سوق سوداء ناشطة في تأجير الخادمات الإندونيسيات وقيمة الساعة 15 ريالا

مدير مكتب العمل: البعض يعتبر اللصوصية تجارة رابحة وتطبيق العقوبات متى ثبت ذلك

TT

عندما لاحظت سيدة المنزل علامات الإعياء والتعب على وجه الخادمة الاندونيسية (ت) التي استأجرتها لتنظيف المنزل، استغربت الأمر وظنت انها مريضة. عرضت عليها الراحة لكنها أجابتها انه أمر عادي لأنها لا تنام أكثر من ست ساعات وتعمل بالمقابل 18 ساعة يومياً. فهي تستيقظ باكراً لتنظف وترتب منزل كفيلتها، وعند السابعة صباحاً تأتي الحافلة لتنقلها الى أول المنازل التي يفترض بها العمل فيها لهذا اليوم. بعد ساعتين أو ثلاث، تأتي الحافلة وتنقلها الى المنزل الثاني، فالثالث، والرابع. ولا تعود الى منزل كفيلتها إلا عند العاشرة ليلاً، لتقوم ببعض الواجبات المنزلية قبل أن تنام.

وهكذا تتوالى الأيام منذ عملت هذه الفتاة الاندونيسية في السعودية، وصادف حظها العاثر أن يتوقف استقدام العاملات من بلادها فزاد الضغط على العاملات المتوفرات، وبالتالي ازداد الطلب عليهن مما دفع بكفيلتها للاشتراك مع مجموعة من شقيقاتها وجاراتها وصديقاتها في تأجير العاملات لديهن، مع العلم أن مكتب العمل في المنطقة الشرقية يؤكد أن المتاجرة بالخادمات مخالف للقانون ويمكن معاقبة المخالف سواء كان من المواطنين او مكاتب الاستقدام، لكن على «المواطنين الغيورين الإبلاغ عن المخالفات».

ترافق (ت) في رحلتها اليومية المرأة السعودية التي تشغلها وتنظم مواعيد عملها، فتصطحبها الى المنازل وتتقاضى الأجرة سلفاً عن ساعات العمل وأجرة التوصيل الى المنزل التي تفوق أحياناً أجرة العاملة. وليست (ت) الوحيدة فهي واحدة من بين سبع عاملات اندونيسيات يقمن يومياً بهذه الأعمال.

