خالد زيني لـ«الشرق الأوسط»: لا بد من إنشاء هيئة عامة لمراقبة المشاريع التجارية

لحماية المواطنين من «الابتزاز» وضياع المدخرات

TT

طالب رجل الأعمال خالد زيني، احد رموز التجارة في السعودية، وعضو مجلس الادارة في شركة ابار وزيني، بإنشاء هيئة مؤلفة من مسؤولين حكوميين وخبراء من القطاع الخاص، لمراقبة المشاريع الجديدة ومدى قانونيتها لضمان حقوق المواطنين. وكشف عن بدايات عائلته مع التجارة قبل نحو 50 عاما، بدكان صغير في مكة، كما دعا الى الشفافية والمرونة في الاجراءات القانونية لدعم الاستثمار الأجنبي في السعودي. كذلك استعرض زيني تجربته في التجارة، داعيا الشباب السعوديين لعدم الاستعجال في تحقيق طموحاتهم والالتفاف للنجاح في العمل، وعدم المغامرة من قِبل المستثمرين الصغار في دخول أسواق ضخمة من دون دراسة لحالة السوق أو الانجراف وراء وعود أو مساهمات وهمية.. وفي ما يلي نص الحوار:

* كيف كانت بدايتكم في عالم التجارة؟

ـ بدأنا بدكان صغير في شارع الملك فيصل في مكة المكرمة، ثم في شارع اليوسفي في جدة في الخاسكية. كانت تجارة محدودة في المواد الغذائية والكيروسين، الذي كان يستخدم آنذاك في الإضاءة والاعمال المنزلية.

ثم عملت شركة ابار وزيني في استيراد عصير منقة التاورو من كوبا، مع نهاية الخمسينات الميلادية وحتى منتصف الثمانينات بمنافسة من شركات اخرى ليست قوية، ثم دخلت صناعة العصير في نقلة صناعية متقدمة، حيث جاءت الى الاسواق اصناف متعددة من العصيرات المختلفة سهلة الفتح، ومن دول مختلفة منها اليابان وتايلاند، الذي جعل شركة ابار وزيني تتجه الى قنوات اخرى من التجارة، منها استيراد وتصنيع المواد الغذائية ومشاريع صناعية مختلفة واخرى مشتركة مع شركات في البتروكيماويات وخدمات مختلفة، وتعمل في الملاحة وتمتلك سفن لنقل البضائع حول العالم تحمل العلم السعودي.

* هل ما زالت السعودية بلد الفرص التجارية؟

ـ السعودية كانت وما زالت وان شاء الله ستبقى للابد، كما هي بلاد القبلة الاسلامية، هي كذلك اماكن للخير والرزق والتجارة، والفرص التجارية. والسعودية تتمتع بوضع اقتصادي مميز، حيث تمتلك اكبر مخزون احتياطي من النفط واكبر منتج له، واسعار النفط الحمد لله ممتازة، والدولة تعمل على تنويع موارد للدخل، في القطاع الصناعي مثلا، وتنمية الصادرات غير النفطية.

* ما رأيك في المشاريع الوهمية التي نسمع عنها من وقت لآخر مثل المساهمات ببطاقات سوا، ولحوم المراعي، والبندقية؟

ـ تقع مسؤولية حماية المواطنين من تلاعب المحتالين في الاستثمارات الوهمية على عاتق الدولة، المفروض لا يوجد مشروع إلا وله ما يثبت صحته ومصداقيته من قِبل الجهات الرسمية، فإذا تقدم مستثمر بمشروع استثماري، واثبت صحة وشرعية عمله، فلن يكون هناك خوف على المستثمرين، ويفضل أن تنشيء الدولة هيئة خاصة من موظفي الدولة وبعض رجال الأعمال، للاشراف على المشاريع الاستثمارية الخاصة بالعقار، حتى لا يستغل المواطن وتضيع مدخراته وأمواله التي جمعها منذ زمن في مشاريع استثمارية «ابتزازية» لتلك الأموال، حيث تخبط المواطن في عدة مشاريع مثل مشاريع الاجهوري والمراعي وسوا والبندقية والفجر.

يجب أن تتم حماية المواطن من هذه المشاريع الوهمية وما شابهها بواسطة هيئة تتابع وتصرح لأصحاب تلك المشاريع، وتعطي الإذن لهم بعد التأكد من تملك الأرض والحصول على ترخيص البلدية وفتح حساب في البنك، بحيث لا يستطيع صاحب المشروع التصرف في أموال المشروع لوحده واستغلالها في مشاريعه الخاصة.

أما المشاريع التي تتم في الخفاء، فتتم مراقبتها عن طريق البنوك، بحيث تتم مراقبة حسابات الأشخاص التي يتم ايداع ملايين الريالات فيها ومعرفة مصادرها وفي ماذا تستخدم وايقاف تلك المشاريع.

