سعودية تشكو غياب الأندية الرياضية وتسعى لنشر ثقافة الدفاع عن النفس

TT

بدأت رفيف بادغيش، 30 سنة، تعلم الكاراتيه في سن الخامسة عشرة في السعودية كنشاط ترفيهي، وتقول «توقفت حين وصلت إلى الحزام الأصفر للتركيز على الدراسة، وبعد مرور أعوام وأثناء دراستي في الخارج التحقت بالاتحاد الرياضي التابع للجامعة التي درست بها وشاركت في عدة رياضات من ضمنها التدريب على أسس الدفاع عن النفس وحاليا أتدرب تدريبات خاصة في الكاراتيه».

لم تكن الصعوبة التي واجهت رفيف في التدريب الفعلي كما تقول: «إنما كانت في التهيئة للتدريب حيث انه لا توجد نواد نسائية متخصصة في المملكة ولا مدربات مؤهلات أو مصرح لهن بالتدريب، وان وجد فعددهن قليل جداً ولا يستمررن اكثر من بضعة اشهر في تدريب أي مجموعة وهذا غير مناسب لمن أراد أن يحقق مستويات عالية، إذ يجب عليه الاستمرار في التدريب لفترة طويلة غير منقطعة». وتواصل: «بحثت طويلا لمدة سنتين تقريبا لإيجاد المكان المناسب والمدربة المؤهلة من دون جدوى، إلى أن توصلت لمدربتي الحالية عن طريق الـ(ووما) المنظمة العالمية لفنون القتال والتي يرأسها الدكتور علي العتيق المعروف بخبرته العالية في الفنون القتالية محلياً ودولياً». وتشير بادغيش الى أن «هذه المنظمة لديها فروع كثيرة ومتنوعة ومن ضمنها فرع نسائي متخصص في الدفاع عن النفس للمرأة، ويضم مجموعة من الأعضاء والمدربات ولكن للأسف معظمهن في الخارج ولهذا تسعى المنظمة لإنشاء نواد نسائية محلية متخصصة ويقوم بالتدريب فيها مدربات سعوديات"، لافتة الى أنها "الآن حصلت على عضوية هذا الفرع وتصريح للتدريب في المملكة بعد حصولي على الحزام البني وفي المستقبل القريب إن شاء الله ستمنحني المنظمة رخصة دولية أستطيع أن أدرب بها في أي بلد وأكون ممثلة للفرع النسائي لديهم محلياً».

دوافع رفيف لتعلم الفنون القتالية كانت متعددة أولها الدفاع عن النفس «أثناء دراستي في الخارج صادفت مواقف عديدة أثبتت لي أن الدفاع عن النفس من المهارات الضرورية أحياناً، بالإضافة إلى أنها رياضة شاملة ومفيدة للجسم سواء خارجه أو داخله وتريح البدن والروح في آن واحد» تقول بادغيش. وبعد الانتهاء من الدراسة والعودة الى المملكة فوجئت الصبية بسماع الكثير ورؤية العديد من المواقف المشابهة لما صادفته في الخارج «تأسفت لهذا الوضع ولذا قررت الاستمرار في تعلم الفنون القتالية». وامام هذا الوضع نشأت لدى رفيف الرغبة في تعليم هذه الفنون للغير «وجدت فيها فوائد صحية عديدة تناسب نساء مجتمعنا ومن أهمها بالنسبة لي تعويض نقص الحركة الذي نتعرض له يومياً، حيث ان حركتنا داخل البيت محدودة وخارجه تكون تنقلاتنا بالسيارة ولا يوجد مجال لتحريك الجسم بالشكل الصحي المناسب»، ومن الفوائد المهمة أيضا أن «ممارسة هذا النوع من الرياضات وسيلة ممتازة لتخفيف الوزن حيث تعتمد تدريباته على التنفس المنتظم الصحيح الذي من شأنه استهلاك كميات عالية من الدهون وهناك العديد من الفوائد الأخرى».

ولعل أكثر ما تغير في الصبية بعد اتقانها الاراتيه هو الهدوء الداخلي «ربما أكثر ما لاحظته هو زيادة الإحساس بالهدوء الداخلي والاطمئنان حيث ان ممارسة الكاراتيه أو القيام بأي نشاط رياضي عموماً، إنما هو تفريغ لشحنات من الطاقة قد تؤذي الإنسان إذا بقيت في داخله، وأيضا التعود على الصبر والالتزام والتركيز وبذل الجهد للوصول إلى نتائج إيجابية من المهارات المصاحبة للنشاط الرياضي».

