مدير النشاط الطلابي: ما يقال عن المراكز كلام غير عاقل والحديث عن ضعف الرقابة مقلد

المراكز الصيفية تثير لغطا في المجتمع السعودي ومخاوف من تحولها إلى مفارخ للإرهاب

TT

تثير المراكز الصيفية في هذا الوقت من كل عام لغطاً كبيراً في الشارع السعودي، ليس بسبب الاعتراضات والانتقادات التي تواجه أنشطتها، ولكن نتيجة الغموض الذي يكتفنها، فهي مراكز لا تشاهد إلا في الصيف، وتستمر غالباً 6 أسابيع متواصلة، ومرتادوها فئة معينة من الشباب، لهم أفكارهم ونظراتهم الخاصة، ويشرف عليها مجموعة كبيرة من مدرسي المقررات الدينية والمهتمين بالنشاط الإسلامي، وهناك جو عام سائد يشير إلى عدم خضوعها لبرامج رقابية صارمة، وهو ما ترفضه وزارة التربية والتعليم بصفتها المشرفة على هذه المراكز، وتؤكد أن نشاطات هذه المراكز متنوعة ومكتوبة ومحددة بجدول زمني معلوم، كما تخضع مراكزها للرقابة الصارمة.

ويتهم المعرضون لهذه المراكز أنه بالرغم من أن الشباب يشكل نحو 60 في المائة من المقيدين في تلك المراكز، إلا أن نحو 40 في المائة منهم يمكن تصنيفهم تحت قائمة الأطفال، ممن لا يحملون فكراً واعيا، وبالتالي فهم مستمعون ومنفذون جيدون.

وتبدأ المراكز الصيفية عادة عملها في الساعة الرابعة عصراً بالتوقيت المحلي، وتنتهي بعد صلاة العشاء، حيث يقدم فيها المحاضرات والمسابقات الدينية، وتوزع داخلها الأشرطة والكتيبات الدينية يومياً على رواد هذه المراكز، وغالباً ما تأتي هذه البرامج على حساب برامج ترفيهية ورياضية كثيرة إن وجدت.

ويندر أن تجد في المراكز الصيفية شباباً من المتحررين أو ما يسمون (غير الملتزمين)، فهي محصورة على الفئة الملتزمة أو أطفال الآباء الملتزمون، الذين لهم الشكل والمضمون نفسه.

في صيف العام الماضي، كان هناك أكثر من 60 مركزاً صيفياً، يديره أشخاص أغلبهم من المتدينين. كما يدرج في أغلب المراكز الصيفية، برنامج آخر عبارة عن رحلة برية أو طلعة إستراحة، يمارس فيها الطلاب العديد من الممارسات التي قد لا يحتاجها الشاب أو هي من تخصص غيره، فبعض المراكز الصيفية التي سبق وأن نظمت رحلات، قام المشرفون فيها بتكليف عدد من الطلاب في كل يوم، لحراسة المركز، وتعليمهم أساليب وطرق لا تكاد ترى سوى في أفلام الأكشن، ما دع وزارة التربية والتعليم ـ المشرفة على هذه المراكز ـ العام الماضي إلى إلغاء جميع الرحلات التي تستمر لأكثر من يوم.

وتشرف وزارة التربية والتعليم إشرافاً مباشراً على هذه المراكز، حيث تعمد إلى تعيين مدير المركز الصيفي، ويأتي تحت إشرافه عدد من المشرفين من المتطوعين وطلاب جامعيين سبق لهم الانضمام لهذه المراكز، ويقسم المركز الصيفي إلى أسر، تتنافس في تقديم البرامج، وتسمى الأسر بأسماء الصحابة أو أسماء معارك انتصر فيها المسلمون.

عبدالرحمن طالب في المرحلة الثانوية، أحد الطلاب السعوديين ممن يملكون تجربة في الدخول لعالم المراكز الصيفية، يحكي تجربته قائلاً: توجهت العام الماضي لأحد المراكز الصيفية الكبرى في مدينة الرياض، والذي يعتبر الأقرب لمسكني، دخلته ورأيت شابين يلعبان «تنس الطاولة» بالزي السعودي الرسمي، وكأنهم في مناسبة اجتماعية!.

