سفير بريطانيا لدى السعودية يحب مناداته بـ«أبي هنري»

يشرب حليب الإبل ويهوى «البراري» ويعشق الأكلات الشعبية ويتقن العربية ويستخدم «العامية»

TT

يندر وجود شخصيات دبلوماسية تتناغم وتتداخل مع المجتمعات التي تقيم فيها ممثلة عن بلدانها، الا نادرا جدا.. لا سيما إذا كانت ممن تحمل لقبا «رفيع المستوى» نتيجة لجملة من الأسباب قد يكون عدم تفضيل تلك الشريحة الدبلوماسية الخوض مع العامة، والدخول في متاهات التعارف من بيئات وثقافات مختلفة عن بلدانها الأصلية، فيما يفضل آخرون عدم الاحتكاك المباشر والاستمتاع بما لدى الدولة التي يقطنها من إمكانيات مدنية أو طبيعية دون الدخول في علاقات مباشرة مع الطبقات الاجتماعية الأقل، والاكتفاء بالمهام الرسمية المناطة به. ويمثل شيرارد كوبر كولز سفير المملكة المتحدة لدى السعودية نموذجا مغايراً في هذا الصعيد، حيث يظهر حبه الشديد للاستمتاع بثقافة المجتمعات التي يبقى فيها دبلوماسيا لبلاده والتعايش معها والدخول في أعماقها، ساهم في ذلك انطلاقة حياته الدبلوماسية التي كانت من العاصمة المصرية القاهرة، وتعلم فيها العربية. يحب السفير البريطاني مناداته بكنيته «أبو هنري» أكبر أبنائه في ملمح جميل على التناغم مع البيئة العربية التي يفضل فيها الرجل العربي بمناداته باسم أكبر أبنائه التي تشير إلى كثير من الاحترام والتقدير عوضا عن ذكر اسمه الأول وهو الأمر الذي ينعدم تماما في المجتمعات الغربية حيث يستعيضونها بأي لقب محبب لديه قد يكون أحيانا مختصرا للاسم أو اسم دلع، وهو ما يدل على مدى الإدراك والوعي بالثقافة العربية التي يكتنزها كولز عن النفسية العربية ولعل ما ساعده على ذلك تخصصه العلمي الذي كان في حقل «الكلاسيكيات». يحكي دائما شيرارد قصصه ومغامراته هنا وهناك ويفضل أن يشرحها بطريقة رائعة تبدو فيها خفة الظل واستخدام العبارات المحبوبة، ما أدل على ذلك من استخدامه للمصطلحات والعبارات العامية فمثلا تضم حكايته في إحدى رحلاته البرية كلمات مثل «لبن الإبل» و«الإسهال» و«الصقر» و«البرّ» عندما كان يقولها باللغة الإنجليزية. الحديث عن الذكريات جزء مهم من شخصية السفير البريطاني في السعودية خاصة تلك التي تجمعه مع ضيوف كبار ومسؤولين أو دبلوماسيين بل وأحيانا مع رؤساء وأمراء كبار من بينها زياراته إلى مزرعة الأمير تركي الفيصل قرب مدينة الرياض وكذلك زياراته لمزرعة الأمير عبد العزيز بن فهد في حفر الباطن الذي أهداه مرة صقرا جميلا. يفضل كولز التفاعل مع النشاطات والأمسيات غير الرسمية التي يحضرها فهو راقص جيد للعرضة النجدية، ويحب الأكلات المحلية السعودية الشعبية التي يؤمن بأنها صحية جدا، وكذلك يحب الجلوس في الخيام وبيوت الشعر، مفيدا أنها الحياة الصحيحة التي لا بد للفرد أن يعيشها ويستمتع بها دون النظر لكونه دبلوماسيا ولأنها لا تسيء للأخلاق العامة أو تعارض توجهات بلاده التي يمثلها.

يقول أبو هنري أنه يهوى جمع الصور وحفظها لديه لأنها تمثل له تاريخيا ماضيا جميلا ويذهب أعمق من هذا إلى أنها تجارب حياتية يخوضها خلال حياته الدبلوماسية التي يؤمن أنها ليست فقط تلك الحياة التي تتسم بالجدية والحدة والدقة والرسميّة بل يؤمن أن حقيقتها هي التعرف على الحاجات الحقيقية، والنبض الواقعي بأسلوب راق ولطيف وهو الأمر الذي لا يحققه التقوقع داخل المكاتب والعزلة عن العالم.

ويمثل السفر إلى المناطق التي يقيم فيها دبلوماسيا لبلاده أمرا مهما حيث أفاد أنه بجانب الرحلات البرية العديدة كانت له زيارات مختلفة لمدن الدمام وعبر القطار ومدينة جدة وغيرها من المناطق تصحبه أحيانا مجموعة من العاملين في السفارة وأحيانا لوحده مع مجموعة من السعوديين. زار كولز العديد من الأماكن والمناطق في السعودية من أقربها إلى قلبه الصحارى الكبيرة التي تتمتع بها السعودية من بينها نفوذ نجد، ومدائن صالح، والمناطق البرية بقرب حفر الباطن. يحب كولز أن يتمثل طقوس وعادات البلد الذي يقيم فيه أحيانا حيث اقترح على صديقات ابنته لبس الحجاب الكامل خلال زيارتهن للسعودية أخيراً ملمحا إلى أن ذلك فيه احترام للشعوب وتقدير لمكانتها ودلالة من الضيوف على الاحترام الذي يكنونه للمضيفين، كما يشرب هو وابنه ميلز حليب «الخلفات» عند الخروج في رحلة برية. ويؤكد كولز إلى أن تلك المناشط كلها بما تحويه من حركة وديناميكية ومتعة لا تعطل مجرى العمل الدبلوماسي الذي هو هنا من أجله بل هي دافع حقيقي يسهم في تحقيق الأهداف المرجوة في العلاقات المشتركة ويدفع إلى مزيد من العطاء والجهد في الأعمال الموكلة إليه.