إن وجود الهيئة يعطي الثقة للمواطن ولصاحب المشروع بحيث تكون تلك المشاريع لها جدوى ومصداقية، وبالتالي تحمي المواطن أولا وأخيرا.

* ما رأيك في الاستثمار الاجنبي؟

ـ السعودية قادرة على ان تستقطب رؤوس اموال اجنبية، فنحن في عصر العولمة والعالم اصبح قرية صغيرة، والتجارة ليست لها حدود، وكلمة تجارة فيها ايحاء بالتبادل التجاري بين الدول.

والسعودية تمثل محطة جذب للمستثمر الاجنبي لما تتمتع به من اقتصاد متين وثقة وأمن واستقرار، وهي امور تهم المستثمر في الدرجة الاولى. وهناك مصانع قادمة وبنوك وشركات عملاقة، وسوف تزدهر التجارة ويقوى اقتصاد البلاد وتنافس في اقتصادها كبرى دول العالم.

لكن هناك حقيقة لا بد من معرفتها وعدم تجاهلها، فالمستثمر الاجنبي لا يحب ان يدير استثماراته في مناخ مليء بالاجراءات المطولة والمعقدة، فكما انه يريد الحماية من الناحية القانونية، هو كذلك في حاجة ان يتعامل مع الانظمة التي تتسم بالمرونة بعيدا عن الاجراءات الطويلة ذات النفس الطويل. المستثمرون من الخارج يهمهم من الدرجة الاولى توفير عامل الزمن وتسهيل الاجراءات، فهناك بعض الدول تعطي المستثمر فرصة الدخول لبلادها وللاستثمار خلال ايام تعد على اصابع اليد الواحدة، وهي بذلك تكسبه كمستثمر، وهي تعلم انها لو عقدت اجراءاته وأطالت في مدتها، صرفته الى بلاد اخرى.

والمستثمر لا يرتاح للاجراءات الطويلة التي تستمر شهورا، ويعتبر ذلك من الامور التي تعيق استثماراته. ويترسخ في ذهنه انه اذا بدأ مشروعه بهذه الاجراءات المطولة، فربما صيغ الاجراءات المطولة تكون عائقا امام تسويق منتجاته.

* هل المصانع المحلية مستعدة لمنافسة المصانع القادمة التي تعتبر عملاقة وقديمة وتعمل بطاقات انتاجية كبيرة؟

ـ المصانع الاجنبية اذا جاءت، فسوف تأتي بعمالها معها، وسوف تأتي كذلك بأجهزتها، والمتوقع ان تأتي المصانع بحجم انتاجي كبير وحجم تسويقي واسع، وبالتالي ستكون السلع باسعار رخيصة، ما يعني منافسة كبيرة مع المنتجات المحلية. والمصانع المحلية آخذة في الاستعداد ومقدرة حجم المنافسة، فتراها بدأت في تحسين اوضاعها ومنتجاتها، وهي وإن كانت حديثة التكوين، فعمرها الزمني لا يكاد يتجاوز الثلاثنين عاما، إلا انها مشرفة على تنافس ستجد فيه طريقها ان شاء الله للنجاح.

* وهل ممكن ان تنسحب بعض المصانع السعودية لعدم قدرتها على المنافسة؟

ـ الانسحاب وارد دائما، فالمصانع التي تواجه صعوبات مالية وادارية او نحو ذلك، قد تغير خطة انتاجها او قد تنسحب، لكن الذي يتوقع ان يحدث مع انضمأمنا لمنظمة التجارة العالمية، ودخول مصانع كبيرة ومنافسة للسعودية، هو عملية دمج بعض المصانع السعودية مع بعضها، لتكون اكثر انتاجية وقوة، وفي ذلك مواجهة لتحدي الاسعار وكسب منافذ التسويق في منطقة الخليج، والاسواق العربية الاخرى.

المصانع التي قامت في السعودية ليست عشوائية، قامت على دراسة وخطط انتاجية ومستقبلية. ولو تلاحظ ان بعض المصانع انشيءت لتغطي الاسواق المحلية، لكن في حقيقة خططها التنموية نسبة نمو سنوي لانتاجها وتحسين وتطوير لمصانعها حتى تصل الى المستوى الذي يكون لها فيه اسواق اضافية غير السوق السعودية، بل ان بعض المصانع تكبر وتفتح لها فروعا في دول عربية اخرى. لا تنسى ان بعض المصانع لديها ادارات قوية وذات كفاءات عالية قادرة على ان توجه تلك المصانع للافضل والعوامل الاقتصادية في البلد بصفة عامة قوية والدولة محفزة للمصانع الوطنية.