وأضاف: حاولت أن أفهم لماذا يلعبان هكذا؟ ولكنني لم أفهم مطلقاً، ربما لأن الطلاب أنفسهم لا يفضلون لبس البدل الرياضية لأسباب أجهلها أنا وقد يعرفها مشرفيهم، وليس هذا فحسب، بل شاهدت الكثير من التناقضات داخل المركز، فهناك الكثير من المتطوعين يديرون أقساماً في المركز، بينما أحد المسؤولين ينفي ذلك تماماً في إحدى الصحف المحلية.

وعن طبيعة ما يقدم في المركز، يقول عبد الرحمن أن «هناك عدد من البرامج المقدمة، تصب جميعها في مجال الدين، ولو بشكل غير مباشر، ويتم توظيف كل شيء في خدمة الدين، مشيراً إلى عدم وجود كثافة في البرامج التي تعنى بالوطن والوطنية وترسيخ أفكارها، في ظل الهجوم الشرس الذي تتعرض له بلادنا مناطق ومؤسسات كثيرة».

وفي سياق متصل، يقول يزيد التركي، أحد الشباب المهتمين بالمراكز الصيفية، انها نشاط عالمي شهير، يتجه له الكثير من الطلاب في أنحاء العالم، والفرق هنا، أنه كان في اتجاه منذ البدء نحو أدلجة الفكرة وتحويلها لاتجاه معين، وبسؤاله عن سبب اقتصار دخول هذه المراكز على فئة معينة، ذكر بأن القائمين على المراكز الصيفية أشخاص أصحاب تأثير ديني، ويؤمنون بالإسلام كبوّابة للحضارة أو القاعدة التي تقوم عليها هذهِ الحضارة، رغم أن الإسلام هو مجرد أسلوب يُرّشح هذهِ الحضارة لترضي الله، وطبعاً الشباب الملتزمين متجهين إلى معاملة الإسلام كأيدلوجية مطلقة، بالشكل الذي يؤمن به أرباب المراكز الصيفية، وغالبية البرامج دينية صَرِفة، تدور وتلتف حول الدين فقط، ولا شيء آخر غيره، ولذلك من الطبيعي توجه الملتزمين فقط للانخراط فيها.

ويعيد التركي أسباب عزوفه عن الانضمام لهذه المراكز، بقوله: أن الصيف فترة هادئة وليس فترة مشبعة بالقلق الناتج عن المراكز ومشاكلها، وكثرة الالتزامات الناشيءة بسببها، والذي يخالف بطبيعة الحال ما أؤمن به، وكذلك فإن برامج المراكز موغلة في الحشو الفارغ الممل، والكثير من المواعظ الجوفاء التي تحتاج إلى الكثير من التنقيح والنظر، مضيفاً أنه «عرض علي أكثر من مرة دخول أحد المراكز الصيفية، ولظروف السفر اعتذرت، وكذلك لعدم الرغبة الشخصية، وبعد إطلاعي على برامجها تضاعفت رغبتي بالرفض، لأن البرنامج يخدم فِكر فئة معينة وتوجهاتها، ولا يضيف جديداً في رأيي».

وذكر التركي بأنه ينبغي على المراكز الصيفية، إن أرادت استقطاب جميع الشباب أن تنوع برامجها، وتقسم فتراتها، وأن تعمل جاهدة على إيجاد وقت لمختلف النشاطات، والأهم إلغاء فكرة أدلجة الشباب، طبقاً لما يريد المشرفون، بل وتغيير بعض المشرفين وتنويع طبقاتهم الفكرية، إضافة إلى توفير مباني ومراكز مؤهلة، لاستقبال المنتسبين للمراكز، عِوضاً عن استغلال المدارس الثانوية والمتوسطة، والتي ما جُعلت مبانيها إلا للدراسة، والمفترض أن يختلف المركز الصيفي جذرياً عن المدرسة، من ناحية النشاطات والموقع، لأجل تبديل الجو كلياً على الطالب وكسر الروتين الدراسي الممل.

من جانبه علّق عبدالله بن بجاد، كاتب وخبير في شؤون الجماعات الإسلامية: بأن النشاطات اللاصفية في كل العالم نشاطات ضرورية للطلاب، لأنها تكشف خبراتهم ومواهبهم، وتخرجهم من جو الدراسة الأكاديمي الجاد، وتدخلهم أجواء ترفيهية جميلة، مضيفاً أن التجربة السعودية في مجال النشاطات اللاصفية، تكمن في أن المراكز الصيفية مسيطر عليها من قبل حركات الإسلام السياسي، وبشكل قوي، والتي تركز على موضوع التربية، فالبعد التربوي حاضر في هذه الحركات، سواء في الجامعات والمدارس، معتبراً أن نشاطات المقدم في المراكز، امتداد لما يقدم في المدارس من نشاط ديني أو ما يسمى جمعية التوعية الإسلامية وما شابهها.

