شباب يقهرون الخجل وشمس الدمام الحارقة بغسيل السيارات

شهدتها ساحة مواقف مستشفى الدمام المركز المركزي

TT

مجموعة من الشباب السعوديين نفضوا غبار الخجل واقتحموا مجال غسيل السيارات بعد ان خلعوا عنهم ثياب "العيب" التي ظلت تحول بين ابناء الوطن والعديد من المهن «الشريفة» ذات المردود المادي الطيب، فاستغلها بعض الوافدين.

وجودهم في ساحة مواقف مستشفى الدمام المركزي ظل يلفت الانظار، مجموعة من الشباب السعودي، بأعمار مختلفة بينهم عدد من الأطفال بأزياء العمل المهترئة جراء الاوساخ والاتربة والشمس المحرقة التي لم تمنعهم من المناداة على «الزبائن» بصوت مرتفع: غسيل يا طيب؟.

«ناصر.غ» أسقط في يده واظهر خيبة وضحت من تجهم ملامحه حين ابتدرني بسؤال: غسيل يا طيب؟ واجبته بالنفي، قلت له انني ابحث عن الحقيقة، وأقدّر ـ وغيري ـ بسالته في امتهان هذا العمل الذي يرى البعض انه مهنة دونية ولا تليق. لكنه استعاد حيويته، وانطلق متحدثاً بفخر عما يقوم به، يقول: لم اجد بداً من ممارسة هذا العمل، في ظل عطالتي التي طالت لاني لم اوفق في ايجاد وظيفة، وفضلت مجابهة الناس بهذا العمل بدلاً من مد يدي للغير والارتهان لعطاياهم.

«أحمد. أ» يستطرد في حكايته مع هذا العمل: لست عاطلا، فانا اعمل في شركة وطنية في المنطقة الصناعية الثانية بالدمام براتب 1200 ريال، لكنه لا يفي باحتياجاتي ومصاريف الحياة كما تعلم في ازياد، لذلك كان لا بد من العمل في أي عمل. ولاصدقك القول، انا سعيد جدا بهذا العمل فقد استطعت الإنفاق على نفسي بشكل افضل، ومهنتي هذه لا عيب فيها طالما اني لا اسرق ولا اعتدي على اموال الغير.

بدا «بندر الحسيني» اكثر شجاعة وثقة بنفسه، ووضح في حديثه ارتياح كبير في العمل، بدليل اصراره على اشهار اسمه بلا تحرج او خجل، مبرراً اعتزازه هذا براحة الضمير التي يعيشها، معتبراً ان عمله شريف وفيه اعتماد على نفسه لا الغير، وان هذه المهنة تدر ربحاً وفيراً للمجتهد. واشار الحسيني الى ان ضآلة الراتب الذي يتقاضاه ليست مبرراً للركون للراحة، مضيفاً: ان الشاب يجب ان يغتنم الفرصة والشباب الذي ينعم به قبل ان يشيخ ويثقل الدهر كاهله بالعجز والمرض.

«ابو محمد» لا يقل رباطة جأش وشجاعة عن بندر، بل يفاخر بأنه متزوج من امرأتين ولديه ابناء من الاثنتين، وهن على علم بعمله وقانعات به، بل إنهن يشجعنه على المواصلة الأمر الذي جعله يقهر الخجل والتعب الذي يجده في لهيب شمس منتصف نهار رمضان، مؤكداً على ان ذلك تعب وقتي يزول طالما ان الهدف نبيل وهو العيش من عرق جبينه.

«مفلح. ع» يلتقط خيط الحديث مداخلاً: يا عزيزي المجتمع هو من كرّس هذه النظرة الدونية وهو من يستطيع ان ينزعها متى ما اراد. صدقني.. المسألة تحتاج الى شيء من الوعي، فليس من المعقول التذرع بعدم وجود عمل او التذرع بقلة الراتب دون بذل أي جهد في تجاوز مثل هذا الوضع، نحتاج الى شيء من الطموح والجرأة، لا شك ان المسألة في البداية متعبة لكن مع الوقت سنتعود ويصبح الموضع عادياً جداً.

وتبقى هذه الشريحة ردا عمليا على المتخاذلين والمتكاسلين من الشباب العاطلين عن العمل الذين يضعون اللوم على الاخرين دون ان يكبدوا انفسهم عناء البحث عن مصدر شريف للرزق ولو الى حين.