* كيف يقوم نجاح المصنع اذن؟

ـ نجاح اي مصنع يقوم على قوة المصنع في التسويق وطريقة التوزيع، وكيف يصل المنتج الى المستهلك. وهي دراسات تقام عند انشاء المصنع وتستمر في دراسة السوق مع استمرارية بقاء انتاجية المصنع، لان التسويق يعني بقاء وقدرة انتاج المصنع.

* ما رأيك في الاستثمار في الاسهم؟

ـ فرص الاستثمار في السعودية حصرها المستثمر في العقار والاسهم، مع العلم ان هناك مجالات صناعية قوية وبالامكان الاستثمار فيها، وهي قادرة ان تضفي الكثير الى الناتج المحلي للبلد والى اقتصاد البلد، وقادرة كذلك على امتصاص السيولة المتوفرة في البنوك على شكل ودائع، التي قدرت بأكثر من 500 مليار ريال سعودي (133مليار دولار اميركي).

الذي استغربه في سوق الاسهم هو ان يدخلها المستثمر وهو ليس على معرفة كاملة بالسوق، وليس من المعقول ان يبيع المستثمر منزله او ارضه وهو كل ما يملك، لكي يدخل سوق الاسهم!.. فكيف يكون وضعه اذا خسر؟. فهناك فرق بين ان تستثمر بمبلغ تملكه من دون ان تبيع املاكك لكي تعمل في سوق لا تعرفها كثيرا، وهي سوق الاسهم، وبين ان تبيع املاكك وتستثمر فيها، فالخسارة في الحالتين مختلفة، خسارة ممكن تعويضها، وخسارة قد يصعب تعويضها.

سوق الاسهم ليست سوقا سهلا، فهي تتعرض وباستمرار، لهزات تراجعية عنيفة قد يتعرض فيها المستثمر الصغير لخسارة فادحة، والسوق معرضة للشائعات. والمستثمر الصغير سرعان ما يستسلم لأي تغيير على سعر اسهمه ويستعجل ويبيع، في حين لو انتظر فربما يتجنب الخسارة.

المضارب على سهم شركة ما، المفروض ان يراجع اداء الشركة، ويعرف نتائجها المالية وقدراتها في السوق بدلا من تتبع مضاربي السوق.

ونأمل من هيئة سوق المال، توعية وحماية المستثمرين في سوق الاسهم، خاصة ان بعض اصحاب المحافظ الكبيرة لديهم القدرة على تضليل صغار المستثمرين في سوق الاسهم.

* ما هي رؤيتك للتغلب على هموم البطالة في المجتمع السعودي؟

ـ من اهم السبل للحد من مشكلة البطالة وايجاد فرص مناسبة للشباب، هو ان نوجد قناة تعاون فعالة بين المؤسسات الخاصة والأجهزة الحكومية. والقطاع الخاص الذي اصبح مطالبا بإحلال ما نسبته 35 في المائة من الموظفين السعوديين، وباستمرارية زيادة 5 في المائة كل عام، سيصل حتما الى النسبة التي لا يستطيع بعدها احتواء الشباب العاطل، فالقطاع الخاص بشركاته ومصانعه لن يكون بحجم القطاع الحكومي الذي هو قادر ان يجد فرصا اكبر لاستيعاب اعداد اكبر من المواطنين بالقطاع الخاص، وعلى الدولة خلق وظائف لأبناء الوطن.

* يتهم القطاع الخاص الشباب السعودي بأنه كسول ولا يؤدي عمله مثل الاجنبي؟

ـ هذا تماما غير صحيح، لكن الشباب السعودي يستعجل في كل شيء، يريد احدهم ان يصل الى مركز عال في عمله، يريد مرتب عاليا، وهكذا طموحات شبابية.

الموظف الجديد ليس في حاجة ان يحسن دخله فحسب، بل كذلك ان يتعلم ويتدرب من خلال عمله. لا شيء يمكن تحقيقه في التنقل من عمل الى عمل، ومن وظيفة الى اخرى، كما دأب على ذلك بعض الشباب. فإذا صبر الشاب على العمل الذي اعطاه الله، يصبر ويثبت عليه ولا يغيره حتى يتعلم ويتمكن من اداء عمله على احسن صورة وافضل وجه، عندها يكون من المفترض على صاحب العمل ان يحسّن دخله ويعطيه ثقة اكبر على ادائه وكفاءته، حتى يكون اهلا لان يساهم في بناء المنشأة التي يعمل فيها، ويكون كأنه صاحب المنشأة وليس موظفا فيها، هكذا يبني الشباب مستقبلهم بالثبات والصبر والتعلم والتدريب على رأس العمل.