوك وإدارة الأعمال بواسطة استبانات، بالإضافة إلى مائة مقابلة شخصية متعمقة أجريت مع موظفات في هذه القطاعات وتركز على قياس مستويات الصحة النفسية والرضا الوظيفي لدى من شملتهن العينة. وترى الباحثة والأكاديمية في جامعة أكسفورد في بريطانيا أن حصة المرأة السعودية من التدريب المهني والتعليم الفني تعتبر الأدنى في العالم، وبينت أن غياب المعلومة يعد عائقاً أمام الدارسين والدارسات عن المرأة، وأنه يجب توفر الإحصائية اللازمة لفهم واقع المجتمع السعودي. وهي هنا في هذا الحوار تسلط الضوء على ما تواجهه المرأة في السعودية وعلى الحلول والإقتراحات لمواكبة التطور. فإلى نص الحوار:

* كيف تصفين آفاق النشاط النسائي في سوق العمل السعودي خلال السنوات المقبلة؟

ـ أتوقع أن مشاركة النساء السعوديات ستتنامى في كل القطاعات، وستكون لهن أنشطة متعددة اقتصادية وتجارية، ليست محصورة في مجالات العمل المعتادة حتى الآن، كالتعليم والصحة والعمل المصرفي، بل في كل المجالات المطلوبة لتعزيز المسيرة التنموية مثل إدارة الأعمال والصناعة والسياحة والمقاولات المعمارية والديكور ومكاتب العقارات. كما أن مشاركة المرأة في سوق العمل ليست مسألة تسلية أو ترف أو حتى حاجة فردية، بل قضية تنموية تنعكس على المجتمع ككل، والقرارت الأخيرة التي أعلنتها الجهات الرسمية في ما يختص بمشاركة المرأة مثل فتح الأقسام النسائية في الغرف التجارية أو إلغاء الحاجة الى الوكيل في وزارة التجارة والصناعة، كلها خطوات سنرى ثمارها إن شاء الله من حيث توسيع آفاق النشاط النسائي في سوق العمل السعودي.

* برأيك هل التخصصات المتاحة الآن في التعليم الأكاديمي في الجامعات والكليات السعودية متوائمة مع متطلبات سوق العمل المحلي؟

ـ إن التخصصات المتاحة حاليا تؤهل المرأة لوظائف في التعليم والطب والخدمات الطبية المساندة بشكل رئيسي، مع وجود فرص عمل محدودة في تخصصات أخرى كأنظمة المعلومات والإدارة والبرمجة والديكور. وهناك خطوات جديدة في بعض الكليات الأهلية للبدء ببرامج الهندسة ولكنها أيضا محدودة من حيث العدد وفرص القبول فيها، ولكن الآن أصبح هناك وعي متزايد بحاجتنا لفتح المزيد من التخصصات التي تتواءم مع سوق العمل وتقديم برامج التأهيل المهني والفني، التي ترضي متطلبات القطاع الخاص على مستوى المملكة للنساء والرجال معا.

* تتجه المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني الى فتح مجالات التأهيل التقني والمهني للمرأة السعودية خلال الفترة المقبلة، فهل هناك فرص عمل متاحة تستوعب مخرجات التعليم المهني كالحدادة والنجارة والصيانة الكهربائية وغيرها في سلم الوظائف النسائية المعتمدة في وزارة الخدمة المدنية؟

ـ لا شك أن هذه الخطوة واعدة وإيجابية، فالإهتمام بفتح مجالات التأهيل الفني والتدريب المهني تعتبر خطوة ممتازة لتفعيل دور المرأة السعودية في التنمية. وأتمنى أن أرى هذا الاهتمام يترجم على أرض الواقع بتوفير برامج تدريبية في مجالات أوسع من تلك المتاحة حاليا والتي تتركز في الخياطة والتدبير المنزلي، لأن سوق العمل يتطلب خبرات مختلفة كالكومبيوتر والسكرتارية والصناعات الخفيفة* إضاقة الى ذلك فإن حصة المرأة السعودية من التدريب المهني والتعليم الفني حاليا تعتبر بين الأدنى في العالم 5 في المائة حتى مقارنة بالدول المجاورة مثل الكويت 29 في المائة ومصر 44 في المائة وسوريا 51 في المائة، وتأهيل المرأة في المجالات المختلفة سيفتح فرص العمل أمامها بصورة أوسع، ولا شك أن البرامج التي ستأتي بها المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني ستكون مبنية على دراسة تحليلية لخدمة احتياجات سوق العمل ولن تمنع المرأة من المشاركة فيها، خاصة بعد تأكيد خادم الحرمين الشريفين في افتتاح الدورة الرابعة لمجلس الشورى على أهمية المشاركة الفعالة للمرأة في النشاط الاقتصادي السعودي والتي لن يستغنى عنها ولن يهمش دورها في مسيرة التنمية.

* ما رأيك في تأهيل النساء في المشاركات الوطنية المستقبلية للانخراط بالانتخابات وأداء دورهن داخل المجتمع؟

ـ أنا متأكدة أن المرأة السعودية المؤهلة على أتم القدرة لتحمل المسؤوليات المناطة بها، ولن تفرط في الفرص التي تحصل عليها بل تستطيع القيام بدور قيادي فاعل يستفيد منه المجتمع ويفخر به الوطن* هذا وقد أثبتت المرأة السعودية وجودها في المنتديات العلمية والأدبية والاقتصادية والهيئات العالمية بشكل مشرف.