وبمجرد الاتصال بهذه المرأة، يكون على المتصل أن يعرف مجموعة أمور: أولها أن الخادمة قد لا تأتي في الموعد الذي يريده لأن هناك إقبالاً لا مثيل له عليها، وبالتالي عليه القبول بالموعد المتوفر، كما أن عليه تحمل تكاليف مضاعفة لأجرة انتقالها من حيّ لآخر، وتأخذ المرأة من المتصل معلومات عن مكان السكن والهاتف الثابت والهاتف الجوال وعدد الساعات التي يريد تشغيل الخادمة خلالها لتدرجها في مفكرتها. فإذا أردت خادمة في منطقة القطيف مثلاً وعليك استئجارها من إحدى السيدات في تاروت، اي على مسافة لا تزيد عن العشر دقائق في السيارة، يجب دفع 30 ريالا أجرة توصيلها الى منزلك. هذا مع العلم أن أجرة ساعة العمل الواحدة هي 10 ريالات، وبالتالي فإن أربع ساعات عمل تعني بحسبة بسيطة 70 ريالاً للمنزل الواحد، وهذا العدد إذا ضوعف أربع مرات هي عدد المنازل التي تقصدها الخادمة الواحدة يومياً كمعدل وسطي، يكون المجموع 280 ريالا في اليوم، وبالتالي يكون مدخول الكفيلة من خادمة واحدة في الشهر 1120 ريالاً أي ضعف ما تدفعه المرأة للخادمة الثابتة عادة. ويصل المبلغ الى 2000 ريال تقريباً إذا كان المنزل في الدمام مثلاً، وهذا المبلغ لا يعود بالطبع إلى الخادمة بل الى الكفيلة. وفي حال رغبت الأسرة باستئجار العاملة لشهر مثلاً، عليها عندها، أن تشرح له المرأة التي تؤجر الخادمات لمن يريد، أن يدفع أجرة الساعة 10 ريالات كالمعتاد، وتحاسبه المرأة على عدد ساعات العمل، لكنه يحظى بحسم على أجرة التوصيل الى المنزل، حيث يمكنه دفع أجرة شهرية للتوصيل بمعدل يتراوح بين 350 و500 ريال حسب منطقة السكن. بينما تؤجر امرأة أخرى خادمتها الوحيدة بمبلغ 15 ريالا للساعة، لكنها لا تتقاضى أجرة التوصيل، بل تشترط على المستأجر أن يشغلها لمدة 5 ساعات وليس أقل، وبالتالي يكون عليه دفع 75 ريالا لليوم الواحد. وقد شهدت سوق الاستقدام سوقاً سوداء لتأجير العمالة المنزلية، وبشكل خاص الاندونيسية بعد وقف استقدامها، فعمدت مكاتب الاستقدام الى تأجير العمالة المنزلية المتوافرة لديها بسعر تراوح بين 3000 و4000 ريال للعمالة الاندونيسية رغم ان رواتب العمالة المنزلية في الظروف العادية تتراوح بين 500 و650 ريالا. صحيح ان الأمر لا يعدو كونه عملية تجارية مربحة إلا أن الظاهرة تنتشر بشكل لافت بين السيدات، فتأجير عاملات المنازل أصبح وسيلة ربح لعدد من السيدات، ومن بينهن العاملات في مجالات مختلفة، لكنهن يبحثن عن مصدر ربح جديد فيعمدن لتأجير «جهد» خادماتهن بشكل لا إنسانيّ أحياناً. وبالطبع هذه الظاهرة تجري في العلن ولكن ليس بالشكل الرسمي المتعارف عليه كما في حال مكاتب الاستقدام. ومعظمهن يعملن على تجميع الخادمات من الأقارب والجيران ويؤجرنهن لقاء بدل أو عمولة تدفع للكفيل وليس للخادمة، وتؤكد الخادمة الاندونيسية (م) انها لا تتقاضى سوى راتبها الشهري المعتاد وهو 600 ريال لكن «كفيلتها تعدها بأن تدفع لها مكافأة من حين لآخر لكنها حتى الآن لم تف بوعدها، رغم مرور أكثر من ستة أشهر على عملها بهذه الوتيرة المرهقة». كما تعمل بعض السيدات بالاتفاق مع قريباتها ومعارفها على استقدام مجموعة من العاملات لهذه الغاية تحديداً فيتم تأجيرهن للعائلات الراغبة بالساعة أو بأجرة أسبوعية أو شهرية تصل في بعض الأحيان الى 4000 ريال. مدير مكتب العمل في المنطقة الشرقية بالدمام سعد اليحيى شدد على أنه وفقاً للقانون «لا يجوز للكفيل تأجير الخادمة للعمل في المنازل»، مؤكداً أن القانون ينص على «عقاب المؤجِّر والمستأجِر، والعقوبة هي الغرامة التي لا تقل عن ألفي ريال ولا تزيد عن عشرة آلاف ريال، أو السجن من أسبوعين الى ستة أسابيع أو بهما معاً يضاف لذلك حرمان المؤجر من الاستقدام». ولفت إلى ان العاملة يمكن أن تشتكي كفيلها بحجة أنه استقدمها لغاية العمل لديه وليس العمل في منازل أخرى، ولكن هل هناك من تجرؤ على ذلك؟

* خادمات تحت الطلب

* كانت ظاهرة تأجير الخادمات تنشط سابقاً خلال شهر رمضان مع ازدياد المتطلبات اليومية للأسرة، لكنها بدأت تتفاقم مع ايقاف استقدام العمالة الاندونيسية، إضافة الى ان بعض الاسر تتجنب الاستقدام ومشاكل مكاتب الاستقدام لعدم الالتزام بالشروط والمتاعب التي تخلفها ومشاكل الخادمات فتلجأ الى هذا الأسلوب.

