المطالبة بضوابط لإشراك ذوي الاحتياجات الخاصة وفاقدي الأهلية في البحوث التي تجرى على الإنسان

على هامش ندوة «الموافقة المتنورة .. نواح أخلاقية»

TT

خلصت حلقة النقاش التي عقدتها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالتعاون مع اللجنة الوطنية للأخلاقيات الحيوية والطبية صباح أمس، إلى ضرورة الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة والسجناء وفاقدي الأهلية ووضع الأسس والضوابط لإشراكهم في البحوث التي تجرى على الإنسان، مع وضع ضمانات كفيلة بحفظ حقوقهم ومنع استغلالهم.

وشددت، على ضرورة تقديم العناية الطبية للأطفال قبل إخضاعهم للبحوث الحيوية والتي يحتاج إلى أكثر من موافقة الوالدين المتنورة بل ينبغي تقديم معلومات مبسطة إلى الطفل بحسب عمره، للحصول على رضاه وعدم ممانعته قبل الشروع بأي إجراء، مبيناً أن إخضاع الطفل عنوة إلى إجراء لا يدرك سببه ولا ماهيته، قد يخلف جرحاً نفسياً عليه من العسير معالجته.

وحذرت توصيات الجلسة من مغبة إجراء البحوث الحيوية بعيدا عن القواعد الفقهية المعروفة في علم الأصول، كما يجب ألا يؤدي البحث العلمي في المجالات الحيوية إلى الإفساد في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل، وتقطيع الأواصر الإنسانية.

وفي شأن ذي صلة، كشف رئيس اللجنة الوطنية للأخلاقيات الحيوية والطبية والمشرف على معهد بحوث الموارد الطبيعية والبيئة بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية د. عبد العزيز محمد السويلم، عن وجود أزمة أخلاقية، أثبتتها الأحداث والأزمات التي مر بها العالم، بدءاً من أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وصولا لإعصار كاترينا الأخير الذي ضرب عدداً من الولايات الأميركية.

وشدد السويلم في كلمته التي ألقاها خلال حلقة نقاش علمية عقدتها المدينة صباح أمس وذلك بحضور عدد من المهتمين بالقضايا الحيوية والأخلاقية في المستشفيات، والجامعات، وبعض القطاعات الحكومية والخاصة، بعنوان «الموافقة المتنورة... نواحٍ أخلاقية»، شدد على ضرورة أن تقف كل دولة لمناقشة هذه الأزمات كل في مجال تخصصه، وذلك من خلال الأبحاث العلمية في الأخلاقيات الحيوية.

وألمح إلى اهتمام الرياض بموضوع الأخلاقيات الحيوية والطبية، حيث شكلت بناء على توجيه المقام السامي الكريم في السابع من أغسطس العام 2001، لجنة وطنية للأخلاقيات الحيوية والطبية، بهدف وضع ومتابعة تنفيذ معايير وأخلاقيات البحوث الحيوية والطبية، من أجل التحسين والارتقاء بالنواحي الصحية والوقائية والتشخيصية العلاجية والنفسية، مع مراعاة كرامة الإنسان، وحفظ الحقوق للأفراد، والمجتمعات، بما يتماشى مع الشريعة الإسلامية وتقاليد ومرتكزات السعودية، موضحا أنه سبق للجنة أن نظمت عددا من حلقات النقاش، تطرقت إلى مواضيع، الخلايا الجذرية، وملكية الجينات، والفحص الوراثي.

وناقشت الجلسة الأولى في حلقة النقاش هذه، موضوع «العمر وصاحب الأهلية في الموافقة المتنورة»، للدكتور محمد زهير القاري استشاري أمراض الأعصاب في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، ورئيس لجنة الأخلاقيات بالمستشفى، حيث تحدث القاري عن أهلية الطفل، وإدراكه في أمور الحياة، من حيث اتخاذ القرارات التي تؤثر على مجرى حياته اليومية، سواء على المدى القريب أو البعيد، مشيراً إلى أن الوالدين أو من يقوم مقامها هما مصدر ثقة في رعاية الطفل والعناية بمصالحه، ومساعدته في اتخاذ مثل هذه القرارات من دون منعه في المشاركة فيها، ليشعر بالثقة في نفسه وفيمن حوله ومن ثم يشعر بالأمان في الحياة.