* كيف يمكن تحقيق تقدم في أوضاع المرأة العاملة في ظل غياب الأرقام والإحصاءات والمعلومات المرتبطة بمحيط المرأة العاملة؟

ـ عدم توفر الإحصاءات المتعلقة بأوضاع المرأة السعودية العاملة كان من أكبر الصعوبات التي واجهتني في دراستي مثل غيري من الباحثين في هذا المجال. وأتمنى أن يسهل الباحثون الحصول على الإحصاءات المتعلقة بالمرأة كنسبة مشاركتها في القطاعات المختلفة حسب العمر والتحصيل العلمي ومنطقة السكن* ويجب توفر الإحصائية اللازمة لفهم واقع المجتمع السعودي ومن ثمة التوصل الى توصيات صحيحة، مثلاً إحدى نتائج بحثي بينت أن أغلب العاملات في العينة اعتبرن المواصلات إحدى العوائق التي تسبب الضغط النفسي وترتبط بمستويات منخفضة من الرضا الوظيفي والصحة النفسية، وقد يرى البعض أن هذه النتيجة محصورة في فئة مجتمعية صغيرة هي فئة الموظفات، ولكن آخر دراسة قامت بها في عام 2000 جهة غير حكومية على مستوى المملكة، وتعتمد على عينة واسعة قدرها 15452 رجلاً وامرأة سعوديي الجنسية في شتى مناطق المملكة، ووجدت أن 90 في المائة يؤيدون منح النساء السعوديات حقوقا أكثر و63 في المائة يعتقدون أن المرأة السعودية يجب أن يسمح لها بسياقة السيارة. لذلك أعتقد أن الإحصاءات هي أول خطوة في رسم صورة دقيقة واقعية عما يحصل في المجتمع السعودي ومن ثم التوصل إلى حلول مناسبة.

* آخر الأرقام المتاحة تؤكد أن حصة المرأة العاملة في السوق السعودي لا تتجاوز 5 في المائة من سوق العمل. وأن البطالة بين النساء تتجاوز 3 أضعاف البطالة بين الشباب الذكور. في نظرك ما هو الحل لمشكلة البطالة النسائية، أمام تقلص فرص العمل الملائمة لعادات وتقاليد المجتمع؟

ـ أعتقد أن الحل للبطالة النسائية يبدأ منذ التنشيءة في الصغر، وأهم تغيير إيجابي يمكن أن يحدث في مناهج الدراسة للجنسين هو تغيير صورة المرأة السعودية، والتأكيد على أهمية دورها في المجتمع كمواطنة وامرأة عاملة، إضافة الى دورها كأم أو زوجة أو ابنة، وإن تدريب الجيل الجديد من نعومة أظفاره على تقبل دور المرأة العاملة في المجتمع بل مساندتها أيضا سيوفر الدعم اللازم للمرأة في المستقبل، ويساعد على تصحيح الصورة الخاطئة، التي يرسمها البعض للمرأة وأنها غير قادرة على الموازنة بين مسؤوليات البيت والعمل، ثانيا وسائل الإعلام لها دور كبير في تعزيز صورة المرأة العاملة والتأكيد على أهمية مشاركتها في النشاطات الاقتصادية والتجارية والتنموية. ونحن نشهد تحسناً في هذا المجال في السنوات الأخيرة، ثالثاً مساندة الجهات الرسمية لمشاركة النساء بتوسيع التخصصات الدراسية ومن ثم مجالات العمل وتطبيق الإجراءات التي تذلل العقبات أمام مشاركة المرأة.

* هل أنت مطمئنة لمستقبل بناتك من حصولهن على وظائف عمل مناسبة في ظل الترتيبات والتنظيمات الحالية؟

ـ أنا متفائلة لمستقبل بنات وطني لأنني لا يمكن أن أكون متشائمة إذا أردت أن يكون لي دور فعال في بناء هذا الوطن* ونتائج بحثي عبر المقابلات الشخصية أكدت لي أن غالبية النساء العاملات كن متشوقات ومتحمسات للمساهمة في كل مرحلة من مراحل مشاركة المرأة في سوق العمل بدءا بالمراحل الأولى (كالتعليم والتدريب) حتى المراحل الأخيرة كالإدارة والتخطيط، والمشاركة في صنع القرارات المتعلقة بالمرأة العاملة، وكل هذه الطموحات يمكن أن تتحقق على أرض الواقع إذا توفر لها الجو الملائم من التقبل والمساعدة والدعم من جميع الجهات المعنية. سيرة علمية لمي الدباغ ـ باحثة وأكاديمية في جامعة أكسفورد في بريطانيا.

ـ بعد اتمام الدراسة الثانوية في مدارس الظهران الأهلية بتفوق عام 1995 حصلت على شهادة البكالوريوس من جامعة هارفرد في أميركا في عام 1999 . مع مرتبة الشرف.

ـ حصلت على شهادة الدكتوراة من جامعة أكسفورد في علم النفس.

ـ موضوع دراستها هو ـ المرأة العاملة في السعودية: دراسة عن الضغط النفسي والصحة النفسية ـ تعد دراستها من أولى الدراسات الميدانية التي اعتمدت اسلوب البحث العلمي التجريبي على نطاق واسع تضمن مجالات متعددة كالتعليم والتعليم العالي والصحة والبنوك وإدارة الأعمال في القطاعين الرسمي والخاص.