وقد شاعت هذه التجارة غير المشروعة نظراً لحاجة بعض السيدات للخادمة خاصة في الحالات الطارئة «عندما كانت زوجتي حاملا بابننا البكر اضطررت لاستئجار خادمة بشكل شهري وكنت أدفع لها راتباً 2500 ريال». يقول (ابو وليد. س) وهو يعتبر الأمر «استغلالاً لكنه وضع لا مفر منه». كما تعتبر السيدات العاملات من الشرائح التي تطلب العمالة المستأجرة بكثرة كما تشير إحدى السيدات اللواتي يؤجرن الخادمات «معظم زبوناتي من العاملات اللواتي يسعفهن وجود خادمة بالأجرة في انجاز أعمالهن». وقالت (زينة. ع) ان «الوظيفة تجعلني أقصر أحياناً في واجباتي المنزلية، مما يستدعي وجود خادمة تعينني، ولأنه لا يوجد متسع في بيتي لاستبقي الخادمة لدي أضطر أن أستأجرها بشكل مؤقت». وهذا السبب أيضاً هو الذي يدفع (ع. هـ) لاستئجار الخادمة «أطلبها مرتين أسبوعياً، فتكلفني 150 ريالاً كل اسبوع، أي 600 ريال شهرياً. صحيح أن المبلغ كبير ويوازي أجرة خادمة ثابتة لكنه الحل الوحيد بالنسبة لي».

كما تعتبر فترة رحيل الخادمة الثابتة من أسباب تأجير العاملات حيث تلجأ العائلة لاستئجار خادمة ريثما تصل الخادمة الجديدة. ظاهرة مرفوضة للبعض على الرغم من ان الحاجة تفرض أحياناً اللجوء لهذا النوع من العمالة ترفض الكثير من العائلات تقبل الأمر، والأسباب عديدة من وجهة نظرهم «عدم الثقة بإدخال عاملة تنتقل بين المنازل» كما يقول (أبو حسن) ويدعم رأيه بتجارب المقربين منه «سمعت الكثير عن حوادث السرقة وعدم الأمانة حيث تقوم الخادمة باستغلال التنقل من منزل لآخر بهدف السرقة أو ما شابه، لذا أفضل أن لا أدع هذا النوع من العمالة يدخل بيتي». وتوافقه زوجته الرأي فهي تعتبر أن «الخادمة المؤقتة تطلع على أسرار العائلة بشكل أو بآخر، فتحملها معها حيثما تذهب وقد تتسلى بسردها على أصحاب البيت الجديد، ولأنها تعمل ضمن المنطقة ذاتها قد تحكيها أمام أقاربنا او معارفنا».

كما تتجنب العديد من الأسر الخادمة المستأجرة لأن «بعضهن يعانين من مشاكل صحية، ونحن بغنى عن ذلك» حسبما يقول (أ.ح). اما (مها) فترى أن الخادمة المستأجرة تكون مستنزفة القوى» فهي مجبرة على الانتقال بين البيوت والعمل طوال النهار لذا لا تقوم بعملها كما يجب».

