يعمل كي لا تندثر الحرفة ويصنع من الفخار قطعا فنية

الغراش أصغر صانع فخار في القطيف

TT

تتقاطر حبات العرق الفضية متراقصة من جبينه مبللة بشرته السمراء، بينما تنشغل أنامله بتنعيم طين الفخار اللين وتطويع أطرافه، لتنساب قطعة الفخار المشغولة بدقة من بين يديه كما يريد لها أن تكون. يعمل زكي علي الغراش (29 سنة) بدقة على إخراج القطع الفخارية بأبهى أشكالها، وهو شاب سعودي يرتدي بفخر المئزر الملطخ ببقايا الطين المستخدم في صنع الفخار. ويعتبر الغراش من أصغر صانعي الفخار في القطيف، ومن آخر الأشخاص الذين ما زالوا يمارسون هذه المهنة حتى اليوم.

تعدّ صناعة الفخار من أشهر الصناعات التي تتميز بها محافظة القطيف، نظراً لتوفر الموارد الطبيعية في المنطقة ومنها الطين الذي يستخرج من البحر. وقد اشتهرت قرية الخويلدية بـ «الطين الخويلدي» الذي يستخرج منها بكميات كبيرة، ويصدّر للخارج، كما اشتهرت قرية القديح بـ «الطين القديحي» الأبيض الذي كان يستعمل للغسيل قبل الصابون. ونوه الغراش بأن الطين المستخدم في صناعة الفخار «نحصل عليه من قاع الأرض عبر الحفر، خاصة الطين الخويلدي الشهير من منطقة مشهورة بالطين وهو يستعمل لدعك الأجسام أيضاً».

وكما هي حال الشاب زكي فقد برع العديد من أهالي القطيف في صناعة الفخار، «وقد تناقلت الأجيال الحرفة أباً عن جدّ» يقول الغراش: يشكل الشاب «الفنان» في مهنته، الطين وفق ما يرغب بعد الضرب عليه وتركه يجف لفترة من الزمن، ثم تأتي مرحلة العمل اليدوي الدقيق «نستخدم الآلة البسيطة التي تدار بالأرجل لتشكيل الطين وتصميم الأشكال المطلوبة»، يوضح صانع الفخار.

وبعد ذلك يتم تجفيف القطع الفخارية بالكامل «وبعضها يدخل الى الفرن ليحرق على درجة حرارة تفوق الألف درجة، ليصبح فخاراً كالذي نراه اليوم» يقول الغراش، وبالتالي يكون جاهزاً ليباع في الأسواق ويوزع على قرى المنطقة.

يستغرب البعض وجود الشاب في مهنة صناعة الفخار، لكن إنشغاله بصناعة آنية زهور لا يمنعه من الحديث عن سيرته الذاتية منذ انخراطه في هذه المهنة، «ورثت المهنة عن أبي وهو ورثها أباً عن جد، وقد بدأت العمل في صناعة الفخار بعمر 17 سنة وما زلت أمارسها حتى اليوم».

ومع أن الفخار مهنته الأساسية لكن زكي يعمل بالأعمال الحرة أيضاً «صحيح أن صناعة الفخار مهنة يمكن العيش منها لكن مدخولها ليس كبيراً بالنسبة لمتطلبات الحياة المتحضرة، لذا لا أعتمد عليها كثيراً».

وقد شارفت هذه الحرفة على الانقراض بسبب انصراف الأجيال الجديدة عن تعلمها ومزاولتها.

ويشير الغراش الذي يعتبر أصغر صانع فخار في المنطقة، الى أن «توارث مهنة صناعة الفخار توقف منذ زمن، فأنا آخر من ورث هذه الحرفة عن العائلة»، موضحاً أنه «لا توجد أعمار صغيرة من ممارسي صناعة الفخار». لكن هذا لا يمنع وجود الرغبة لدى بعض الصغار في تعلم الحرفة، لكن هناك أسباباً تمنعهم من ذلك، ويختصر الغراش أسباب عزوف الصغار والشباب عن تعلم المهنة ومزاولتها بأن «الصغار يقولون نريد التعلم لكن هناك صعوبات كبيرة في ذلك، وأبرزها الضغط على الطفل والحرارة المرتفعة التي لا يتحملها صغار السن، فهي ظروف لن تساعد على التعلم ولن يرتاح ولن يفهم الدرس». وأشار الغراش الى وجود «فكرة لعمل دورات تعليم صناعة الفخار لكن يجب إيجاد المكان المناسب لأن محلي صغير ولن يتمكن الأطفال من تحمل الحرارة المرتفعة فيه».

وساهم التطور الذي لحق بصناعة الأدوات المنزلية في القضاء على الحرفة، حيث حلت الأدوات البلاستيكية والمعدنية وغيرهما مكان الفخاريات، «ما حل محلّ الفخار من أدوات حديثة كانت له الغلبة» يؤكد الغراش. ويشرح أن اعتماد مصنعي الفخار حالياً «هو على الفخار الصناعي كالتنور المخصص للمخابز وليس الفخار العادي الذي يصنع للاستعمال المنزلي»، موضحاً أنه يتم تصنيع هذه الأدوات البسيطة لتباع في المهرجانات لمحبي التراث ولتستخدم في الديكور».

وعن مدى الاهتمام بالفخار من قبل الناس قال الغراش «هناك اهتمام بالفخار كتراث شعبي قديم لكن ليس للاستخدام الأساسي كما في السابق». ومن الأدوات التي كانت تصنع من الفخار في الماضي الشربات والبراني والجرار والمزهريات والأكواخ والمباخر والشلالات والحجلات والقداوة والتنور وغير ذلك، وبعضها ما زال يصنع حتى الآن كما يشير الغراش «للزينة والديكور، وهي تحظى بالإقبال خاصة من السياح الذين يأتون الى الأسواق الشعبية في منطقة القطيف بهدف اقتناء هذه القطع الفخارية». لكن إقبال الأجانب على الفخار كما أوضح الغراش يدفعهم لطلب «أشكال معينة منقوشة على القطع الفخارية لكنها لا تمت للتراث السعودي أو لتاريخ المنطقة بصلة كأن يطلبون حفر أسمائهم عليها أو قلوب ترمز للحب».

ويكمل الغراش عمله مضيفاً إلى القطعة التي يصقلها لمسات سحرية، فيتحول الطين بين يديه الى آنية زهور جميلة، تستحق أن تحمل صفة «تحفة فخارية».