وأوضح ان بعض الظروف والحوادث أثبتتا أن هذه ليست قاعدة مطردة بالضرورة، فقد تتأثر قدرة الوالدين على تحمل مسؤولية اتخاذ قرارات بشأن الطفل بظروف معينة منها الجهل بما هو أصلح له مما قد يحرمه من فائدة ظاهرة ومنها بعض الاعتقادات المغلوطة مثل الثقة العمياء بمفعول الكي في شفاء كل الأمراض، وقد يكون الأمر أسوأ حين يصل إلى حد الإيذاء المتعمد في بعض الحالات من إساءة معاملة الأطفال، مشيرا إلى ان تقديم العناية الطبية للأطفال يحتاج إلى أكثر من موافقة الوالدين المتنورة بل ينبغي تقديم معلومات مبسطة إلى الطفل بحسب عمره، للحصول على رضاه وعدم ممانعته قبل الشروع بأي إجراء، مبيناً أن إخضاع الطفل عنوة إلى إجراء لا يدرك سببه ولا ماهيته، قد يخلف جرحاً نفسياً عليه من العسير معالجته.

وأوضح الدكتور جمال بن صالح الجار الله من كلية الطب بجامعة الملك سعود في ثاني جلسة من جلسات النقاش، التي كانت عن «التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة والسجناء وفاقدي الأهلية»، أن الإذن بالموافقة على المشاركة في البحوث الطبية الحيوية يشكل مرتكزاً أساسياً لأخلاقيات البحوث الطبية الحيوية التي تجرى على الإنسان، حيث انه لا بد أن يكون الإذن قد صدر عن إدراك كامل، وحرية إرادة كاملة، وطواعية من دون ضغط أو إكراه، فكل إنسان بالغ عاقل له الحق في أن يعطي هذا الإذن، كما له الحق في أن يعرف بوضوح ما الذي يراد به، ومن الخطأ الفاحش أن يجرى البحث على إنسان من دون إذنه وموافقته على بصيرة.

وقال الجار الله، إن التعامل مع فئات معينة من المجتمع فيما يتعلق بالإذن عموماً، وبالإذن بإجراء البحوث الطبية عليهم خصوصاً، يقتضي معرفة أحوالهم والوقوف عند الإشكالات الخاصة بإذنهم وموافقتهم، ومن هذه الفئات ذوي الاحتياجات الخاصة والسجناء وفاقدي الأهلية.

وأشار إلى أن بعض هذه الفئات قد يكونون فاقدي الأهلية أو قاصريها، كالمصابين ببعض الأمراض العقلية، أو المصابين بتخلف عقلي دائم أو بسبب إصابتهم بالعته والخرف ككبار السن، كما قد يكونون مسلوبي الإرادة، أو أن إرادتهم محدودة كالسجناء، حيث ان السجين قد يكون في حكم المكره وربما أصبحت حرية اختياره محدودة أو مهددة أو غير موجودة أصلاً، مشيرا إلى أن ذوي الاحتياجات الخاصة قد يكونون أفراداً مصابين بإعاقات جسدية أو نفسية تمنعهم من ممارسة حياتهم بصورة طبيعية مما يضطرهم إلى الاعتماد على الآخرين في تدبير شؤون حياتهم، مع أنهم قد يكونون كاملي الأهلية إلا أن لهم اعتبارات خاصة نتيجة لعجزهم الجسدي أو النفسي، مؤكدا على أهمية الاهتمام بهذه الفئة ووضع الأسس والضوابط لإشراكهم في البحوث التي تجرى على الإنسان، مع وضع ضمانات كفيلة بحفظ حقوقهم ومنع استغلالهم.

وناقشت ثالث جلسات الحلقة موضوع «ضمانات الباحث وحقوق الإنسان موضع البحث»، تحدث فيها الدكتور محمد بن عابد باخطمة من كلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، عن (ضمانات الباحث وحقوق الإنسان موضع البحث) منطلق شرعي فقهي، مشيراً إلى الشريعة هي الركيزة الأساسية في موضوع البحث، باعتبارها حجر الأساس لكل ما يتعلق بأمور الإنسان في مجال التقنيات الحيوية، مستعرضا في سياق بحثه، موضوعات الموافقة المتنورة معناها وشرعيتها وشروطها، والبحث العلمي حدوده وضوابطه، والفرق بين البحوث والتجارب، والضمانات التي تحفظ حقوق الباحث، وحقوق الإنسان محل البحث.

وقال إن البحث العلمي في المجالات الحيوية خصوصا يجب أن يكون، فيما يجوز شرعاً (كل المصالح المرسلة للأمة)، وفي غير المحرم شرعاً (كل ما يتضمن ارتكاب محرم)، وفيما له فائدة راجحة للأمة، فضلاً عن أنه تنطبق عليه القواعد الفقهية المعروفة في علم الأصول، كما يجب ألا يؤدي البحث العلمي في المجالات الحيوية إلى الإفساد في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل، وتقطيع الأواصر الإنسانية.