ومع ذلك تبقى هذه الظاهرة منتشرة بما فيها من مخالفة للقانون واستغلال لجهد العاملة وتشغيلها فوق طاقتها، من دون مراعاة حاجتها للراحة الجسدية، ومن دون منحها حقها براتب أكبر يوازي قيمة عملها. مكاتب الاستقدام لديها وجهة نظر مختلفة حيث يشير (محمد. ح) الموظف في مكتب استقدام في الدمام الى ان تأجير العمالة قد يعرضه للمساءلة لذا فهو لا يقوم بمثل هذه الخدمة مع العلم بأن «الكثير من الزبائن يأتون بحثاً عن الخادمات للاستئجار اليومي أو الشهري أو حتى بالساعة». ويوافقه مدير مكتب استقدام آخر في الدمام على مبدأ أن «التعاميم الصادرة من الجهات المسؤولة تمنع هذا النوع من التأجير وبالتالي قد يتعرض المكتب للإغلاق وهذا ما نحن بغنى عنه». كما ان بعض المكاتب تقوم بجمع أكبر عدد من الخادمات الهاربات من كفلائهن ويتم تشغيلهن، لكن مدير مكتب العمل في الدمام سعد اليحيى يلفت الى ان «القانون يطالهن ومن شغّلهن». واللافت للنظر أن بعض المكاتب تتلقى اتصالات من الأشخاص الذين يقومون بتأجير العاملات، ومعظمهن كما يشير (أبو محمد) صاحب مكتب استقدام بالخبر «من السيدات اللواتي يكسبن كثيراً من هذه العملية ويسعين لتسويق عاملاتهن عبر الاتصال بنا للتعاون معهن، وبعض المكاتب تقوم بتوفير زبائن لهن». ويؤكد زميله على كلامه بالقول «حتى ان بعض المكاتب التي تتعاون مع مؤجري العمالة النسائية تأخذ عمولة على كل زبون، لصوص» ونظراً لقيام عدد لا بأس به من السيدات بعملية تأجير الخادمات على اعتبار أنها تجارة رابحة، فيعلن عن توفر خادمات بالإيجار حيثما استطعن. قال مدير مكتب العمل «وكذلك اللصوص يعتبرون اللصوصية تجارة رابحة، وبائعو الممنوعات أيضاً فلا عبرة بما يفعلن وموقف مكتب العمل هو تطبيق العقوبات متى ثبت ذلك، وينطبق الأمر نفسه في حال كانت الجهة التي تؤجر الخدم هي مكاتب الاستقدام» التي تنتهج هذه الطريقة لأسباب عديدة. وعند الإشارة لارتفاع أجور الخادمات الإندونيسيات حالياً بسبب ايقاف الاستقدام، ومدى التعاون مع مكتب الاستقدام لمحاربة ظاهرة تأجير الخدم أشار اليحيى الى انه «لم يسبق أن لمسنا من المكاتب شكوى بهذا الخصوص». واعتبر أن السبيل لمحاربة هذه الظاهرة هو «بتعاون الغيورين من المواطنين بالتبليغ عن مثل هذه الحالات».

تشير (ليلى)، عاملة إندونيسية، الى ان قريبة لها عملت سابقاً عند عائلة سعودية في الطائف، وعندما عادت الى المملكة استقدمتها عائلة في الدمام لكنها تعمدت أن تنفرهم منها، لأن سيدة سعودية التقتها في أحد المجمعات وعرضت عليها عملاً بأجرة تصل الى ضعفي راتبها الشهري، مما دفعها للهرب بعد أسابيع قليلة من وصولها. وقد عرضت هذه العاملة على ليلى أن تترك منزل كفيلها لتلتحق بالعمل معها «لكني أفضل البقاء مع العائلة التي أعمل لديها لأنهم يعاملونني بكل احترام ومحبة». ومن الأسرار التي تكشفها ليلى عن قريبتها أنها تضطر أحياناً للعمل لساعات طويلة «بينما أنا أنجز عملي وارتاح، ويبقى عليّ أن أهتم بالأطفال وهذا أمر عادي، بينما قريبتي تبقى طوال النهار في العمل ولا ترتاح». كما تنقل ليلى عن صديقة لها أنه بعد مرور أربعة أشهر على استقدامها الى الخبر، تشكو من وضعها غير المستقر لجهة اضطرارها لتغيير العائلة التي تعمل لديها بشكل شبه يومي، وهي لا تتقاضى إلا الراتب الأساسي فقط كغيرها من العاملات الثابتات، مع انها استقدمت بعقد للعمل لدى عائلة الكفيل.