«السبالة».. نموذج لحي ينتظر أن ينزع ثوب «الفقر» عنه

TT

يتذكر سالم مبارك عايض القحطاني، تلك اللحظات التي دخل بها العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلى منزله المتواضع، الواقع في حي السبالة الفقير بالعاصمة الرياض، في شهر رمضان، قبل ثلاث سنوات تقريبا، ضمن الزيارة التي قام بها الملك عبد الله أيام كان وليا للعهد للأحياء الفقيرة، للوقوف على احتياجاتها، وما يعانيه ساكنوها، من فقر مدقع وحياة يكسوها الشقاء.

كثيرة تلك البيوت المهدمة في ذلك الحي الفقير، وكثيرة تلك الآيلة للسقوط، مما يشكل خطرا داهما، على قاطنيها ينبئ بمأساة إنسانية واردة الحدوث، إذا لم يتم التدخل من قبل الجهات المعنية بهذا الأمر، للحيلولة دون وقوعه.

في الطريق إلى الحي، تبدأ حكاية «السبالة»، ذلك الحي الشعبي الفقير، المحاط بهالة من المعالم الحضارية، الدالة على التطور العمراني الذي تشهده البلاد، الذي كان يوما من الأيام بطل الصفحات الأولى للصحف السعودية، بوصولك إليه، ليس هناك بد من إيقاف السيارة التي تقلك في أوله، لتتمكن من اكتشاف المكان، بعيدا عن مزاحمتك لأهالي الحي، نظرا لضيق أزقته الشديد، التي بالكاد تحتمل مرور سيارة واحدة فقط.

دخولك إلى «السبالة»، هو الطريق الوحيد لاستكشاف الحي، والتعرف على أهله عن كثب، أطفالهم، نسائهم، رجالهم، كل التفاصيل الدقيقة، سوف تتجلى لك، «رمضان» بالنسبة لهم، المنقذ من شغف العيش، حيث يشهد الحي تزاحما من أهل الخير، في توزيع المعونات الغذائية، وأموال التبرعات، والصدقات.

ما إن تتوقف سيارة فارهة في الحي، حتى يبدأ التسابق نحوها، رغبة في الفوز بشيء ما، أي شيء، لا يهم، ما دام الأمر يتعلق، بخبز، يسد رمق الجوع، ولو ليوم واحد، ولسان حالهم يقول «في الغد لكل حادث حديث».

كنا نتجول داخل الحي، في الحين الذي بدأ به سباق ماراثوني، اعتاد أهالي الحي على تنظيمه يوميا، حتى علمنا أن هذا السباق ينظم أكثر من مرة يوميا، يتسابق به النساء قبل الأطفال، وكبار السن قبل الشباب، يشارك به الجميع، للحصول على المساعدات الغذائية العشوائية التي تجود بها أنفس المحسنين، وسط مرأى ومسمع، من جمعيات الخير التي تحيط بالحي الفقير. وفي عودة لقصة أشهر الفقراء على الإطلاق، الذي حظي بصورة مع ملك الخير عبد الله بن عبد العزيز، مما يدل على التواضع الجم الذي يتمتع به «أبو متعب»، كما يحلو للأوساط الشعبية إطلاق هذا الاسم عليه ـ مع حفظ الألقاب ـ الذي تفقد في زيارته الميمونة التي قام بها لعدد من الأحياء الفقيرة في شهر الخير والبركة، أحوال القحطاني ونظرائه الفقراء، فلا يزال حالهم كما هو عليه، هذا ما أرادوا إيصاله عبر «الشرق الأوسط»، لملك الخير، الذي آل على نفسه، تفقد أحوالهم بنفسه، ودخل بيوتهم، واستمع منهم، في خطوة مباركة لا يقدم عليها إلا «ناصر الضعفاء والمساكين والفقراء».

«الحال على ما هو عليه يا أبو متعب»، بهذه العبارة، استقبلنا القحطاني في أول يوم من أيام الشهر الفضيل، في هذه الأثناء، أخرج القحطاني، من جيبه ريالا واحدا فقط، وقال: «ما حيلتي إلا هالريال اللي بجيبي، وليس لدي ما أطعم به عائلتي اليوم».

وتعود الذاكرة بالرجل الثمانيني، لتلك الصورة التي جمعته بملك القلوب، يسير ويتباهى بها بين الفقراء، مبايعا الملك عبد الله، وسمو ولي عهده الأمير سلطان، نيابة عن كافة الفقراء، راجيا الله أن يسكن الملك الراحل فهد بن عبد العزيز فسيح جناته.

واستبشر القحطاني خيرا، حين أكدنا له، أن الملك عبد الله استقبل في الواحد والثلاثين من يوليو (تموز) لهذا العام، رئيس وفريق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر، حيث نقلوا للملك عبد الله، أنهم أنهوا الدراسات الخاصة بالاستراتيجية، وأنها في الطريق للتنفيذ، حينها كاد القحطاني، ينفجر باكيا من الفرحة، آملا سرعة تنفيذ الاستراتيجية بأسرع وقت، حتى يصبح الفقر جزءا من الماضي.