المؤرخ محمد الشرفاء : تاريخ المنطقة الشرقية المكتوب قاصر ويحتاج دراسات متكاملة ومحايدة

TT

تحولت المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية الى عاصمة للصناعات الخليجية تسندها أضخم الشركات والمصانع في منطقة الخليج، لكن ماذا عن تاريخ هذه المنطقة! والى اي مدى استطاع ابناؤها ابراز أهميتها التاريخية؟.

الاجابة على هذه الاسئلة وغيرها نتلمسها في حوارنا مع أقدم مؤرخ سعودي للمنطقة الشرقية محمد على صالح الشرفاء الذي يعمل كمستشار بجوازات المنطقة وتوج أعماله التأريخية بمجموعة كتب ومؤلفات تعد كمرجع هام لتاريخ ذاك الجزء من السعودية.

> لم التاريخ تحديداً افنيت فيه وقتك وجهدك دون سائر العلوم؟

ـ الكتاب هو الخلود إذ يبقى شاهداً على العصر والتاريخ والحضارة ويستلهم المستقبل، يرحل الكاتب ويبقى ما سطره يراعه شاهداً له أو عليه.

> هل تعتقد أن أبناء المنطقة أبروها بتدوين تاريخها كما ينبغي؟

ـ أود التأكيد على أهمية التأصيل والتأريخ للمنطقة الشرقية بشكل خاص وللمملكة بشكل عام، فالمنطقة لعبت وتلعب دوراً هاماً بالنسبة للمملكة ودول الجوار، إن عملية التأصيل هنا اعتبرها مهمة جليلة وواجباً وطنياً مهماً، فمن حق الاجيال القادمة علينا ان نترك لها ما يبصّرها بتاريخها وحضارتها العظيمة.

> هل لذلك انصببت على هذه المهمة، أم هناك سبب آخر؟

ـ عندما وجدت أن الدراسات التاريخية للمنطقة الشرقية فقيرة والبحث التاريخي لها انصبّ على عرض ودراسة الحركات السياسية والحروب العسكرية مغفلاً الجانب الثقافي والفكري، ولم يعطه حقّه من الاهتمام، وانطلاقاً من إحساسي بما عانته المنطقة من إهمال وإغفال في كتابة تاريخها تصديت لهذه المهمة الجليلة يدفعني حب وطني وإحساسي بالمسؤولية تجاهه لأن أقدم هذا الجهد المتواضع المتمثل في دراساتي وكتبي وأبحاثي المتعددة المناحي.

> كمؤرّخ ما هي عدّتك في البحث والاستقصاء وكيف وجدت هذه المهمّة؟

ـ لا شكّ أن العمل الأدبي وكما يقول الأديب / عبد الله الشياط في مقدمة كتابي الموسوم بـ (المنطقة الشرقية حضارة وتاريخ): العمل الأدبي ـ خاصة ما يتعلق منه بالتاريخ والدراسات الاجتماعية ـ يتطلب تحرّكاً في كل الاتجاهات بما في ذلك السفر والترحال لمقابلة أشخاص وجمع المعلومات والحصول على المراجع وهذه مهام شاقة ومكلفة مادياً ومعنوياً وجسدياً وتتطلب الصبر على تحمّل المشاق ولعلّ اسهلها واقلّها أن تكون حاجتك لدى شخص لا يقدّر العلم ولا يقيم له وزناً، فيجابهك بعدم الاستجابة ويغلق في وجهك الباب بصفاقة، وقد يحاول أن يثنيك عن عزمك حسداً من عند نفسه، فيجمع أمامك المثبطات ويكدّس بين يديك المعوقات. لذلك فعدّتي كمؤرخ هي التزام الصدق وعدم الميل مع الهوى وألاّ اخضع لتأثيرات العقيدة أو القبيلة أو الجنس ـ إلاّ حينما يتعلق الأمر بالعقيدة الإسلامية ـ فعلى المؤرخ أن يجرّد قلمه ويكرس جهده ووقته للدفاع عنها وإزالة شبهة أصحاب الشبهات والمتقوّلين على الإسلام.

> ولكن ماذا يعاب على الكتابات التاريخية الأخرى وتحديداً تلك التي تناولت المنطقة الشرقية من وجهة نظرك؟

ـ من ابرز أوجه النقص فيها عدم شموليتها وقد أشار غيري من الكتّاب إلى حاجة هذه المنطقة إلى دراسة متكاملة العناصر ذات إلمام بكلّ الجوانب التاريخية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وهذا ما حاولت جهدي ـ وهو جهد المقلّ ـ أن أتناوله في كتبي ودراساتي.

> ما مدى تعاون الجهات الحكومية والأفراد والمؤسسات معك في جمع المعلومات والاطلاع عليها؟

ـ كان تعاوناً بنّاءً ومثمراً، فمما لا شك فيه أن جمع معلومات صحيحة ودقيقة موثقة ليس بالأمر الهيّن ما لم يحصل هناك تعاون وثيق بين القائم على اعداد البحث والجهات التي تتوفّر لديها تلك المعلومات أفرادا كانوا أو مؤسسات أو دوائر حكومية وانني انتهزها فرصة من خلال منبر «الشرق الأوسط» لأزجي لهم الشكر العميق على ما قدموه لي من تسهيلات.

> يلاحظ عزوفك عن الصحافة والكتابة فيها وانصباب جهدك على التأليف، فما الذي جنيته من الكتابة التاريخية؟

ـ لقد اكسبني هذا الجهد الشاق فوائد جمّة فقد حبّب الي دراسة التاريخ وغرس في نفسي قوة الصبر والتجلّد وتحدي الصعاب والعقبات التي اعترضت طريق بحثي الذي حرصت من خلاله على التزام سبيل الشمولية في البحث والتقصي مبتعداً عن الاقتضاب والارتجال، لأن نهج الاقتضاب والارتجال كثيراً ما يكون على حساب العلم والحقيقة التاريخية، فكانت نتيجة هذا الجهد أن جمعت هذه المعلومات المتناثرة والمتباعدة ونسقتها وفق الزمن المتعلق بكل موضوع ونوعية تسلسل الأحداث.

> وبعد هذه البحوث والدراسات وما تمخض عنها من كتب قمت باصدارها، هل أنت راضٍ عما قدمت؟

ـ لا ادعي أن بحثي التاريخي متكامل وملم بكل تاريخ المنطقة، وانما هو جهد متواضع ولبنة صغيرة تضاف الى تلك اللبنات الأولى التي وضعها الأجداد والآباء على طريق المجد والسؤدد لرفعة هذه المنطقة الطيبة التي كانت مهداً ومنطلقاً لأعظم حضارات هذا العالم.