معركة جنودها رجال أعمال.. وأسلحتها تكتلات وبرامج ومواقع استقطاب

انتخابات غرفة جدة للتجارة والصناعة

TT

بدء إنطلاق سباق إنتخابات عضوية غرفة جدة يعلنها يحيى عزان رئيس اللجنة المشرفة على الإنتخابات الأثنين المقبل 5 من سبتمبر (ايلول) الجاري، يتنافس خلالها رجال وسيدات أعمال على 12 كرسي، لتتحول غرفة جدة إلى إحدى ساحات المعارك الإنتخابية، التي لا تقبل التريث بل الهجوم والمبادرة.

هكذا هو حال غرفة جدة، سرية في التحركات والإستقطاب، مناورات قبل التسجيل في قيد المرشحين، ومع إنطلاق الحملات، ليست أمور مستغربة بل اعتيادية هكذا يصفها الكثيرون، وتعليلهم للأمر «المكان الوحيد الذي مارس أحد قواعد الديمقراطية بإجراء الإنتخابات طوال 6 عقود في السعودية».

60 عاما هو عمر غرفة جدة للتجارة والصناعة، وهي الغرفة الوحيدة بين الغرف التجارية الصناعية في البلاد، التي أسست بقرار ملكي في عهد الملك عبد العزيز في 18 من شهر يناير (كانون الثاني) 1948، أي بعد الإنتهاء من الحرب العالمية الثانية، بعد تقدم عدد من التجار «الجداويين» بطلب للملك عبدالعزيز في إنشاء غرفة تعنى بمصالح تجار وصانعي جدة.

ولم تكن فكرة الرعيل الأول من تجار وصانعي جدة في إنشاء هذه الغرفة للعناية بمصالحهم فقط، بل دفعهم للأمر ماكانوا يتوارد على لسان الحجاج والمعتمرين القادمين عبر ميناء جدة الإسلامي بإنتهاء العالم من حروبه، وبداية التنسيق بين تلك الدول المتناحرة في السابق بالنهوض بشعوبها.

علم حينها تجار جدة بأن تلك التنظيمات تستدعي منهم تنظيم أنفسهم، خصوصا وأنهم مدينتهم الصغيرة حينذاك تطل على البحر الأحمر، وهو ما يعني مرور السفن والمراكب التجارية التي بحاجة إلى شخصيات تلتقي بها على المرسى للتنسيق والتباحث.

لم ينتظروا طويلا بعد صدور القرار شكلوا مجلس إدارتهم المكون من 13 عضو، وبرئاسة محمد عبدالله رضا الذي أصبح فيما بعد وزيرا لوزارة التجارة التي أنشأت بعد غرفة جدة، وقاموا بإستئجار شقه مكونه من 3 غرف، خصصت إحدها للإدارة، وأخرى للإجتماع، والثالثة للموظف المختص بالمراسلات الخارجية، والذي لم يكن ملزوما بالدوام الرسمي سوى يومين لعدم تفرغه.

وتنقلت غرفة جدة بعد ذلك في عدة أبنية مختلفة كمبنى يقع في شارع الملك فيصل، وشقة أخرى في بناية الأمير عبدالله الفيصل، حتى أنتقلوا لشارع قابل بمبنى الأمير منصور بن عبدالعزيز، حتى منحهم الملك فيصل في السبعينيات قطعة أرض لبناء مبنى مختص بهم على طريق الميناء المجاور لسوق السمك الشهير «البنقله».

هكذا تنقل المؤسسون، لم تكن مغامرتهم بتلك البساطة التي يعتقدها البعض، لم تكن المليارات في تلك المرحلة الزمنية تعرف لدى السعوديون، ولكن عمل 60 عام قامت به أجيال خلف أجيال لم يتوقف.

وعدد المشتركين لم يتجاوز 44 مشترك، بينما يبلغ عدد المشتركين في الوقت الراهن 7216 مشترك، والميزانيات التي بالكاد تصل المليون ريال سعودي، أصبحت حاليا تتجاوز 77 مليون ريال.

عمل جبار تعاقب على صناعته 8 رؤساء، و14 أمينا للمجلس، و18 مجلس إدارة تعاقب طوال 60 عام بالإنتخاب، بإستثناء المرحلة التي ترأس فيه الشيخ إسماعيل أبو داوود الغرفة لما يقارب 32 عام كان يتم ترشيحه بالتزكية.

ويتشكل مجلس إدارة الغرفة من 18 عضوا، 6 مقاعد للتجار، و6 أخرى للصناعين، و6 مقاعد يتم التعيين عليها بتوجيه من وزير التجارة والصناعة. وأفرزت في 6 عقود التي عاشتها غرفة تجارة وصناعة جدة العديد من الشخصيات التي تبؤات مناصب وزارية وحكومية هامة إنطلاقا من محمد رضا، ومرورا محمد العوضي «وزير للتجارة»، وعبدالله زينل «وزير الدولة»، وإنتهاء بتولي عادل فقيه رئيس الغرفة السابق أمانة مدينة جدة.

وتبؤ العديد من رؤساء وأعضاء غرفة جدة السابقين لمناصب وزارية وحكومية هامة، هي من أبرز الأسباب التي يعزوها البعض إلى قوة التنافس على الكراسي الأثنى عشر.

هكذا تكونت غرفة تجارة وصناعة جدة حتى وصلت إلى ماهي عليه الأن، ليس التنافس نابعا من الإستعانة بخبرات أجنبية، أو تقليد الحملات الإنتخابية في الأفلام العربية، بل هي نتيجة تراكمات صنعها المؤسسون، وجددها أبنائهم وبناتهم على أسس علمية إقتصادية.ويوم السبت القادم ستعلن اللجنة المشرفة على الإنتخابات عن إنتهاء قيد تسجيل الراغبين في الترشح، والذين بلغ عددهم حتى ظهر امس 37 مرشح، مضاف إليهم 4 سيدات أبدينا رغبتهن للترشح لأول مره في تاريخ الغرفة، وهن اللاتي في السابق كانوا يعتمدون على وكيلهم الشرعي في التصويت بالإنابة قبل أن يتم إيقافهم عن التصويت بقرار من أسامة فقيه وزير التجارة والصناعة الأسبق.

وتدور بين أروقة مبنى الغرفة الشامخ في حي البغدادية بطوابقه 14، عدة أحاديث عن تكتلات ومجموعات تعمل على الفوز بأحد كراسي المجلس، كمجموعة عبدالله دحلان والتي تضم عدد من بيوت جداوية تجارية كعائلة شبكشي، وجمجوم، والعطار.

وتواجه مجموعة محمد عبداللطيف جميل التي توصف بالقوية، وقد سبق لمحمد عبداللطيف جميل الفوز بكرسي رئاسة الغرفة وتنازل عنه، وهذا مايدعو البعض بالتوقع في حالة فوزه في أن يكون كرسي الرئاسة محصورا بين عبدالله المعلمي أمين جدة السابق، ومازن بترجي نائب الرئيس الحالي غسان السليمان الذي تحوم حوله دائرة من الإشاعات بأنه سوف ينسحب.

ومازلت الأحاديث السابقة تدور في فلك التوقعات والتنبؤات، لمعرفة كل المرشحين بأن مناورات إنتخابات غرفة جدة لا تتوقف أبدا، وحتى موعد الإعلان عن أسماء المرشحين، يظل المشاهدين يحجزون مقاعدهم لمشاهدة إنتخابات تملأها المفأجات للفوز بكرسي ليس للمشاهدة بل للعضوية المرشحة أن تحول صاحبها إلى مقعد ذو أهمية أكبر.