مصانع الخمور.. تدر ملايين الريالات مصدرها مخلفات الفواكه ومياه الصرف الصحي والحيوانات الميتة

TT

أثارت الأخبار المتكررة التي تتناقلها الصحف خلال الأشهر الماضية حول مداهمة مصانع للخمور في مختلف المناطق السعودية استغراب المجتمع حيث كانت هذه الأخبار جديدة وكلها تتحدث عن مصانع متكاملة للخمور في هذا البلد المحافظ.

وشاركت عدة جهات في اكتشاف العديد من «الأوكار» منها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي يتعاون معها عدد من المتعاونين من خارج منسوبيها والتي تسميهم بالمشاركين في الاحتساب، حيث يبلغونها بالتجاوزات ويساعدون في الإرشاد.

آخر العمليات التي تمت كانت مداهمة لمنزل في حي الربوة شرق العاصمة الرياض أمس الأول، حيث عثر في داخل المنزل على مصنع متكامل لإنتاج الخمور وضبطت فيه كميات كبيرة من المشروبات الكحولية إضافة إلى شحنة في طريقها إلى التسليم قدرت قيمتها بنحو 15 ألف ريال·المنزل المداهم مستأجر من قبل سعودي بمبلغ 70 ألف ريال سنويا ويتولى المستأجر عملية إدارة التسويق في حين تتولى مجموعة من الأفارقة التصنيع.

وكشفت المداهمة استخدام بعض الآليات المستخدمة في عملية تصنيع بقايا الفواكه والأغذية إضافة إلى العثور على حيوانات ميتة مثل الفئران في براميل التخمير بهدف تسريع عملية إنتاج الخمر إلى جانب استخدام مياه ملوثة من الصرف الصحي في عملية الإنتاج إضافة إلى مواد كيميائية يحظر استعمالها في المنتجات الغذائية لما لها من أخطار على الصحة.

وتتشابه تجهيزات المصنع المضبوط مع مثيلاته التي عثر عليها في مناطق متفرقة من المملكة، حيث انها لا تراعي قواعد السلامة الصحية الدنيا ما يدل على أن الغرض الرئيسي لهذه التجارة المحرمة في السعودية هو الكسب السريع من دون الالتفات إلى الأضرار التي يتعرض لها المستهلكون.

وتتراوح أسعار عبوات المشروبات المسكرة في السعودية التي تصنع محليا بنحو 250 ريالا للعبوات من حجم 2 لتر إضافة إلى أن بعض المنتجين يقدم أسعارا تشجيعية للكميات الكبيرة.

ويبلغ متوسط عدد البراميل المخصصة للتخمير التي يتم ضبطها في مصانع الخمور الكبيرة بنحو 50 برميلا تتسع لنحو 500 لتر ويصل سعر محتواها قياسا إلى البيع بالتجزئة إلى ما يقارب 3.750 مليون ريال وعادة ما يتم بيع هذه الكمية في فترة تقارب الشهرين ما يشير إلى أن الدخل الإجمالي لمنتجات المصنع الواحد يقارب 22.5 مليون ريال سنويا وحساب هذا الرقم استنادا إلى المصانع المضبوطة والتي تجاوزت 20 مصنعا في الفترة الماضية يوضح أن عملية تصنيع الخمور تقدر بمئات ملايين الريالات.

بينما يتجاوز سعر الزجاجة العادية من المشروبات الكحولية المنتجة من قبل شركات معروفة 700 ريال بسبب أنها مهربة إلى المملكة، كما أن هذه الزجاجات في العادة لا تخلو من عملية الغش، حيث يضاف إليها مواد كيميائية لزيادة كمية المشروب وجعل الكمية السابقة تكفي لزجاجتين.

ويعتبر يوما الأربعاء والخميس أكثر أيام الأسبوع التي تزداد فيهما مبيعات الخمور، حيث يحرص مروجوها على إيصالها إلى المستفيدين في أماكن غالبا ما تكون بعيدة عن الأنظار خشية الوقوع في يد الجهات الأمنية إلى جانب أن عمليات البيع لا تتم إلا عن طريق الثقات، حيث ان مروجي الخمور يحرصون كثيرا قبل تسليم الكميات خوفا من أن تكون محاولات للإيقاع بهم.

وأبلغ محتسب «الشرق الأوسط» أن كشف مصانع الخمور يأتي في الغالب عن طريق أشخاص سبق لهم التعامل في هذه التجارة المحرمة أو استعمال منتجاتها ثم عادوا عن هذا العمل وتابوا وحرصوا على أن يكفروا عن أعمالهم السابقة بالتعاون مع الجهات الأمنية أو الهيئة لقمع شر المفسدين وحماية المجتمع.

أما أضرار الخمور المصنعة محليا والمغشوشة فيوضحها قسم التوعية في مجمع الرياض الطبي أنها تتركز في التسبب بأمراض الفشل الكلوي واعتلال الكبد، وذلك نتيجة إدخال مواد كيميائية بالغة الخطورة على الإنسان وهذه المواد غير مرخصة للاستعمال من ناحية التغذية ولها أضرار حين استعمالها خارجيا.

وبحسب التحقيقات الأمنية التي أجريت مع المتورطين في تصنيع وتسويق الخمور اكتشفت الجهات الأمنية أن عددا كبيرا من المتورطين في عمليات التصنيع من غير السعوديين يضعون في اعتبارهم قبل الوصول إلى المملكة نوع العمل المزاول وهو تصنيع المسكرات، حيث يتعلمون بعض فنيات التخمير والأدوات البسيطة التي يمكن أن تساعد في ذلك ساعين باتجاه تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح إلى جانب أن بعضهم يستقدم من قبل سعوديين أو وافدين لذلك الغرض.

ولفتت التحقيقات إلى أن السعوديين الذين زاولوا تصنيع الخمور اكتسبوا خبرتهم من أحد طريقين إما التعلم من بعض الوافدين أو من خلال تعلم أبجديات التخمير من خلال السفر إلى بعض الدول التي تسمح بإنتاج الخمر وتداولها، مشيرة إلى أن أغلب الموقوفين أكدوا أن الأوضاع الاقتصادية هي ما دفعهم إلى امتهان تصنيع وتسويق الخمور، موضحة أن ذلك قد يكون صحيحا في البداية، لكن المبالغ المالية الكبيرة التي يتم التحصل عليها من هذه التجارة هي الدافع في الاستمرار بها.

ولا يزال المجتمع السعودي غير قادر على المصارحة والاعتراف بأن هناك من يتعاطى الخمور، حيث تكتفي الجهات المسؤولة والمحتسبة والاجتماعية بالتركيز على أن المتورطين في هذه الأعمال يحاولون إفساد المجتمع من دون الإشارة إلى أن هذه الكميات التي تصنع يقابلها زبائن يتعاطونها.