لكن مشكلة غياب الأندية المتخصصة قد تقف عائقاً بوجه تطور رفيف، لذا تحاول ممارسة أنواع أخرى من الرياضة «ضمن الوسائل المحدودة المتاحة للمحافظة على مستوى اللياقة، فبالإضافة إلى تدريب الكاراتيه أمارس تمارين اللياقة العامة مرة أو مرتين في الأسبوع وأيضا السباحة، كما أحاول التعرف على أنواع الفنون الأخرى غير التي أمارسها وتجربة شيء منها إذا سمحت الفرصة». وأثناء السفر تبحث عن «أي دورات أو نواد متوفرة في البلد الذي أوجد فيه وألتحق بها ومنها في بريطانيا التحقت ذات مرة بناد للكونغ فو وتدربت فيه فترة على أسلوب الونغ تشن، ومرة أخرى أخذت دورة قصيرة في الشاولين كونغ فو وأسلوب التشي كونغ، وللأسف هذه الأمور غير متوفرة لنا هنا ويجب الاعتماد على المجهود الشخصي فقط للحصول عليها». وتكتفي الشابة السعودية بوسائل التقنية الحديثة «لأنها الطريق للاطلاع على ما هو جديد في عالم فنون القتال، إما بالبحث في الإنترنت أو التسجيل في المجلات والإصدارات الإلكترونية المتخصصة في هذا المجال».

وتختلف آراء المحيطين برفيف حول ممارستها للفنون القتالية «منهم من يعتبر الاهتمام بهذه الأمور مضيعة للوقت ولا فائدة منه، ومنهم من يتحمس جداً ويشجعني وحتى بعضهم يودون مشاركتي إذا سمحت لهم الفرصة، وعموماً اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ولكلّ قناعته الخاصة به. ويبقى الدعم الأسري هو الأكثر تشجيعاً. والداي واخوتي حفظهم الله ورعاهم أول المساندين لي في كل ما أقدم عليه».

تفكر رفيف في تعليم الفنون القتالية للفتيات وأول خطوة لتحقيق هذا الهدف برأيها هي «انضمامي لمنظمة (الووما) العالمية والتعاون معهم لنشر فكرة الدفاع عن النفس في الوسط النسائي وتوعيتهن بحقيقة فنون القتال ومنافعها وماهيتها التي تختلف تماما عما يظنه الكثير من أنها مجرد عنف وإيذاء كما يشاهدون في الأفلام». وهي تؤكد سعيها للمساهمة في «العمل على إنشاء نواد نسائية محلية متخصصة في الدفاع عن النفس تهتم بتدريب وتوعية أخواتنا بكل ما يستطعن فعله لحماية أنفسهن في مواقف الخطر، وأيضا تعليمهن كيفية الاهتمام بالصحة العامة وكيفية استخدام الرياضة للوقاية من أمراض عديدة هم في غنى عنها إذا اهتممن بصحتهن ولياقتهن البدنية والنفسية أيضاً، وكما يقال الوقاية خير من العلاج». تطلب العديد من الفتيات من رفيف تعليمهن الفنون القتالية وهي تقوم حالياً بتدريب مجموعة من الأطفال «لعدم وجود أماكن مخصصة يصعب علينا تكوين مجموعات كبيرة، ولكن هناك سعي وراء تحقيق هذا الأمر في أقرب وقت وسيتم الإعلان عنه في حينه».

وحول نظرة المجتمع لتعلم المرأة للفنون القتالية أم يعتبرها مسترجلة ترى رفيف أن «الأمر كان كذلك في السابق ولكن أخيرا لاحظت تغييراً إيجابياً من هذه الناحية، والأمر كله يرجع أساسا لمدى التوعية في أي مجتمع، وهذا ما نسعى لتحقيقه»، وأشارت الى السعي لإظهار «الفوائد البدنية والنفسية لهذه الرياضة وأيضا جمالها فهي بتسميتها فنونا فيها جمال في الأداء والحركة والموازنة كما الفنون الأخرى المختلفة، وليست معتمدة على القوة أو مظاهر الرجولة وهذه نظرة خاطئة أخذت عن فنون القتال وسنحاول تصحيحها».

وختمت بادغيش بالتأكيد على أن «المهم هو المثابرة والعمل على تحقيق الأهداف المرجوة، ونتعلم من تجاربنا ما نهيئ به الوسائل للأجيال التي تلينا لتكون فرصهم أفضل منا وما قد يكون مجرد حلم لنا اليوم سوف يستطيعون تحقيقه بعدنا غداً، فلنتعاون ونمهد لهم الطريق للأفضل».