إفشاء السلام طريق للأسئلة الفضولية وظاهرة تقلق الباحثين الاجتماعيين

TT

أن تلقى شخصا بشوشا أمامك لا تعرفه وهو مار بك ومن ثم يلقي بتحية السلام عليك لتصادفه بالشكوك وتتساءل: «هل يعرفني؟ ولماذا سلم علي؟ وما الذي يريده؟»، أمر أصبح مثيرا للجدل والقلق لدى عدد من الباحثين الاجتماعيين، الذين أظهروا قلقهم من انقطاع ظاهرة تفشي السلام، رغم أن الأديان حبذته وأكدته عادات وتقاليد المجتمع المتوارثة.

والباحث الاجتماعي محمد المبارك، الذي أبدى قلقه حيالها، يقول: «هذه الظاهرة أصبحت شبه معدومة حاليا، خاصة عند أبناء هذا الجيل الجديد من الشبان والشابات»، ويتابع: «فالشخص يلقي بتحية السلام فقط على من يعرفه جيدا، بينما تجده متجهم الوجه وعابسا عند دخوله لأي مكان عام ولا يحاول أن يكون بشوشا أو حتى يلقي بالسلام على الجميع، وهذا ما استغربه كثيرا». ويرى المبارك أن ذلك لم يتفق مع ما نادت به الشريعة الإسلامية، التي أساسها السلام، ويقول: «إفشاء السلام يُعد السبيل الأفضل لتنتشر المحبة والإخاء والتعاون بين أفراد المجتمع الواحد». عبير محمد، من بنات الجيل الحالي، كما تصف نفسها، تطرح فلسفتها لهذه الظاهرة قائلة: «جميعنا نعلم أهمية هذه العادة، لكن ذلك كان قديما كما اعتقد وليس في وقتنا الحالي الذي نعيشه»، وتابعت تقول: «عن نفسي كثيرا ما أشاهد عددا من الصديقات القديمات بين أروقة الجامعة، لكني بصراحة أتجاهلهن عمدا، لأني أعلم أني إذا ما سلمت على إحداهن فسأدخل في تحقيق واستفسارات لا نهاية لها عن مجمل حياتي، وهذا ما يضايقني». وتتفق معها زميلتها مي السعد، التي تجد الأمر يتجاوز التحقيق والأسئلة الفضولية إلى تلفيق أكاذيب ونشر اشاعات لا داعي لها، وكما تقول: «ليس لديهن سوى القيل والقال، وهذا كله يحصل فقط إذا ما قمنا بإلقاء تحية السلام»، وتتابع: «اعتقد أن السلام ليس أمرا واجبا كي أقوم به». وترجع المعلمة نورة القاسم، تجاهلها السلام على الأشخاص لسبب نفسي لديها، وكما تقول: «رغم أني معلمة وأقابل العديد من الطالبات يوميا، إلا أني أشعر بالخجل الشديد عند مصادفة إحدى الصديقات والسلام عليها»، فذلك يكلفها طاقة نفسية هائلة تخوضها مع التوتر، ولهذا تعمد إلى تجنب إلقاء تحيتها على من تعرفهن ومن لا تعرفهن، لكن ذلك كما تقول: «جعل من لا يعرفني يعتقد أني مغرورة ومتكبرة».على عكس سابقاتها كانت هدى العبد الكريم، وهي أم وربة بيت، وهي كما تصف نفسها لا تبخل ابدا بإلقاء تحية السلام على الآخرين، وكما تقول: «أسلم على من أعرف و من لا أعرف»، وتشير إلى أنها تجد أحيانا نفورا من بعضهن من لا تعرفهن وكما تقول: «وكأني لا أسلم عليهن، إنما أشتمهن»، لكن هدى على عكس زوجها الذي يتحاشى السلام على جيرانه وأصدقائه وحتى معارفه، لأنه كما تقول: «يخاف من دعوتهم لوليمة في المنزل!»، وتضيف ضاحكة: "فهو بخيل نوعا ما». فيما يرى عبد العزيز إبراهيم، موظف بنك، أن ظاهرة افشاء السلام اختفت بسبب ضيق الوقت وسرعة الحياة، وهو يتهرب منها لأنه كما يقول: «تزعجني الاستفسارات حول الأسهم البنكية». أما أحمد سعيد، فهو يعطي امتياز سلامه على من يريد فقط، تحاشيا: «للأصدقاء الذين يلتصقون بك من دون تقدير انشغالات مَن يقابلهم». ومن جانبها ترى الاختصاصية نورة السعيد، أن عادة إفشاء السلام ظاهرة لا تزال موجودة بين أفراد المجتمع، لكنها لظروف الحياة العصرية قلّ الاهتمام بها عما في الماضي، وقالت: «أسبابها تعود لتغير المجتمع وتفاوت شرائحه، كما أن أصدقاء ومعارف الشخص في السابق أقل منهم الآن»، وتتابع: «تسارع حركة الحياة العملية السريعة تجعلك تصادف الكثير من الأشخاص ممن يمكن نسيانهم سريعا، فإذا ما التقيت بهم لا يكونون في حسبانك، وهم يعتقدون أن ذلك غرور أو تجاهل»، ولهذا ترى السعيد أن من المفترض: «تلمّس العذر دائما للشخص، وبدلا من أن نغضب منه وننتظر مبادرته، نبادر نحن بالسلام وإظهار محبتنا، وهو الغرض الأساسي من افشاء السلام».