«القاعدة» تشيع أخبارا كاذبة عن وفاة بعض كوادرها للهروب من الرقابة

بدايات القتلى كانت حادث سير

TT

اتفقت آراء المتابعين لتنظيم القاعدة بدرجات متفاوتة أن التنظيم الإرهابي أدرك أهمية استخدام الإعلام في معركته منذ وقت مبكر خلافا لحركات متشددة أخرى بما فيها المؤسسة الفكرية التي ينطلق من أدبياتها والتي تحرم التلفزيون والتصوير والتعامل مع وسائل الإعلام.

ولجأت القاعدة إلى الإفادة من ظهور الإنترنت في المجتمعات العربية لتضمها إلى روافدها الإعلامية التي منها فضائية إخبارية عربية مشهورة تعرض من فترة لأخرى التسجيلات الصوتية والمرئية والبيانات الخاصة بقيادات التنظيم القتالية والفكرية بداية بأسامة بن لادن وانتهاء بأبي محمد المقدسي.

أما التكتيك الجديد الذي عمد إليه التنظيم الإرهابي محاولة تضليل الجهات الأمنية في الدول التي حركت فيها القاعدة موجات من الإرهاب المنظم وغير المنظم، حيث أدى فشل مخططات التنظيم في بعض الدول العربية إلى اللجوء إلى إعلان مقتل المنضوين تحت لوائه في أماكن متفرقة من العالم، على الرغم من عدم صحتها.

وتعود بداية هذه المحاولات إلى اعتماد منهج بعيد عن الإعلانات الحالية التي تنشر في منتديات الإنترنت المتطرفة والتي يكتب فيها عدد من المنتمين إلى تنظيم القاعدة، حيث ثبت في السعودية من خلال إعلان لوزارة الداخلية أنها تمكنت من القبض على عدد من الذين كانوا يكتبون في منتديات متطرفة بأسماء مستعارة ولعل اشهر الكتاب (أبو جندل الازدي) و(الأثري) الذي ثبت فيما بعد بأنه المطلوب فارس آل شويل الزهراني إضافة إلى آخر عرف باسم (اخو من طاع الله) الذي قبض عليه لانتمائه للإرهابيين في السعودية وهو عبد العزيز العنزي الذي كتب أيضا تحت اسمين مستعارين آخرين هما (فرحان بن مشهور الرويلي) و(عبد الله بن ناصر الرشيد).

وبالعودة إلى الأسلوب السابق فقد ركزت القاعدة على إيهام ذوي المطلوبين بأنهم قتلوا بطرق عرضية، حيث ابلغ ذوو جبران حكمي المطلوب على قائمة الـ19 التي أعلنتها الرياض في السابع من مايو (أيار) 2003 أنه قتل في حادث سير في المنطقة الشرقية ما دعا والد المطلوب إلى إصدار شهادة وفاة ليعلن بعد عام من ذلك أنه من المطلوبين على قائمة الإرهابيين الجديدة. آخرون اخبر ذووهم أنهم قتلوا في المعارك الدائرة في أفغانستان الأمر الذي ترتب عليه أن زوجاتهم تحولن لأرامل وتزوجن لاحقا كما أن أبناءهم عاشوا حالة من اليتم ليتضح لاحقا أن هؤلاء لم يقتلوا وإنما عادوا إلى بلدانهم بطرق غير شرعية وبدأوا في ممارسة أعمال إرهابية.

وتحاول القاعدة في الفترة الأخيرة مواصلة مسلسل التضليل الموجهه بالدرجة الأولى إلى الجهات الأمنية، حيث ان المطلوب عبد الله الرشود المدرج على قائمة الـ26 وعضو اللجنة الشرعية انقطعت أخباره منذ السابع من يوليو (تموز)2004 ليبدأ العاملون في المجال الإعلامي في التنظيم الإرهابي ببث بعض المعلومات حول مصيره حيث أشير إلى أنه موجود في جنوب السعودية ثم قيل انه تمكن من الفرار إلى اليمن ثم عادوا وبينوا أنه لا يزال في داخل البلاد وبقي مصير الرشود مجهولا حتى أعلن زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي في بيان نشره على الإنترنت في الثالث والعشرين من يونيو (حزيران)2005 أن الرشود قتل في معارك القائم قبل نحو شهر من إعلان مقتله في حين أكدت مصادر أمنية وقتها لـ »الشرق الأوسط« أن إعلان مقتل الرشود يأتي لتبييض سمعة الإرهابيين من تصفية الرشود بعد الاختلاف معه..

من جهتها أوضحت مصادر أمنية أن إعلانات الإرهابيين عن القتلى في العراق أو غيره لن تثني الأجهزة الأمنية من مواصلة البحث عن المطلوبين مبينة أن كف البحث لا يتم إلا بعد التأكد الدقيق من خلال قرائن تفيد مقتله أو توفر معلومات مؤكدة في هذا السياق.

وأشارت إلى أن أشخاصا تم الإعلان عن مقتلهم تبين لاحقا من ذويهم أنهم لا يزالون أحياء ومنهم أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الشايع الذي يعالج في العراق بعد حروق اصابته اثر تغرير الإرهابيون به حين أبلغوه أن يوصل صهريجا محملا بمشتقات نفطية إلى مقربة من السفارة الأردنية ليتولى آخر تسلم الصهريج منه، الأمر الذي لم يحدث حيث تم تفجير الصهريج عن بعد. من جهته يرى المتابع لشؤون الجماعات الإرهابية محمد علي المحمود أن جزءا من نشر أسماء القتلى السعوديين أو غيرهم في العراق الهدف منه الترويج لفكرة الذهاب إلى العراق إضافة إلى محاولة تضليل الجهات الأمنية.

ويضيف أن أولويات القاعدة في العراق تغيرت فهناك قناعة متجذرة في فكر السلفية الجهادية أن خروج الأميركي المحتل مسألة وقت لكن الهدف المهم حاليا من يحكم العراق ومن يستحق العيش فيه ولهذا يحاولون في الوقت الحالي جره إلى حرب طائفية ستسهل عليهم تحويله أو جزء منه إلى بيئة خصبة تمكن من تنمية الإرهاب على المستوى التنظيمي والفكري.

وحول إمكانية عودة المقاتلين الأجانب في العراق إلى بلدانهم يلفت المحمود إلى أنهم سيكونون خلايا وأفرادا نائمين لمدد زمنية قد تصل إلى عشرة أعوام، لكن توفر ظرف داخلي أو خارجي سيحركها لتظهر موجة أخرى من الإرهاب مثلما حدث مع العائدين من أفغانستان عندما شنت الولايات المتحدة الحرب على أفغانستان والعراق، إضافة إلى أن العائدين في الأساس خرجوا بدافع فكرة ترسخت في ذهنياتهم جعلتهم يبذلون نفوسهم وأموالهم لتحقيقها وبعد القتال في الأرض المقصودة يكونون قد طبعوا على العسكرة والقتال اللذين يلازمانهم.