وأضاف ابن بجاد، أن حركات الإسلامي السياسي وضعت يدها على جميع هذه النشاطات في المملكة، ففي السابق كانت هناك نشاطات عادية يقوم بها مدرسون ليس لهم أي أهداف سياسية، ولكن بعد ظهور الإسلام السياسي بدأت ظاهرة أدلجة هذه الأنشطة تنتشر بسرعة، مؤكداً أن هناك تنافسا بين تيارات الإسلام السياسي من خلال هذه المراكز، خاصة بين تيار الأخوان المسلمين وتيار السروريه، ومن خلال هذه المراكز بدأ استقطاب الأفراد والأتباع، ليتم تجنيدهم في التنظيم، حتى من دون علمهم، فهناك الكثير من الأشخاص لا يعلم أنه مجند في التنظيم، وهو مجند عملياً، ويعتقد أنها مجرد دعوة إسلامية ورفقة صالحة.

وحول ما تخرجه المراكز من أفكار لمرتاديها قال عبد الله بجاد: أنها لا تخرج إرهابيين بشكل مباشر، ولكن بعض ما يطرح فيها من أفكار، تهيئ الجو لخروج إرهابيين، ولكن ليست كتلوج، حيث بمجرد دخول الشخص المركز يصبح إرهابياً، لكن الأفكار التي تطرحها المراكز الصيفية، تعد أفكاراً حركية حزبية، منها العزلة الشعورية عن المجتمع وأفكار مثل الحاكمية والإعداد وغيرها من الأفكار التي تحشى في فكر الطالب الصغير بشكل منظم.

وأضاف، أن الأمر الآخر يكمن في الأناشيد الإسلامية المليئة بالدعوة والجهاد والتطرف والحماس التي يصاحبها، والتركيز على مآسي المسلمين ووجوب نصرتهم، فهذه الأشياء تمنح التلميذ الصغير أرضية لتجنيده بسهوله.

وعن استفادة الجماعات من المراكز الصيفية علق ابن بجاد قائلاً: أن «الرسالة الشهيرة التي أرسلها عيسى العوشن، أحد أهم أعضاء تنظيم القاعدة، والتي وجهها خصيصاً للمراكز الصيفية وطلابها، مثال على هذه الاستفادة». معتبراً أن «المراكز الصيفية لن تفيد معها الحلول الجذرية، لأنه لابد من حل العملية التربوية من الأساس، وبيروقراطية الوزارة ساهمت في وجود هذه الجماعات، فهي جماعات حركية حزبية لا تستطيع الوزارة ببيروقراطيتها أن تقف في وجهها«.

من جانبه يؤكد ثنيان النويعم مدير عام النشاط الطلاب في إدارة التعليم بالرياض، أنه يوجد هذا العام 62 مركزاً صيفياً فقط في مدينة الرياض. وبسؤاله عن ضعف الرقابة على هذه المراكز قال: «الرقابة موجود ومهمه, ومن يقول هكذا كلام هو مقلد ولا يفقه في المراكز، فنحن جهاز في الدولة يعمل وفق انظمة مرتبة ومنظمة ومتقنة». مستشهدا على ذلك بإغلاق مركزين صيفين العام الماضي، إذ قال ان «الرقابة أكتشفت نقص عدد المسجلين في هذه المراكز عن العدد المطلوب وهو 80 طالب بحد أدنى، ولهذا أغلق المركزين وفتحت بديل لهما في أماكن أخرى».

وأكد النويعم أن «آليات المراكز توضع بشكل مرتب ومعد من وقت سابق، وهذه هي طبيعة العمل، وما يقال عن المراكز الصيفية هو كلام غير عاقل«. مشددا على أن «النشاطات التي ينشدها الشباب في المراكز متنوعة ومكتوبة ولها جدول زمني باليوم والتاريخ والوقت، وتشمل برامج ثقافية وتوعوية». متهما من يقول غير هذا بأنه «لم يدخل المراكز الصيفية».