مسن يبحث عن فرصة عمل أخيرة عبر عروق النعناع

لتحقيق متطلبات الحياة اليومية

TT

«يتسع العمر لأكثر من تجربة ولكن الرزق بالكاد يتسع للعيال»، هذا حال أحمد الغزواني المقبل من قرية الحسينة التابعة لمحافظة صبيا بمنطقة جازان.

عمل هذا الرجل في القطاع الحكومي إلى أن تقاعد وبعد التقاعد اكتشف أن الحياة تحتاج إلى مزيد من الجهد لكي يسكت الأفواه التي تطلب اللقمة بالكثير من الكد ليخرج الأطفال في الصباح الباكر إلى مدارسهم وهم فرحون لا تنقصهم ريالات الفسحة ولا تنقصهم الأحلام ووعود الأب بما يريدون، فالطفل يرى أباه قادرا على تحقيق الأحلام. مزيد من الجهد والتعب والعرق لكي تبقى متطلبات الحياة في متناول اليد وأن كانت قصيرة ولكن ليس القصر مسألة نسبية لذا يريد من اليد القصيرة أن تستطيع تناول الضروري.

مزيد من الركض حتى تصبح الألف وخمسمائة ريال عمودا فقريا لجسد مهلهل لا يكاد يستقيم حتى يسقط ثم يعاود مرة أخرى حتى تحطم العمود وتبقى طاقة الحياة تستجمعه لكي يقف وان استحال ذلك عليه. البحث عن فرصة أخرى في العقد السادس من العمر قد يبدو صعباً كصعوبة الحياة نفسها عندما لا تستجيب لألف وخمسمائة ريال تجمعت من عرق السنين ومن جهد الشباب. فكر أحمد في الفرصة وأي فرصة تأتي في خريف العمر فلم يجد طريقة مناسبة للبدء من جديد غير عروق النعناع، هذه العروق العطرية التي تشبع الحواس بعطر الحياة التي تعبق في المكان لتجمع من يستعذب روائح العطر ويتتبعها علها تجمع ما شتته السنين وتقرب ما بعده التقاعد. هذه العروق يراها أحمد فرصته الأخيرة في الحياة يجمع من شذاها ومن خضرتها فرحاً لأسرته ووعوداً لأطفاله وعوناً لألف وخمسمائة ريال حتى تستقيم الحياة. وأحمد لا يمثل حالة جامدة تقف عند حدود شخصيته البسيطة فهو موجود في كل مكان وفي كل منطقة وفي كل مدينة وفي كل حي وفي كل قطاع قارب صغاره من الموظفين على التقاعد كلهم سيتحولون إلى العم أحمد عندما يكون مرتب التقاعد ألف وخمسمائة ريال حالة العم أحمد حالة ديناميكية تتكاثر بشكل مضطرد تبدأ كل يوم بالبحث عن رصيف يستقبلها وتزداد كل عام عندما يقيم الجهد بألف وخمسمائة ريال.

حالة تبدأ بالكفاف ليسلمها إلى الفقر تبدأ بالعمل لتتركه في خريف العمر إلى عمل آخر لا يعترف بقوانين القدرة على العمل والسن القانونية وغيرهما من القوانين، تجربة تنتهي وتجربة تبدأ حياة تنظمها القوانين إلى قانون ينظم الحياة قانون يقول بمنتهى الصراحة «عاود الركض من أجل العيال من أجل لقمة العيش من أجل التشبث بخط الفقر من أجل.. ومن أجل أن تعيش بألف وخمسمائة ريال».