تعريف «الآخر» بين جيلين في جلسة الحوار الوطني

TT

بالرغم من انتهاء اللقاء التحضيري للحوار الوطني في جدة الثلاثاء الماضي الا أن الهوة بين الجيلين المشاركين في قاعات النقاش والمداولة في فندق الميريديان في جدة لم تردم بعد· كان الواضح خلال الأيام الثلاثة أن المشاركين الـ(63) يركزون على تحديد تعريف جامع مانع للآخر· في الوقت الذي كان فيه 17 شابا وشابة انخرطوا في دورة تدريبية ملحقة بالحوار الوطني يغردون خارج السرب، فهم حسموا أمرهم تجاه علاقة الجيل الجديد مع الآخر، وتأطيره في بعد ديني ودعوي فقط.

وتلخصت دروس الدورو التدريبية في فن الحوار، بمعرفة وسائل الاتصال للطلاب، وارتباط الإقناع بالحوار، في منظومة منسوجة للبعد عن الأساليب التنفيرية في إستقطاب الناس.

وخرج طلاب الدورة بتوجه واحد، حددوا من خلاله هدفهم من الدورة، والهدف من استخدام فن الحوار، مع الآخر، الذي حدد بأنه غير المسلم »الكافر»، سواء من داخل الدول العربية والإسلامية أو خارجها.

ولم تكن فوارق العمر والتعليم والثقافة الفرق الوحيد بين الفريقين، بل في تحديد مصطلح «الآخر»، والإتفاق على من هو «الآخر» كانت ضمن الفروق، في حوار حمل عنوان «نحن والآخر: رؤية وطنية شاملة للتعامل مع الثقافات الغربية».

وكان فريق الأكاديميين والأكاديميات، والمثقفين والمثقفات، ورجال وسيدات الأعمال، في القاعة الرئيسية في الفندق، ومعدل أعمارهم ما بين اواخر العقد الثالث، ومنتصف العقد الرابع، يرون أن «الآخر» هو البدوي، والحضري، والسني، والشيعي، والكافر، والمرأة، والرجل، والمتشدد والعلماني، وخرجوا في ختام ذلك بتوصيات عديدة. بينما كان فريق طلاب مدارس مدينة جدة، وهم من المرحلة الثانوية، يتوزعون على سنواته الثالث، ومعدل أعمارهم ينحصر ما بين 16 و 18 عاما، قد حددوا الآخر «بالكافر»، وهدفهم من تعلم فن الحوار في هذه الدورة، هو تحديد توجههم الى «الدعوة إلى سبيل الله».

وفي وسط معمعة الاختلاف بقاعة المشاركين الرئيسيين، في إيجاد تعريف واضح لمصطلح «الآخر»، تدخل الدكتور صالح الحصين رئيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، قائلاً: «الهدف من تحديد وتعريف مصطلح الآخر، يساعد في تحديد نطاق العمل به».

وبالنسبة لنطاق العمل للطالب أيمن السعيدي (18عاما) في التوجيهي للمرحلة الثانية، في مدرسة منارات مكة، بعد ساعتين من الهدوء لدراسة وسائل الاتصال والحوار، كان نصب عينيه.

ويقول السعيدي: «الآخر: هو من نختلف عنه بالدين، والحوار معه سيكون بدعوته للدين الإسلامي، بالكلمة والموعظة الحسنة، وشرح أصول الشرعية الإسلامية له».

واللقاء التحضيري الثالث المنعقد في جدة، استعدادا للقاء الحوار الوطني الخامس المزمع إقامته بمدينة أبها في منطقة عسير، استمر لأكثر من 7 ساعات، لمناقشة وإخراج توصيات، وتم على هامشه إجراء دورة تدريبية لطلاب المرحلة الثانوية في مدارس جدة، في فن وسائل الاتصال والحوار وفن الاقناع، عبر دورة مكثفة، استمرت لخمس ساعات.

ونوقش خلال جلسات اللقاء التحضيري الثالث تعريف الآخر من الجانب الشرعي، والحضاري والثقافي، والاقتصادي والسياسي، وكان بعض المداخلات تركز على الكتاب والمنهج المدرسي، والخروج بآلية تعامل مع الآخر بصيغة مناسبة لكل محور من المحاور السابقة.

ولم يكن عمار أمجد، 18 عاما، توجيهي، وطارق السقاف، 16 عاما، طالب الصف الثاني الثانوي، ينظران نظرة مفكريهما، بل يقولان »الدين الإسلامي يرتبط بكل جوانب الحياة، لهذا لا بد أن يكون الحوار بلغة الدين، والانطلاق من خلاله لنشر ثقافتنا الإسلامية».

هنا تركزت نقاط الخلاف بين جيلين نشآ في بيئات مختلفة، جيل سابق نشأ في بيئة محافظة ويريد بعض من فيه بالخروج عن تلك الدائرة، وجيل نشأ في عصر الفضائيات والتطور التكنولوجي، ويرى أن السبيل في الرجوع للماضي، والدعوة للإسلام، بدلا من إيجاد قبول لدى الآخر. ولم تتوقف الفروقات بين المشاركين الرئيسيين، وطلاب الدورة، إلا في الاشتراك بنقد المؤسسات الإعلامية، والاختلاف حول أسلوب عملها.

الفريق الرئيسي خرج بتوصية إنشاء مركز إعلامي متخصص لرصد الدلالات والمصطلحات ومقارنتها بالثوابت الشرعية، وتحصين وسائل إعلأمنا، عبر مداخلة حصة العون «سيدة أعمال» قائلة: «يجب تحصين إعلأمنا الداخلي الذي أصبح طريقا للأفكار القادحة بأخلاقيتنا».

بينما كان يرى فريق الطلاب المكون من أمجد، وطارق، وأيمن، وأحمد باخشوين (16 عاما) طالب الصف الثاني الثانوي، غير ذلك، قائلين »لا بد من إيجاد سياسة إعلامية للدعوة الإسلامية».

فروقات ليست ذات أهمية في نظر الكثيرين، مرجعين السبب إلى قصر في نظرة هولاء الشباب، رغم أنهم الجيل القادم الذي من المفترض أن يناقش ما يتباحث به نخبة المجتمع الوطني حاليا، والذي يعمل للنشء في هذه الأمة.

ويظل السؤال هل ستعيش أبناء الجيل الصاعد في السعودية بعد عشرات السنوات على نفس فكرة انحصار الحوار مع الآخر في الجوانب الشرعية، دون الالتفات للجانب الآخر، وأن يكون الجانب الشرعي بوابة لكل المجالات، أم يتغير الحال؟!